يفر “الكابتن” قصي الذي يتمترس خلف مقود مركبة تعمل على إحدى تطبيقات النقل غير المرخصة، عبر أزقة عمانية لم يعهدها من قبل، تجنبا لرقباء السير الذين يشددون رقابتهم على غير الملتزمين بقواعد المرور.
وأًصر الكابتن “المدخن” على الراكب، أن يجلس في المقعد الأمامي، فالجلوس في الخلف يلفت النظر إلى مركبة يتجاوز عمرها 15 عاما، وغير مهيأة بأبسط وسائل الصحة والأمان للعمل على تطبيقات النقل الذكية، في رحلة استغرقت 55 دقيقة في وقت الذروة بتكلفة بلغت أربعة دنانير، في حين أن مدتها لا تزيد على 30 دقيقة من الطرق الرئيسة، بزيادة نصف دينار على أربعة دنانير بحسب التكلفة التقديرية ومدتها الظاهرة للرحلة ذاتها في تطبيق مرخص للنقل.
قصي واحد من آلاف الشباب الذين ينقلون الناس خلسة إلى وجهاتهم عبر التطبيقات غير المرخصة في الأردن، في مخالفة واضحة للتشريعات المحلية وأبرزها قانون السير، والذي يفرض عقوبات على مستعملي المركبات الخصوصية مقابل أجر تصل إلى حجز المركبة والحبس.
وحظر قانون تنظيم نقل الركاب على أي شخص طبيعي أو معنوي مزاولة خدمات نقل الركاب دون أن يكون حاصلا على الترخيص، فيما حظر نظام تنظيم نقل الركاب في مادته الثالثة، استخدام التطبيقات الذكية لنقل الركاب إلا بعد الحصول على الترخيص والتصريح وفق النظام وتعليماته.
أما صالح، وهو أحد العاملين أيضا على تطبيق غير مرخص بالتزامن مع آخر مرخص، يقول: إن ما يدفعه لنقل الركاب عبر تطبيق غير مرخص هو النسبة المنخفضة التي يتقاضاها مشغل التطبيق التي لا تتجاوز 15 بالمئة من أجر الرحلة، في حين تتقاضى الشركة المرخصة التي يعمل معها حوالي 30 بالمئة من قيمة الرحلة.
وأضاف أن النسب المرتفعة للشركات بالكاد تؤمن للسائق وقود مركبته، متسائلا في الوقت ذاته عن جدوى العمل على تطبيقات مرخصة في ظل تزايد النسب المستمرة خاصة على الرحلات الطويلة.
أما قتيبة فيعمل منذ 4 أعوام في مدينة إربد على تطبيقات نقل مرخصة، يؤكد أن نمط النقل الذكي يتعرض لخسائر جراء محددات أزمة فيروس كورونا، وعمل غير المرخصين فيه، مشيرا إلى أن هناك 7 تطبيقات غير مرخصة تعمل في مدينة إربد وحدها.
وأوضح أن إيراداته العام الحالي تراجعت بنسبة 50 بالمئة مقارنة بعام 2018 جراء تراجع عدد الطلبات من الزبائن بشكل رئيس لكونهم باتوا يستقلون مركبات تطبيقات غير مرخصة بأجر قليل، مشيرا إلى أن عددا كبيرا من الشباب توقفوا عن العمل على تطبيقات النقل الذكية لكونهم غير قادرين على الوفاء بالتزاماتهم المالية من قسط مركبة للبنك وترخيص للهيئة ومتطلبات معيشية.
وأكد قتيبة أن تطبيقات النقل المخالفة لا تتبع منهجية معينة في معايير الأمن والسلامة وتأمين الركاب والسائقين أثناء الرحلة، وليس لديها أي شروط صارمة في تعيين السائقين وتدريبهم ومراقبة أداءهم، لعدم وجود أي مرجعية تنظم عملها، مشيرا إلى أنها تعين في أحيان كثيرة سائقين بلا شروط ودون متطلبات تتعلق بشهادة عدم المحكومية والأوراق الثبوتية بعكس شروط التطبيقات المرخصة.
فيما روت الثلاثينية رنا، تجربتها عندما استقلت مركبة طلبتها عبر تطبيق غير مرخص، وقالت إنها معتادة على الذهاب إلى عملها بواسطة سيارتها الشخصية، لكنها في ذلك اليوم قررت تجربة تطبيقات النقل الذكية للتخلص من الإرهاق الذي تعانيه وقت أزمات السير.
وأوضحت أن أحد الزملاء نصحها باستخدام إحدى التطبيقات غير المرخصة محليا والذي يقدم 3 رحلات مجانية إلى مستخدميه بعد أول استخدام بهدف كسب الزبائن وجذبهم، مضيفة أن مجانية الرحلة الأولى مع هذا التطبيق كانت تكلفتها ضياع حقيبتها التي تحتوي على هاتف ومبلغ مالي وأوراق ثبوتية بخسائر إجمالية قدرها 550 دينارا.
وقالت “حاولت تقديم شكوى عبر التطبيق لكن لم أتمكن من ذلك، كما لم أتمكن من التواصل مع السائق الذي قام بإيصالي أبدا، فالتطبيق لا يمكن الزبائن من التواصل مع السائقين إلا من خلال الرد الآلي مع مركز الاتصال بالرسائل النصية على التطبيق” مضيفة أنها لم تجد أمامها سوى الإبلاغ عن المفقودات لدى المركز الأمني.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن الحكومة وافقت على ترخيص 6 تطبيقات نقل ذكية هي: كريم، وأوبر، وجيني، وقوك، وبترا، رايد ورايد،و تشغل نحو 13 ألف شاب أردني.
بينما قدر مدير عام هيئة تنظيم النقل البري طارق الحباشنة، عدد التطبيقات غير المرخصة بنحو 28 تطبيقا تشغل غالبيتها خدماتها من خارج المملكة، ويؤكد أن الهيئة تقوم بحملات تفتيشية لضبط التطبيقات غير المرخصة والمركبات وتحويلها إلى المدعي العام.
وأكد الحباشنة وجود حملات مشتركة مع إدارة السير لضبط المخالفين، مشيرا إلى أن هيئة تنظيم النقل البري خاطبت هيئة تنظيم قطاع الاتصالات لغايات حجب الخدمة عن التطبيقات غير المرخصة.
وحول إجراءات ترخيص تطبيقات النقل الذكية، قال الحباشنة إن ترخيصها موقوف حاليا.
وتستوفي هيئة تنظيم النقل البري من كل شركة يسمح لها بالنقل عبر التطبيقات الذكية رسما سنويا يبلغ 100 ألف دينار عن الترخيص أو تجديده إذا كان عدد سياراتها لا يتجاوز 3 آلاف، و 70 دينارا عن كل سيارة تزيد على ذلك، كما تستوفي مبلغ 400 دينار عن التصريح من كل مركبة تعمل على تلك التطبيقات.
نائب رئيس غرفة تجارة الأردن جمال الرفاعي، قال إن عمل التطبيقات غير المرخصة يؤثر سلبا على شركات التطبيقات الذكية المرخصة، والتكسي الأصفر، مؤكدا أن الشركات المرخصة لن تكون قادرة على الوفاء بالتزاماتها المالية في ظل منافسة غير شريفة من قبل تطبيقات بلا تراخيص.
وعن أسباب لجوء هذه التطبيقات إلى العمل دون تراخيص، أوضح أنها قد تكون غير محققة لشروط الترخيص، أو لتجنب تكلفة الترخيص العالية، مؤكدا عدم وجود إحصائية لعدد التطبيقات غير المرخصة العاملة محليا.
ونبه الرفاعي إلى أن النمط الاستهلاكي لدى السكان تغير أساسا بالتداعيات الاقتصادية لجائحة فيروس كورونا المستجد، مبينا أن ذلك انعكس على استقلال كثير منهم لوسائل النقل التقليدية كالحافلات والتكسي الأصفر، ما فاقم خسائر تطبيقات النقل المرخصة.
بدورها، قالت إدارة إحدى شركات تطبيقات النقل الذكي المرخصة العاملة محليا إنها تتقاضى نسبة لا تتجاوز 25 بالمئة من إجمالي الرحلات عبر تطبيقها للنقل الذكي مع ضريبة المبيعات، مضيفة أن ارتفاع تلك النسبة مبني وفق ما تدفعه من رسوم ترخيص تبلغ نحو 100 ألف دينار.
ولفتت الشركة إلى أن لديها مصاريف مخصصة للوفاء بالتزاماتها ومتطلبات استدامة العمل والتشغيل وتوفير مكاتب وموظفين، علاوة على أن العرض والطلب على الرحلات يحكم في كثير من الأحيان أسعار الرحلات.
وأوضحت أن انخفاض النسبة لدى التطبيقات غير المرخصة مرده انعدام التزاماتها وقلة مصاريفها، إذ أنها لا تدفع أية رسوم لجهات تنظم القطاع، ومتهربة عن دفع ضريبة المبيعات لكونها غير مرخصة أساسا.
وأكدت الشركة أن انتشار التطبيقات غير المرخصة يهدد القطاع عبر تأثيره على البيئة الاستثمارية فيه، مشيرة إلى أن المشكلة الكبرى تتمثل في المنافسة غير الشريفة في قطاع النقل عبر تطبيقات النقل الذكية.
ودعت الشركة إلى ضرورة بذل مزيد من الجهود الرسمية لضبط القطاع، ومحاسبة الشركات غير المرخصة.