شاركت وزيرة الثقافة هيفاء النجار في مؤتمر “آثار تغير المناخ على التراث الثقافي والطبيعي”، الذي نظّمته حكومة اليونان في إطار مؤتمر الأمم المتحدة 2021، معربةً عن تقديرها واحترامها لكل الجهود المخلصة وراء مبادرة الحماية المدنية وأزمة المناخ اليونانية، التي تُعدّ جزءاً مهماً من الجهد العالمي في مؤتمر الأطراف 26 لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ UNFCCC COP26.

وأكدت النجار، في كلمة افتراضيّة ألقتها أمس بمشاركة وزراء وخبراء وأكاديميين، ما يتوفر عليه الأردن، كموطن لـ 5 مواقع للتراث العالمي و 14 موقعًا مصنفا على قائمة اليونسكو المؤقتة التي تجمع بين المواقع الطبيعية والثقافية والمختلطة، بما في ذلك المدن التاريخية المنتشرة من شمال المملكة وحتى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، والمحميات الطبيعية الخلابة؛ إذ تعد هذه المواقع مركزا لعمل وزارة الثقافة وتقع في موقع تتقاطع فيه الثقافة مع البحث العلمي والتعليم والتنمية والسياحة والبيئة، بالتعاون مع الوزارات المعنية لحمايتها وتطويرها.

وعرّفت النجار بجهود الأردن في هذا المجال؛ الذي وبالرغم من كونه واحدا من أقل البلدان مساهمة من حيث الانبعاثات الضارة – إلا أنه من بين الدول الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ وتأثرا بتبعاته، في ظل حالة من تساقط الأمطار غير المنتظم، وندرة المياه الجوفية والسطحية والجفاف الشديد، وهو ما يضعنا أمام تحديات غير مسبوقة تتفاقم بسبب الكوارث الناجمة عن المناخ، والمشكلات البيئية، والضغوط الديموغرافية والهجرات المتعاقبة والناتجة عن الحروب والصراعات الإقليمية من حولنا؛ فأزمة بهذا الحجم تشكل معضلة جماعية لا تستثني أي دولة، وتتطلب التعاون والعمل الجماعي للتغلب عليها.

وتحدثت عن تصنيف مواقع التراث الثقافي في الأردن مثل موقع المغطس الواقع على طول نهر الأردن المهدد، وكذلك مدينة البتراء، مواقع ذات قيمة عالمية استثنائية؛ تُعرّف وفقًا لليونسكو بأنها تحمل أهمية ثقافية وطبيعية تتجاوز الحدود الوطنية للأجيال الحالية والمقبلة من البشرية جمعاء”.

وقالت النجار إنّ هذه المواقع لا يمكن الاستغناء عنها أو إهمالها، فهي غير قابلة للتجديد؛ ولا يمكن إعادة بنائها أو إنشائها، وفقدانها أو خسارتها يشكل أمراً خطيراً، في فقدان سبل عيش المجتمعات المحلية، فضلاً عن كون ذلك خسارة كبرى للتراث الثقافي غير المادي وتاريخ الحضارات العظيمة، لافتةً إلى أنّ حماية هذه المواقع دائماً تعتمد على الإرادة السياسية الحقيقية والعمل الجماعي، بما لها من أولوية قصوى على الصعيدين الوطني والدولي.

ونوّهت الوزيرة إلى أنّه عادة ما يتم تمثيل مواقع التراث الثقافي على أنها مواقع أو آثار ثابتة في لحظة من الزمن ومحصورة في فترة من التاريخ، لتمثل الإنجازات السابقة التي تعكس أعلى مستويات الإتقان الفني والهندسي والثقافي، مؤكدةً أنّ أن أهميتها تتجاوز ذلك بكثير، وأنها ليست مواقع ثابتة للثقافة أو خالية من البشر والحياة، بل تشكل حياة نابضة مزدهرة في تفاعل ديناميكي بين المجتمعات السابقة والحالية، فما تزال مصدرًا للإنتاج الفني والثقافي الخصب، والإلهام ، والتكيف، وتعج بالمجتمعات الأصلية والسياح على حد سواء، وتربط المجتمعات ببعضها من خلال الهوية والجذور والتاريخ، وهو ما يضمن الاستمرارية والتفاعل بين الأجيال السابقة والحاضرة والمستقبلية.

وتحدثت النجار عن المدينة الوردية البتراء نموذجاً، كونها ليست موقعا أثريا يمزج التأثيرات الثقافية العربية والنبطية فحسب، ولكنها مصدر نتعلم منه التكيف والصمود والاستمرارية، حيث قام الأنباط، منذ أكثر من 2000 عام، بتقسيم المدينة الرائعة باستخدام مناظر طبيعية من الحجر الرملي تقع في واد صحراوي وسط أحد أكثر المناخات جفافاً في العالم، بالرغم من مخاطر الفيضانات الشديدة والجفاف التي كانت تهدد وجودهم، فبنى الأنباط ببراعة أنظمة التحكم في الفيضانات التي تشمل المدرجات وأنظمة الري والسدود، ولم يقتصر الأمر على حماية المدينة القديمة، بل ساعدهم ذلك في توفير المياه والتنمية الزراعية التي يشهد العلماء وعلماء الآثار على أنها واحدة من أكثر آليات أنظمة المياه والري تطوراً في العالم.

وقالت إنّ البتراء، وكذلك موقع المغطس والعديد من المواقع الأخرى داخل المملكة، في خطر حقيقي بسبب آثار الممارسات غير المستدامة والظروف الجوية القاسية التي يسببها النشاط البشري، مؤكدةً أهمية حماية مواقع التراث الثقافي والطبيعي من هذه الأخطار، والدور الوطني الفاعل في التثقيف البيئي وحماية البيئة العالمية من المزيد من التدهور. وتساءلت الوزيرة: ألا يمكننا إذا أن نسأل أنفسنا ما إذا كانت مواقع التراث الثقافي لديها ما نتعلمه عن التكيف والاستدامة إلى جانب الفهم العميق للعالم الطبيعي؟.. وهو ما نتعلمه من مرونة حضارة الأنباط، التي استلهمها الباحثون في محاكاة أنظمة إدارة المياه النبطية وسط ندرة المياه التي تنبئ بالخطر البيئي بشكل متزايد في المنطقة.

وأشارت النجار إلى أنّه، وعلى الصعيد الدولي، أصبح الأردن جزءاً من الاتفاقيات الدولية، مثل بروتوكول كيوتو واتفاقية باريس التي قدمتها اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغيير المناخ، حيث دأب على المثابرة في عمليات المراجعة المنتظمة لهذه الاتفاقيات، وكان أول بلد في المنطقة يطور سياسة وطنية لتغير المناخ، كونه طرفاً في اتفاقية التراث العالمي، والتي على الرغم من أنها لا تركز غلى تغير المناخ، إلا أنها تلزم الدول الأطراف بحماية مواقع التراث الثقافي من الظروف الجوية القاسية والتغيرات المناخية والبيئية، ولذلك فالأردن يدعم كل الجهود المبذولة لدعم اتفاقية التراث العالمي وأهداف اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، ليكون رائدًا إقليميًا في هذا المجال، ويعمل بشكل إيجابي وجمعي وتعاوني للمساهمة في الجهد العالمي الهائل المطلوب في حماية المناخ والبيئة.

وختمت النجار كلمتها بأنّه بات من الضرورة الاعتراف بأن أزمة المناخ لا تؤثر علينا جميعًا بنفس الحدة أو بطريقة مماثلة، إذ لا تمتلك البلدان الأقل تقدمًا اقتصاديًا، مثل الأردن، الموارد الكافية لبناء بنية تحتية مقاومة للتغير المناخي أو للتخفيف من المخاطر التي تهدد مواقع التراث الثقافي والطبيعي، وعليه، فلا بد من دعم جهود الأردن في مكافحة آثار هذه الأزمة لحماية بلدنا وكنوزه الطبيعية والثقافية والتاريخية الغنية وحماية التراث الثري المتنوع للأجيال القادمة من البشرية.