مرايا – ولد في بيت ساحور عام 1950 ودرس الفلسفة واللاهوت في المعهد الكهنوتي في بيت جالا، وحصل على بكالوريوس في الأدب الإنجليزي من جامعة اليرموك، وشهادة الدكتوراه في اللاهوت (الليترجيا) من روما. يتكلم ويكتب ويحاضر باللغة الانجليزية والفرنسية والايطالية ويلمّ باللاتينية، الى جانب لغته الام. له مؤلفات في ترانيم الكنسية والليترجيا.

خدم نائبا بطريركيا لمدة خمس سنوات في الاردن، وما زال رئيسا لمجلس أمناء الجامعة الامريكية في مادبا وعضوا في المعهد الملكي لحوار الثقافات والأديان في الأردن وعضوا في المجلس الحبري للحوار بين الأديان في الفاتيكان.

ضيف «الدستور» اليوم النائب البطريركي العام لبطريركية اللاتين في القدس وفلسطين المطران وليم شوملي، الذي حمل رسالة العيش المشترك والمحبة للآخر وبشرى السلام الذي أنشدته الملائكة في الميلاد: «المجد لله في العلى وعلى الارض السلام وفي الناس المسرة».

المطران الشوملي خص «الدستور» بحديث يحاكي رسائل ود ومحبة و»ميلاد مجيد»، تاليا نصه:

** الدستور: عملت لسنوات عديدة في الأردن، ما هو أكثر شي ترك أثرا في نفسك؟ .
– الشوملي: بعد 100 عام من التقدم والنهوض السياسي والاجتماعي أثبت الاردن أنه دولة مؤسسات وينعم بالهدوء والسلم الأهلي، رغم إحاطته بدول عصفت أو ما زالت تعصف بها دوامة العنف وعدم الاستقرار. وتعود معجزة الأمن الى الحكمة الملكية ووعي الشعب الأردني بأنه بدون الاستقرار ينعدم التقدم الاقتصادي والعلمي والعيش الكريم.

تركت أثراً في نفسي الأخوّة القائمة بين المسلمين والمسيحيين والحريّة التي ينعم بها كل مواطن في ممارسة شعائره الدينية. وأتذكر أمرا طريفا من جلسات الحوار بين الأردن والفاتيكان. فقد كنت وما زلت عضوا في المجلس الحبري والمعهد الملكي لحوار الأديان، ويكون المشارك عادة إما من هذا الطرف أو من الطرف الآخر حتى لا يكون مضطرا أن يحاور نفسه، وفي تلك الجلسة كنت جالسا مع الوفد الأردني وليس الفاتيكاني!.

** الدستور: العيش المشترك والوئام بين الأسرة الأردنية كانت ضمن حديثك الدائم… كيف لمست هذه القيم على أرض الواقع؟ .

– الشوملي: نعم، العيش المشترك كان وما زال وسيبقى ميزةً يتباهى بها الأردن. فجمال الفسيفساء يأتي من تنوع ألوان حجارتها.

والاختلاف لا يعني حتما الخلاف، بل يمكن أن يعني التكامل، ونعيش معا في ظل حكمة الهاشميين، الذين منذ بدء الدولة الاردنية وحتى اليوم ما زالوا يحترمون مسيحيي هذه الارض وحقّهم في عيش عقيدتهم وممارسة شعائرهم. واليوم نرى ذلك جليا في مواقف جلالة الملك عبدالله الثاني الذي كان يدعو وما زال يدعو سنويا الأساقفة والبطاركة الى القصر الملكي العامر ليقدّم لنا التهاني بعيد الميلاد، لنحمل بدورنا رسالة محبته لجميع أبناء كنائسنا.

ومن مظاهر هذه التشاركية: الأعياد المسيحية والإسلامية، فعيد الميلاد هو عيد وطني للجميع، مثله مثل الأعياد الإسلامية للجميع. فتُغلق المؤسسات أبوابها ويتبادل الناس التهاني، كنت مسروراً عندما كان يزورنا رئيس الوزراء في عيدي الميلاد والفصح، بمعية الكثير من وزرائه ومن بينهم وزير الأوقاف، لينقل إلينا تهاني الحكومة والشعب الأردني، كما أن المسلمين يدعون المسيحيين لحفلات إفطارهم ويبادلهم المسيحيون أيضا بتقديم الإفطار في جوٍّ عابق بالمودة، وأصبحت إضاءة شجرة الميلاد في مختلف المحافظات مناسبة دينية ووطنية يحتفل بها الناس فرحين، ويدرس الطلاب المسلمون والمسيحيون في مدارسنا معاً، ويكبرون معاً ويدخلون الجامعات معاً، ويطول الحديث عن مظاهر هذه الأخوّة بين الناس.

** الدستور: وأنت في القدس.. ما هي أصعب التحديات على الساحة الفلسطينية اليوم؟ وما أهمية ترسيخ الوصاية الهاشمية للملك عبدالله الثاني على المقدسات الاسلامية والمسيحيّة؟ .

– الشوملي: الوضع في القدس وفلسطين قابل للانفجار، وبينما أنا أجيب على هذا السؤال علمت عن مقتل شاب فلسطيني في باب العامود في القدس، ونستيقظ كلّ صباح على أخبار العنف وهدم البيوت وتوسيع المستوطنات أو اقتحام المستوطنين لباحات المسجد الاقصى ناهيك عن الإغلاقات المفروضة على غزة والانقسامات الداخليّة.

يضاف إلى ذلك انعدام السياحة التي هي مصدر دخل رئيسي لسكان القدس وبيت لحم والخليل وغيرها. ورغم ذلك أذهلني كم يحاول أبناء الشعب الفلسطيني العيش بكرامة من خلال المشاريع الجديدة التي يقومون بها لخلق فرص عمل وتنمية الاقتصاد. وقد لاحظت ذلك أثناء زيارتي الأخيرة لبيت لحم وللغرفة التجارية في الخليل. فإرادة الحياة أقوى من إرادة الإحباط واليأس والموت.

وفي الوقت الذي باشرت فيه دول عربية كثيرة الاعتراف بإسرائيل وتقوية العلاقات معها على حساب مساندة القضية الفلسطينية، بقي الأردن سنداً قوياً في وجه محاولات تهويد القدس وجعل القضية الفلسطينية قضية ثانوية وليست قضية العرب جمعياً.

وجلالة الملك عبدالله الثاني مقدّر على الساحة الدولية. وارتباط اسمه واسم الهاشميين بالقدس ومقدساتها ووصايتهم عليها هي ضمانٌ وحمايةٌ ورعايةٌ تصون حقوق العرب والمسلمين لا سيما في المسجد الأقصى الذي يحاول بعض المستوطنين اقتحامه من أجل بناء الهيكل الثالث.

** الدستور: هل الإعلام الديني قادر على زرع الوئام ونبذ العنف؟ .

– الشوملي: لا شك أن الإعلام الديني في الأردن والدول العربية مؤثّر لأن الناس متمسكون بمبادئ الدين، وهذا التأثير يسير باتجاهين: إما لزرع بذور الوئام والمحبة او التعصّب وخطاب الكراهية، وما زال أمام رجال الدين مهمة ترسيخ مبادئ الأخوّة الإنسانيّة وتقبّل الآخر المختلف عني، ويا للأسف، نقرأ على وسائل التواصل الاجتماعي قدحا وذمّا وشتائم جارحة بحق الآخر وأحيانا تعليقات يندى لها الجبين. وواجب رجال الدين في العالم العربي، وليس فقط أجهزة الدولة، الحث ّعلى نبذ الفكر الإقصائي والحثّ على تقبّل الآخر واحترامه.

** الدستور: رغم عودتك الى القدس.. فأنت ما زلت رئيس مجلس أمناء الجامعة الامريكية في مادبا.. ما جديدكم في الجامعة رغم تحديات جائحة كورونا؟ .

– الشوملي: جائحة كورونا أثّرت سلبا على كافة القطاعات، ومنها التعليمية، أمّا الجامعة الأمريكية في مادبا فهي جامعة فتية يزيد عدد طلابها قليلا عن الـ 1500 طالب وطالبة، وتقدم عشرين برنامجاً ضمن سبع كليات، ويديرها رئيس كفؤ جديد هو د. مأمون عكروش، ويشرف على سياستها مجلس أمناء يقظ ومتعاون. من أشهر كلياتها الصيدلة وإدارة الأعمال وعلم البيانات والذكاء الاصطناعي والتواصل البصري وعلم الموارد البشرية.. وقد بدأت برنامج ماجستير جديد في علم ادارة المخاطر.

وتسير الجامعة نحو الاعتمادية الامريكية الكاملة المسمىى NECHE، وإن شاء الله ستحصل عليها خلال فترة غير طويلة، ونسبة خريجي الجامعة الذين يدخلون سوق العمل مرتفع نسبيا. وينتمي طلابها الى 26 جنسية لا سيما القادمين من العراق وسوريا وفلسطين ومصر.. أبنيتها ومصادر الطاقة فيها صديقة للبيئة، ومعلموها أكفاء قادمون من أفضل الجامعات، وتقدم الجامعة منحا للمتفوقين علمياً، وتبتعث الكفاءات التي ستعود لاحقاً لتدرّس في الجامعة. كافة برامجها معتمدة في آن واحد من وزارة التعليم العالي في الأردن ومن ولاية نيو هامشاير الامريكية، ولغة التدريس هي الانجليزية.

** الدستور: من أكثر شخصية أردنية قابلتها ولن تنساها؟ .
– الشوملي: خلال خدمتي في الأردن، قابلت وعملت مع أشخاص كثيرين، وأحببتهم وأعجبت بهم وهم من مختلف الشرائح والمنابت، من عالم السياسة والدين والثقافة والإصلاح والقانون، من أبناء الكنيسة ومن أبناء الشعب البسطاء، لن أنساهم أبداً، وللبعض منهم فضلٌ عليّ، لذلك أخشى أن أذكر اسماً معيّناً فأكون إقصائياً متحيزاً، لديّ أسماء كثيره احتفظ بها في ذاكرة القلب وفي صلاتي أمام الله.
** الدستور: غادرتَ الاردن منذ فترة بسيطة. ما هي رسالتك التي تركتها للأردن ملكا وشعبا؟ .

– الشوملي: أضرع الى الله كي يحمي جلالة ملكنا، فيبقى نِعمَ الأب والقائد لهذا الوطن، وكي يبقى الاردن الحضن الدافئ لأهله أولا ثم للاجئين الذين احتموا به من جراء التهجير، كما أتمنى أن تكون الكنائس في الاردن ملحاً ونوراً ومنارة في عمل الخير ونشر ثقافة الأخوّة والقيم الروحيّة والإنسانيّة.

** الدستور: رسالتك الميلادية ماذا تحمل هذا العام؟ .
– الشوملي: رسالتي الميلادية هي نفس البشرى السارة التي حملتها الملائكة وبشّرت بها رعاة بيت لحم: «المجد لله في العلى وعلى الارض السلام». وأطلب أن يكثّف الجميع الصلاة من أجل السلام في العالم ومن أجل شفائه من ويلات الوباء والحروب والإرهاب والتهجير والتعصّب.

أطلب للجميع، في السنة الجديدة المطلّة علينا، سلام القلب وطمأنينة الضمير. وكل عام وأنتم بألف خير.

(الدستور – نوف الور)