القى رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، محاضرة حول “الأردن.. تحديات والهوية”، في جمعية الشؤون الدولية التي يترأسها الدكتور عبد السلام المجالي، تحدث فيها عن أبرز القضايا الوطنية والتحديات والهوية الوطنية الجامعة، والإصلاح السياسي.
وقال “إن الهوية الأردنية راسخة متجذرة لا يمكن العبث بها أو الغاؤها، فمنذ تأسيس إمارة شرق الأردن، وقدوم المرحوم جلالة الملك عبدالله الأول، بدأ جلالته بإزالة العوائق كافة أمام تشكيل الدولة الأردنية الحديثة وهويتها الوطنية، واستطاع جلالته بحنكته دمج العشائر والقبائل في مؤسسات الدولة التي بدأ يقيمها، ودارت عجلة بناء الدولة ومؤسساتها وتطوير الهوية الوطنية، وكان من أهم المؤسسات التي انشئت حينها القوات المسلحة الأردنية، رافق ذلك قيام سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية التي رسخت الهوية الوطنية”.
وبين أن “خمسينيات وستينيات القرن الماضي التي شهدت تعاظم المد القومي والناصري، ومحاولات العبث بالهوية الوطنية وزعزعة نظام الحكم، استطاع الأردنيون بقيادتهم الحكيمة الحفاظ على تلاحمهم الوطني والاجتماعي، وتعاظم الاحساس بالهوية الوطنية الأردنية، ودافعوا عن وطنهم بشراسة وقوة، مشيرا إلى أحداث السبعين التي تصدى لها الأردنيون من مختلف منابتهم وأصولهم”.
وأوضح الفايز أنه “مع مرور الوقت تطورت الهوية الأردنية رغم التحديات، والتف الأردنيون حول قيادتهم الهاشمية، وانصهرت كافة مكونات المجتمع الأردني في بوتقة واحدة، وتقاسمنا جميعا نفس الواجبات والتطلعات والهموم، وآمن الأردنيون جميعا بأن العرش الهاشمي هو صمام الأمان لهم، والضامن لديمومة الأردن وأمنه واستقراره، وبات هناك ارتباط وثيق بين الشعب والعرش الهاشمي”.
وأضاف أن ذلك “انعكس على قوة ومنعة هويتنا الوطنية الجامعة، وترجم هذا الانتماء إلى نهضة شاملة في جميع الميادين، واستمرت هويتنا راسخة قوية رغم تواصل التحديات، واستطعنا أيضا بهويتنا الوطنية وقيادتنا الهاشمية الحكيمة مواجهة تحدي اللجوء والنزوح الفلسطيني واللبناني والعراقي، وتبعات حربي الخليج الأولى والثانية واحتلال الكويت، وانقطاع النفط العراقي والحصار الاقتصادي على الأردن عام 1989”.
ولفت الفايز إلى أنه “منذ أن تسلم جلالة الملك عبدالله الثاني العرش تواصلت مسيرة البناء والتطور، وتطويع الأحداث الإقليمية والدولية بما يخدم مصالحنا”.
وأكد أنه “في عهد جلالته استطعنا التغلب على تداعيات احتلال العراق والأزمة المالية عام 2008، والربيع العربي، وانقطاع الغاز المصري، والحروب الأهلية في العديد من الدول العربية، وانتشار الإرهاب، واللجوء السوري، وفشل مؤسسات العمل العربي المشترك، وتعثر عملية السلام، واليوم نواجه جائحة كورونا التي أثرت على أوضاعنا المعيشية والاقتصادية، لكن رغم وقعها الأليم وانعكاساتها سنتجاوزها”.
وبين الفايز أن “التحدي الأبرز الذي تجسدت فيه وحدتنا الوطنية وهويتنا الأردنية الجامعة بأبهى صورها، والتفاف الجميع خلف جلالة الملك، هو رفض جلالته المطلق لأية مشاريع تمس الثوابت الوطنية أو تصفية القضية الفلسطينية، أو اعتبار الأردن وطنا بديلا، وكان آخرها ما طرحته الإدارة الأميركية السابقة أو ما يسمى بـ”صفقة القرن أو صفقة العصر”.
وأكد أن “مواقف جلالته كانت واضحة ودوت في انحاء العالم كافة، بأن على الجميع أن يدرك أن الأردن لن يتخلى عن ثوابته، ولن يسمح بالعبث بهويته الوطنية، وجاءت لاءات جلالته لتقول للعالم، بأن الأردن هو الأردن، وفلسطين هي فلسطين، والقدس والوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية خط أحمر، ولن يفرط الأردن بحقوقه المتعلقة بعودة كافة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم وتعويضهم، اضافة إلى مختلف القضايا المتعلقة بالمياه والحدود، وتأكيد الثوابت الفلسطينية ودعمها مهما كانت الضغوطات أو الثمن”.
ومضى الفايز قائلًا: “أننا نواجه اليوم تحديا اقتصاديا، وهو ما أشار له جلالة الملك أكثر من مرة، لذلك على الجهات المعنية أن تعمل على وضع خطط اقتصادية ناجعة تحدد من خلالها أولوياتنا الاقتصادية التي يجب العمل عليها، بما ينعكس إيجابيًا على حياة المواطنين”.
وشدد على ضرورة “تفعيل الشراكة الحقيقية مع القطاع الخاص بهدف التوافق على الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة لإحداث النمو المنشود وتوليد فرص العمل، والوقوف على ما تحتاجه القطاعات الاقتصادية، مع وضع برنامج عمل اقتصادي واضح ومرتبط بمدد زمنية محددة، لتنفيذه بالشراكة مع القطاع الخاص من أجل تحقيق التعافي الاقتصادي، وتحقيق مستويات النمو والتشغيل اللازمة، لتحريك عجلة الاقتصاد وتحسين الخدمات المقدمة للمواطن”.
ودعا الفايز إلى “استثمار الأجواء الإيجابية التي عكستها زيارة جلالة الملك الأخيرة للولايات المتحدة الأميركية، وأن تنسجم أولويات الحكومة الاقتصادية مع الأهداف الوطنية، ومن ضمنها الحد من نسبة البطالة المرتفعة، ووجود خطة اقتصادية عابرة للحكومات، وتمكين الاستثمار المحلي وزيادة تنافسيته، بالتوازي مع العمل على جذب الاستثمار الأجنبي”.
وبين أن ذلك “يتطلب التعامل مع ملف الاستثمار بمرونة وشفافية، ووضع حد لتجاوزات البعض، وتسريع النظر في طلبات الاستثمار، لأن الأمن الاقتصادي والاجتماعي يشكل أولوية وطنية”.
وتطرق في حديثه إلى ضرورة الاستعداد الكامل للاستفادة من مشروع “الشام الجديد”، مؤكدًا في الوقت ذاته “أهمية التكامل الاقتصادي العربي لما شأنه تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة لامتنا العربية”، داعيا إلى “عقد قمة اقتصادية عربية موازية للقمة السياسية، يشارك بها رجال الاعمال وممثلون عن القطاعات الاقتصادية المختلفة، لبلورة مشروع اتحاد اقتصادي عربي يكون بعيدًا عن التجاذبات السياسية”.
وقال الفايز “لقد عقدنا العزم بهمة قائدنا المفدى، على مواصلة مسيرة الإصلاح والتنمية الشاملة، فبعد أن طرح جلالته الأوراق النقاشية، ورسم فيها مستقبل الأردن الذي نريد ويليق بشعبنا، شكل جلالته أخيرا اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، برئاسة العين سمير الرفاعي، ومن وزراء ونواب سابقين وخبراء وقانونيين وحزبيين وغيرهم”.
وبين الفايز أن جلالته “أراد بتشكيل اللجنة أن يجعل من الإصلاح عملا متواصلا، وحدد جلالته مهام اللجنة بتعديل قانوني الانتخاب والأحزاب، والنظر بالتعديلات الدستورية المتصلة حكما بالقانونين وآليات العمل النيابي، بهدف الوصول للحكومات البرلمانية الحزبية البرامجية”.