يا “راعيَ الزَّرْقا” ويا خيّالَها

سَلِّمْ على «الأخوالِ» و«الأَعْمامِ»

سَلِّمْ على «القَمَرَيْنِ» من شُهدائِنا:

وَصْفي، وهَزّاعٍ، أَحَرَّ سلامِ

واطْبَعْ على هامِ الحُسَيْنِ، نَدِيَّةً

قُبُلاتِ مُشْتاقٍ لأَشْرَفِ هامِ..
 في صباحات الوطن، ينعطف الهوى جنوباً، نحو «الرَّبة» الكركية الشامخة في قلب الجنوب الأشم، لنكون في حضرة فارس الشَّهادة الذي تحدث كثيرون عن صفات ذلك الرجل، وقد وصف المغفور له الملك الحسين بن طلال هزاع المجالي في كتابه «مهنتي كملك» بأنه كان رجلاً شجاعاً مولعاً بالحرية واسع الشعبية في سائر أنحاء المملكة.

هزّاعُ.. ابن الشامخاتِ رؤوسهم الذي سيبقى في الوجدان الوطني قامة تعانق السماء، وحكاية الدم الأرجوان التي تشرق في كتب اجيالنا ورود وزمازم تروي سيرة التضحية وعطر الشَّهادة الناهض في اشراقة «هزاع«.

صاحب فكر وموقف

يقول الباحث د. محمد العناقرة ان هزاع بركات المجالي ولد العام 1918 في مضارب أخواله الونديين في ماعين حيث كان والده في تلك الفترة مشاركاً في جيش الملك فيصل الأول وكانوا في طريقهم لتحرير سوريا، فولد في هذه المرحلة في ماعين عند جده وجدته الونديين في هذه القرية وهي من عشائر البلقاء المعروفة، وقد عاش مع جده وجدته إلى سن العاشرة ثم انتقل إلى الكرك حيث كان مبدعاً وتمثل ذلك كله بشهادة زملائه في هذه المرحلة وعند زيارة مدرسة الكرك الثانوية يلاحظ وجود بعض الكتابات والمقالات التي توحي بإبداعاته.. بعد ذلك انتقل إلى مدرسة السلط كما كثير من الأردنيين وتخرج منها ولم يكمل دراسته الجامعية بل التحق بدائرة الأراضي وتعلم المساحة وأصبح مساحاً بدائرة الأراضي ثم انتقل أيضاً لفترة من الوقت وعمل في محكمة صلح مأدبا ومن ثم وجد نتيجة لضغط بعض المسؤولين عليه أنه لابد أن يكمل دراسته ثم رجع إلى الكرك وتحدث مع والده بذلك والتحق بجامعة دمشق ودرس الحقوق هناك وأنهى دراسته العام 1946 حيث عاد من دمشق ليعمل في حقل المحاماة في مدينة الكرك وذكر ذلك في مذكراته حيث كان دائماً يتحدث عن أخوانه و عائلته وكيف نشأ وترعرع.

وثائق السفارة البريطانية

ويقول أ.د. سعد ابو دية إن أول برقية صدرت من السفارة البريطانية في عمان 29 آب1960 حول اغتيال هزاع المجالي لوزارة الخارجية بالشيفرة وسرية وعاجلة وأرسلت نسخ إلى مصر والقنصلية في القدس وتل أبيب وبيروت وبالأولوية إلى واشنطن ونيويورك وبغداد، وجاء في البرقية أن هزاع قتل في انفجار وقام السفير بزيارة الملك ونقل إليه التعازي وكتب السفير أن هزاع شخصية وطنية وشجاع وأن لندن دائماً احترمته وأحبته..وقد عبر الملك عن امتنانه للسفير وكان الملك متماسكاً ولكن مصدوماً وقال للسفير إن هناك ثمانية ضحايا منهم أمين عام وزارة الخارجية (يقصد زهاد الحمود) وعاصم التاجي.

حكمة السياسيين

وأضاف أبودية انه وفي لقاء له مع رئيس الوزراء المرحوم بهجت التلهوني قال إن جلالة المغفور له الملك الحسين طلب منه أن يشكل وزارة وأن يقيم في الديوان الملكي ولكن بهجت اختار أن يقيم في مجلس النواب مكان نادي الملك حسين الآن حتى لا يُفسر أن الأردنيين أصبحوا مذعورين ولقد تعامل مع الحدث بحكمة إذ أن عبد الخالق حسونة أمين عام الجامعة العربية زار الأردن وقال له بهجت أبيات المقنع الكندي الرائعة ومنها:

وإن الذي بيني وبين عمي لمختلف جداً

فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم

وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجداً

منع التجول

وبين ابودية ان السفير البريطاني كتب أن الملك طلب أن يمنع التجول لفترة غير طويلة وانه ليس هناك دليل على تورط مصر، وطلب السفير توجهات من الخارجية البريطانية بخصوص تعزية وزير الخارجية الموجود خارج الأردن في بيروت وتعزية أرملة رئيس الوزراء وتعزية رئيس الأركان حابس المجالي.

غليان في الكرك

واضاف ابودية: ذكر السفير في برقية يوم 8/9/1960:» أن حظر التجول كان في عمان فقط وباقي المدن هادئة ولا يوجد فيها منع تجول «.

إن الذي قام بفرض منع التجول هو المحافظ ومبادرة منه ورفعه (8) مساء ولا شك أن ذلك كان تصرفاً حكيماً.

وكتب السفير تحليلاً عن الجهة التي وقفت وراء الجريمة بناء على أراء الناس ، بعض الآراء اتجهت إلى اتهام الجمهورية العربية المتحدة ولكن أحباء الجمهورية العربية المتحدة لهم وجهات نظر أخرى.

«في الكرك هناك غليان .. عاد حابس المجالي يوم أمس (7/9) وذكر لصحفي بريطاني أنه بعد جهد جهيد استطاع أن يهديء الموقف عند الجموع الثائرة» .

أيمن هزاع.. شخصية الشهيد

نائب رئيس الوزراء الأسبق النائب أيمن هزاع المجالي قال عن أثر التربية الأسرية في تكوين شخصية الشهيد هزاع المجالي ان والده هزاع المجالي كان مشاركاً في الثورة العربية الكبرى في جيش الملك فيصل بالإضافة إلى طبيعة المرحلة التي ولد فيها هزاع حيث كانت بداية الثورة العربية الكبرى وتمثل ذلك من خلال مشاركة هزاع المجالي في المظاهرات أثناء دراسته في دمشق حيث عاش في هذه الأجواء وكان بطبيعته يشعر بالانتماء الوطني والانتماء العروبي وهذه كونت جزءاً من شخصيته.

وأضاف المجالي أن والده كان دائماً يشعر بأنه سيكون شخصاً ذا شأن في هذا الوطن حتى في أحلامه كان يشعر دائماً أنه سيكون شخصية مرموقة.

وعن دور والدته في حياة هزاع المجالي قال المجالي: «تعلقه بوالدتي هو الذي دفعه إلى تغيير مستقبله والاتجاه بالمستقبل السياسي لأنه كان مصراً عليها وهي أصرت عليه أن يكمل دراسته ويغير صفاته وبالتالي تغيرت شخصيته وانتقل فوراً إلى الحياة العملية بشخصية جديدة بعيدة عن كل ما عاش في فكره في تلك الفترة وأضاف أيضاً أنه كان يتعامل مع كل أولاده على نفس المستوى من المحبة وكان أيضاً يعشق الأردن والأردنيين.

رئيس بلدية عمان

بدوره قال الوزير الاسبق ميشيل حمارنة إن الفترة التي جاء بها هزاع المجالي لبلدية عمان كانت فترة عصيبة ليس فقط للأردن بل للعالم العربي فالهجرة الفلسطينية الأولى واكتظاظ عمان بتركيبة سكانية جديدة .. يحتاج لشخص يقوم بإدارة مدينة من هذا النوع وان يكون عنده رؤيا واسعة ووطنية ليستطيع تحمل هذا الضغط الكبير، وقام هزاع باستيعاب هذا الزخم وقام بالإعمار في المناطق المختلفة من عمان، كان يرغب بتماس مباشر مع الناس وأحسن تماس يمكن أن يحدث هو في البلدية إضافة إلى ذلك فهي عاصمة الملك الهاشمي حيث قام بتجميل العاصمة وتوسيع شوارعها دون أن تقوم هناك ثورة من قبل الناس احتجاجاً على أخذ أموالهم أو ما شابه ذلك بالتوافق معهم بفكرة تجديد المدينة وإعطائها حياة جديدة وتجميلها دون أن يكون عندهم ردود فعل سلبية وهذا الأمر يدخل ضمن رغبة جلالة الملك عبدالله الأول (المؤسس) وكان دعم كافة ملوكنا للعاصمة عمان دعماً واضحاً وكانوا يحبون هذه الجرأة في الأمناء العامين.

وبين الحمارنة أن هزاع أثبت موجودية كرئيس بلدية حيث قلده الملك عبدالله وساماً نادراً وخاصاً ولكن طلب أن يبقى هذا الوسام إلى الذين سيأتون فيما بعد وهو يسمى الآن «وسام أمين عمان» ولا يزال أمين عمان يحمل هذا الوسام الذي حمله لأول مرة هزاع المجالي ويطلق عليها «قلادة أمين عمان» يلبسها في الاحتفالات الرسمية وهذا دليل على مكانة هذا الرجل في هذا البلد.

سبب الوفاة

ويقول الباحث نظام المجالي ان سبب وفاة هزاع المجالي كان كسرا في الجمجمة وكانت تعابير وجهه بعد استشهاده تدل على منتهى الدهشة بحسب قول من رأى الجثمان وقد قال السير تشارلز جونستون سفير بريطانيا الاسبق في الاردن ان الخطأ الاكبر لـ»هزاع» كان المبالغة في الثقة بالناس فقد احجم عن اساءة الظن بالآخرين، وانه لم يكن لديه اهتمام جدي بالمحافظة على حياته فلم يهتم بحماية نفسه وقد كان يشعر بخطر قتله.

واضاف انه من بين الذين قتلوا مع هزاع المجالي طفل عمره 10 سنوات جاء للرئيس لطلب المساعدة في امر ما، وان زيد الرفاعي كان في الرئاسة جالسا مع زهاء الدين الحمود وعاصم التاجي فطلب منه الحمود بعض الوثائق فخرج لكي يأتي بها ولما عاد كان زهاء وعاصم من الاموات ونجا زيد الرفاعي حيث كان ملحقا دبلوماسيا في وزارة الخارجية وكانت الوزارة ضمن مبنى الرئاسة .

وبين المجالي ان وزارة الصحة كانت بجانب الرئاسة وجاء الوزير التوتنجي وفحص جثة رئيس الوزراء فوجد حرقا على ساقه اليسرى وتبين منه اتجاه الانفجار.

مشانق عمان جزاء المجرمين

من جهته قال د. محمد ناجي عمايرة انه في مثل هذه الأيام استشهد المرحوم هزّاع المجالي رئيس وزراء المملكة الأردنيّة الهاشمية العام 1960، حين تآمرت علينا قوى الشرّ والغدر والوقيعة فدبّر نفر من ضعاف النفوس الذين أغرتهم المغريات المادية لا أكثر، ونفذوا تفجير أو نسف مبنى رئاسة الوزراء بمن فيه انطلاقاً من مكتب الرئيس نفسه الذي كان على رأس عمله، فكان أن استشهد رحمه الله وعدد من المسؤولين وموظفي الدولة من مدنيين وعسكريين.

وقال العمايرة انه لم يكن إلا فتى في سن الثانية عشرة حين وقعت جريمة اغتيال هزّاع المجالي، غير أن مشاهد الجريمة التي زحف الناس إلى موقعها ليروا آثارها ما تزال ماثلة في ذاكرته، وانه قد رافق والده رحمه الله إلى الجامع الحسيني الكبير وسط عمّان ذات فجر للصلاة، وما أن خرجا من باب المسجد حتى كان الناس يتجمعون مندهشين وهم يشاهدون أعواد المشانق وقد تدلت منها أجساد أربعة من المجرمين الذين حكموا بالإعدام لضلوعهم بتنفيذ تلك الجريمة النكراء.

وأضاف: كنت أسأل والدي، لماذا يجري هذا؟ وكان يجيبني باختصار: هذا جزاء المجرمين.

أكاد أزعم أن العزاء قد عم كل بيت في الأردن، آنذاك ادراكاً لما كان لهزّاع المجالي من مكانة واحترام وتقديراً لوطنيته واخلاصه، ومواقفه الجريئة وصراحته في القول والفعل.

إشراقات

*جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال ذكر الشهيد هزاع المجالي بفقرة مؤلمة في كتابه «ليس سهلا ان تكون ملكا» تناولت قصة اغتياله، وكيف كانت فزعة الملك الحسين انذاك بتناوله لرشاشه والانطلاق لمكتب المرحوم هزاع، و كيف تم ايقافه قبل بلوغ مكتب الرئيس المجالي باعتراض سيارته من قبل المشير الركن حابس المجالي «ابن عم الشهيد» ورجائه له العودة للقصر لحين تبين حقيقة الأمر، وكان ان عاد، اما ما حصل بعدها ان القتلة وضعوا قنبلتين، الثانية منها انفجرت بعد 40 دقيقة.. فكانت إحدى العنايات الآلهية العديدة التي رعت الملك الحسين «طيَّب الله ثراه».

*رئيس الوزراء الاسبق أحمد اللوزي قال: ان هزاع كان الجندي الأمين لقائده، أحب وطنه، وعشقه كل أردني أصيل، باع نفسه من اجل الوطن، وفدى أهله ورسالته وديرته.

* الباحث هزاع البراري قال: الشهيد هزاع التصق بالسياسة منذ نعومة اظفاره مستشهدا بما كتبه الشهيد في مذكراته حينما قال: يلازمني احساس قوي بأنني سأصبح يوما ما رجل دولة وذا شأن سياسي في بلادي، وقد كشف عن هذا الميل باشتراكه في اول مظاهرة ضد وعد بلفور وهو في الصف الخامس الابتدائي مرورا بالمظاهرات التي قام بها مجموعة ضمت بالإضافة الى هزاع وصفي التل ونعيم التل ونايف الخطيب وآخرين.

*لحظة إعلان نبأ استشهاد هزاع لم يسمع بأرجاء الكرك سوى صوت الاذاعة الاردنية وهي تطلق عبارات «بُورك الدَّم يا كركُ» وصاحت النساء وزغردت النشميات للشهادة، وقد هرعت الكرك كلها تصرخ: بورك الدم يا كركُ.

* قيل إن الشهيد وصفي التل ذهب الى مكان الحادث ودلف الى مكتب الرئيس هزاع فوقف بين الحطام برهة من الزمن، فخرج وهو يحمل احد ارجل المكتب المحطم والغضب يملأ وجهه حزنا على صديقه ورفيقه هزاع.

* دفن هزاع في مدينة الكرك ، وبعد فترة وجيزة نقل رفاته لدفنه من جديد في بستان له يتوسط السهول التي تقطنها عشيرته في قرية الربة، وبقي وحيدا الى ان جاوره قبل سنوات وبنفس المكان ابن عمه ورفيقه القائد العسكري المشير الركن حابس المجالي.

* قبل استشهاد هزاع بأيام طلبت منه السلطات الأمنية ان يوافق على طرد اثنين من المراسلين العاملين في الرئاسة للاشتباه بهما، فرفض «هزاع» بشدة ان يتم المساس برزقهما حيث ان المراسلين ذاتهما هما من قاما بعد ايام بزرع القنبلة في مكتبه ليلا ثم فرّآ بسيارة الى سوريا ووصلا دمشق قبل ان تنفجر القنبلة في اليوم التالي.