أجرت وكالة “سبوتنيك” الروسية مقابلة مع المفتي العام للمملكة الأردنية الهاشمية، الشيخ عبد الكريم سليم الخصاونة، والتي تأتي بعد زيارته إلى موسكو وتوقيع مذكرة التفاهم بين المنظمة الدينية المركزية/الإدارة الدينية لمسلمي روسيا الاتحادية وبين دائرة الإفتاء العام الأردنية، والتي تعتبر الأولى من نوعها بين البلدين في هذا المجال.
متى كانت زيارتكم إلى موسكو التي وقّعتم بموجبها مذكرة التفاهم بين المنظمة الدينية المركزية/الإدارة الدينية لمسلمي روسيا الاتحادية وبين دائرة الإفتاء العام الأردنية، في مجال العمل الإسلامي؟
هنالك تنسيق مسبق بين دائرة الإفتاء الأردنية وبين سماحة مفتي روسيا الشيخ راوي عين الدين، وقد بدأت الزيارة يوم 21 أيلول/ سبتمبر وانتهت يوم 25 أيلول/ سبتمبر الحالي، وكان هدف الزيارة توقيع مذكرة تفاهم بين دائرة الافتاء الأردنية والإدارة الدينية لمسلمي روسيا الاتحادية، ومن أهم بنود المذكرة قيام الجانب الروسي بترجمة الفتاوى الصادرة عن دائرة الإفتاء العام في الأردن إلى اللغة الروسية، ومعلوم أن دائرة الافتاء في الأردن فتاواها دينية معتدلة مبنية على الأدلة الشرعية وتبتعد عن التشدد والتطرف والشذوذ وتشير دائماً إلى عظمة الإسلام بالسهولة واليسر والسماحة ورفع الحرج.
هنالك عدد من الشباب المشاركين في التنظيمات الإرهابية كانت جذورهم أردنية، فما تعليق حضرتكم على ذلك؟
نحن في الأردن عموما، وفي دائرة الإفتاء خصوصا لاحظنا حسب التوجيهات الملكية ظهور بوادر التطرف منذ عام 2004، لذلك فقد سلكنا في دائرة الإفتاء العام المنهج الوسطي المعتدل الذي يقوم على قول الله تعالى: “وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً”، هذا هو المنهج الذي سلكناه في الفتاوى الصادرة عن دائرة الافتاء حيث يتم نشرها على الواتساب والموقع الالكتروني لدائرة الافتاء وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي ويقرؤها طلبة العلم في مختلف الميادين، سواء في الجامعات أم في المؤسسات الدينية المختلفة، وقد وجدت قبولاً واسعاً وثقةً كبيرةً لأنها مبنية على أسس صحيحة متينة مستندة على القواعد الأصولية المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية ومناهج علماء الأمة من المذاهب المعتمدة، لذلك فقد حققت انتشاراً عالمياً، وهذا كان له أكبر الأثر في استقرار المنهج الديني في الأردن، وعدم وجود حاضنة شعبية لأولئك المتطرفين في بلادنا والملاحظ من قبل طلبة العلم والمختصين أن الفتاوى الصادرة عن دائرة علمية بعيدة عن التشدد والتكفير، وهذا هو المطلوب في هذا الزمان، كما أنها تُظهر سماحة الإسلام ويسره، وكثير من المسلمين في العالم يطلبون مثل هذه الفتاوى ويتقبّلونها.
كيف تنظر للشباب المتطرف، الذين ينتصرون لقضايا الأمة لكن بطريقة متشددة؟
بداية، علينا أن نفهم أن الغاية لا تبرر الوسيلة في منهجنا الإسلامي، وإنما نبل الوسيلة مستمد من نبل الغاية، ولا شك أن الإسلام جاء ليحقق المقاصد العامة للشريعة من خلال الحفاظ على الضرورات الخمس، وهي حفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسل، وكل ما ينافي هذه المقاصد التي جاء الإسلام للحفاظ عليها، فإنه يعتبر تطرفاً غير مقبول، وغالباً ما يكون هؤلاء المتطرفون وقعوا في شباك الجهل أو الأفكار المنحرفة التي يعتنقها التكفيريون الذين زينوا لهم التطرف والتشدد وأقنعوهم بأن هذا هو الإسلام، والإسلام منهم براء.
الإسلام دين يدعو للتوازن والاعتدال والوسطية، قال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً)، وقد أصدر جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله تعالى رسالة عمان في عام 2004 تبين وتشرح مضامينها روح الإسلام الذي يدعو إلى المحبة والتسامح والدعوة بالتي هي أحسن، وقد تُرجمت وعُقد في الأردن مؤتمر في تموز/ يوليو 2007 حضره أكثر من 160 عالماً من علماء المسلمين في أنحاء العالم، وترجموا الرسالة، واتفقوا على أن رسالة عمان هي رسالة معتدلة، فالمؤسسات الدينية سواء في الجيش أو في الافتاء أو في الأوقاف قاموا على ترجمة رسالة عمّان في خطبهم ووعظهم لتحصين الشعب الأردني والشباب المسلم في الأردن من التطرف.
حضرتك تتحدث عن نقطة مهمة جدا، وهي أن الأردن لم يكن حاضنة للتطرف، لكنه كان في أماكن أخرى، وأن الأردن في سنوات سابقة لتفشي هذه الجماعات، كان متيقظاً لذلك في 2004، قبل تنامي التطرف في المنطقة بعد العام 2011، بالتالي أنت تعتقد ان الأردن كان سباقاً لهذه الظاهرة؟
لم يكن الأردن يوما حاضنا للتطرف، بل كان سباقاً في التحصين ضد التطرف وأهله. وفي نفس الوقت كانت الجماعات المتطرفة مثل المصيدة التي تتصيد الشباب خارج وطنهم، والبعض وقع في المصيدة مثله مثل شباب آخرين في العالم، وبعضهم جاء إلى الأردن وهو يحمل الفكر المتطرف وهم قلة قليلة لا تمثل الشعب الأردني؛ لأن شعب الأردن وشبابه محصنون فكريا ضد الإرهاب وفكره الظلامي. وقد وجدت القلة المتطرفة فكراً معارضاً لفكرهم، ونحن في خطب الجمعة وفي الدروس الدينية في المساجد أو في محاضراتنا نحارب هذه البؤر التي تظهر بين حين وآخر.
في ضوء ما سبق، ماذا يستطيع الأردن أن يقدم مع روسيا في ظل هذه الاتفاقية التي تم توقيعها؟
كل الفتاوى الصادرة عن دائرتنا تخالف وتحارب الفكر المتطرف والمتشدد وتميل إلى اليسر، لأن الله تعالى يقول “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر”، وإن تكفير الناس إنما هو وسيلة كي يصل المتطرفون إلى جواز قتلهم، إذاً هنا عندما نصدر الفتوى نحارب التشدد، والتكفير، فنحمي بذلك دماء الناس بناء على قول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم “إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام”.
كيف رأيت روسيا اليوم من ناحية منظورها للأديان؟
لا شك أن شأن روسيا اليوم كشأن أي دولة في العالم تسعى لتحقيق الأمن والاطمئنان لجميع المواطنين بغض النظر عن دينهم أو ثقافتهم، والمواطن لا يمكن أن يحقق النجاح في بلده إلا إذا تمتع بالحرية الفكرية والأمن في التعبير عن رأيه والحرية في ممارسة شعائره الدينية، وإذا سعت الدول لتحقيق هذه الضرورات عندئذٍ يرتفع إنتاج الدول وتزداد قوةً وحضارةً بغض النظر عن عقيدة الإنسان أو فكره أو جنسه أو لونه، وبالمقابل فإن التطرف والتشنج هو مقبرة للروح والجسد، ومعرقل للتطور والإنتاج، ويشهد التاريخ أنه لم تقم أمة إلا بعد شعور مواطنيها بالأخوة الإنسانية والاحترام المتبادل بين المواطنين، وشعورهم بالأمن والأمان في بلادهم.
ألا يوجد مراكز بحث وإفتاء ديني في موسكو لتستطيع هي إنتاج أحكامها الشرعية، ما الحاجة للأردن في هذا المجال؟
مذكرة التعاون مع الأردن في هذا المجال تقوم على تبادل الآراء وتوسيع الأفق حول بعض القضايا من خلال التشاور وتبادل وجهات النظر.
ولا شك أن أصحاب الفضيلة المفتين في روسيا يسهمون في تفعيل مسيرتهم الاجتماعية والتعاون على البر والتقوى مع المجتمع، وأن يكونوا القدوة الصالحة والمثل الأعلى في السلوك الحسن والخلق الطيب الذي يعكس سماحة الإسلام وتعاونه مع محيطه ليعكس حقيقة الإسلام البعيد عن التطرف والتشدد، ولا شك أن لهم دور فاعل في نهضة المجتمع في روسيا وسعادته، وكل ذلك يعكس خلفية علمية وثقافية رصينة مستندة إلى منهج علمي صحيح ويمتلكون من المؤهلات والخبرات ما يمكنهم من استكمال مسيرة البناء بكل نجاح، وهو ما يستدعي من كافة المؤسسات الإفتائية التواصل مع بعضها والاستفادة من خبرات بعضها البعض في مجال صناعة الفتوى ومجال المستجدات العلمية على الساحة الإسلامية.
الأردن على أي مذهب فقهي يعتمد في فتاواه؟
غالباً، نعتمد في العبادات على المذهب الشافعي، لأن بلاد الشام عموماً منذ القدم اعتمدت المذهب الشافعي واعتادت عليه، لكن في بعض المسائل تخرج الدائرة عن المذهب الشافعي، وذلك لأنها تريد أن تسلك بالناس طريق اليُسْر.
هل هنالك أمثلة على فتاوى عصرية تطرقت لها دائرة الافتاء؟
نعم، على سبيل المثال الخلايا الجذعية، وهي قضية لم تكن موجودة في السابق، وفي هذه المسألة يستمع الشيوخ إلى الأطباء ويسألون عن كل صغيرة وكبيرة، ثم يفصلون القضية إلى مسائل، وربما يأخذون مسألة في القضية الواحدة من الحنفية، ومسألة أخرى من ذات القضية من الشافعية، وهكذا.. لا يمكن لدائرة الإفتاء في الأردن أن تقف في طريق العلم.
ومن أهم المسائل التي نقف عليها لتوضيحها للناس بما يتوافق مع الفكر الديني الإسلامي هي المسائل الطبية والاقتصادية. وأيضاً كل التفاصيل التي طرأت خلال جائحة الكورونا من تباعد الناس أثناء الصلاة وطريقة السلام وغيرها قمنا ببحثها.
ماذا يستطيع الأردن أن يقدم في مجال الإفتاء لروسيا في هذا الوقت؟
عندما نرسل الفتاوى إلى روسيا سوف يقرؤها المفتون والعلماء، وهم علماء أجلاء أفاضل لا نزايد على علمهم، وإنما الصيغة تأتي في سياق التعاون، وتبادل الخبرات في طرق وأساليب صناعة الفتوى التي تلائم الواقع المعاصر، وتعالج القضايا العامة والخاصة وإنزال الفتوى على كل حالة حسب ظروفها الخاصة، بالإضافة إلى طرق تبادل الخبرات في مجال صياغة الفتوى وتصديرها، وأثرها الإعلامي على المجتمع، بما يحفظه أمنه واستقراره خاصة إن كانت الفتاوى تتعلق بالقضايا العامة.
إضافة إلى إظهار مرونة الإسلام ويسره، والتأكيد على أن الإسلام ليس عائقاً أمام التقدم العلمي الفكري الاقتصادي الاجتماعي والصحي.
هل تعتبر هذه أول مرة يتم توقيع مثل هذه الاتفاقية بين دائرة الافتاء الأردنية ونظيرتها الروسية؟
نعم، هي الأولى ولن تكون الأخيرة إن شاء الله تعالى.
(حوار رانيا الجعبري)