مرايا – أثار الإعلامي والقانوني خبير التأمينات والحماية الاجتماعية موسى الصبيحي عدة تساؤلات حول أرقام صندوق استثمار أموال الضمان التي أعلنت مؤخرا.
وقال الصبيحي في منشور له عبر الفيسبوك الاثنين، ان مؤتمر الحديث عن مؤتمر صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي جاء مبكراً للحديث عن إنجازات الصندوق وأداءه الاستثماري خلال عام 2021، ولم يمضِ على انتهاء العام سوى خمسة عشر يوماً فقط، وهذا يسجّل للصندوق، رغم التعجل الملحوظ في توقيت اللقاء، كما أن النتائج التي تم استعراضها جيدة ونتمنى أن تكون أوفر في السنوات القادمة، إذ حقق الصندوق دخلاً خلال عام 2021 بقيمة (575) مليون دينار، فيما جاء الارتفاع في موجودات الصندوق بلغ (1.1) مليار دينار.
وعلق الصبيحي معقبا على هامش المؤتمر الذي أسهم في تسخين الأجواء رغم برودة الطقس العالية بعدة ملاحظات تمثلت فيما يلي:
-لم تتم الإشارة إلى الفائض التأميني المحوّل من مؤسسة الضمان الاجتماعي إلى صندوق الاستثمار خلال عام 2021، في حال تم تحويل أي مبلغ كفائض تأميني، وهذا مهم في دراسة كافة أسباب النمو في الموجودات، وإن كنت أرجّح أن الفائض التأميني المحوّل للصندوق من المؤسسة كان بحدود (100) مليون دينار، مع العلم بأن ما تم تحويله فوائض تأمينية للصندوق منذ عام 2004 يناهز الستة مليارات دينار، واذا طلب مني استعراضها سنة بسنة فسأفعل.
-تم الحديث عن عائد استثماري مقدارة (575) مليون دينار، وعن ارتفاع بالقيمة الدفترية للأسهم الاستراتيجية بقيمة (411) مليون دينار، لكن لم يوضح أن انخفاض سعر السهم في مقبل الأيام لا سمح الله قد يهبط بالموجودات بنسبة عالية، كما لم يشار إلى أن الصندوق يعد لاعباً مهماً في السوق المالي وبمبالغ تعدّت الملياري دينار، حيث تشكل محفظة الأسهم ما نسبته (16.6%) من الموجودات، وهو سلاح ذو حدّين، فقد يعيق ذلك أي توجّه للصندوق تدعو له الحاجة لإعادة توزيع محافظه الاستثمارية، إذ ليس من السهولة تسييل محفظة بهذا الحجم.
-الأمر نفسه ينطبق أيضاً على محفظة السندات التي تستحوذ على (57%) من الموجودات، والتي يتعذّر تسييلها في حال لاحت لصندوق الاستثمار فرص استثمارية ذات جدوى عالية.
-وبحسب التصريحات فان المحافظ الاستثمارية موزعة بما يتوافق مع التوزيع الاستراتيجي المستهدف والمُقَرّ من مجلس إدارة الضمان، لكن لم يتم ذكر كيف صعد هذا التوزيع ولا سيما لمحفظة السندات بوتيرة متسارعة منذ عام 2010، حيث كانت قيمة هذه المحفظة (1.1) مليار دينار، وبنسبة (22.5%) من إجمالي الموجودات في تلك السنة، لتتدرج بالارتفاع بوتيرة متسارعة إلى أن بلغت قيمتها (6.9) مليار دينار حالياً لتشكّل ما نسبته (57%) من الموجودات، فهل هذا الارتفاع في محفظة واحدة سليم وينم عن تنويع وتوزيع صحيح للأدوات الاستثمارية، لا سيما وأن الدراسات الاكتوارية تطرقت إلى ضرورة التوزيع المتوازن للمحفظة الاستثمارية بين أدوات الاستثمار المختلفة من أجل تقليل نسبة المخاطرة، فكيف تاتي التصريحات بأن الصندوق يعمل وفق أفضل الممارسات العالمية، في حين أن الواقع يؤكد غياب أداة مهمة من أدوات إدارة المحافظ الاستثمارية للصندوق وهي الوصول إلى محفظة استثمارية مثلى (Portfolio Optimization)، إضافة إلى أداة مهمة أخرى هي إدارة الموجودات والمطلوبات (Assets-Liability Management).
– تم الاشارة في المؤتمر الى أن هناك مشاريع استثمارية مع الحكومة منها الناقل الوطني، وبناء مدارس حكومية، وعدد من مشاريع البنية التحتية، وتأسيس شركة للاستثمار في البنية التحتية، إضافة إلى المشروعات القائمة مع الحكومة، وهذا جميل لكن ألا يرفع هذا من نسبة التركّز المرتفعة أساساً للاستثمارات والمشروعات ذات الصلة بالحكومة، ألا يكفي الاستحواذ الكبير لمحفظة السندات الحكومية، ألا يزيد ذلك من نسبة المخاطرة الاستثمارية.
– لم يتم التطرق في المؤتمر إلى تفاصيل مهمة تتعلق بمحفظة الاستثمار السياحي التي تعاني، والتي تناهر قيمتها (292) مليون دينار بما نسبته (2.7%) من موجودات الصندوق، وفيما إذا حققت عوائد استثمارية خلال العام الماضي أم لا.
– كما لم يتم التطرق إلى تعطل فندق كراون بلازا البتراء منذ أكثر من عشر سنوات، وضياع مبالغ مالية وعوائد استثمارية لا تقل عن (11) مليون دينار خلال هذه الفترة كان يحققها قبل تعطله، وفقدان (300) موظف وعامل في الفندق لوظائفهم منذ ذلك الوقت، وخسارة مبالغ كبيرة نتيجة عطب وخراب تجهيزات وموجودات الفندق التي تم إلقاؤها في العراء فترة طويلة، علماً بأن كلفة هذا الفندق بلغت (14) مليون دينار، وكلفة إعادة تأهيله حالياً تناهز هذا المبلغ أيضاً، كما لم ينم التطرق إلى كلفة تحديث فندق انتركونتيننتال العقبة الذي لم يمضِ على تشغيله سوى 14 سنة، والذي ستبلغ كلفة تحديثه أكثر من (13) مليون دينار، وفيما إذا كان سيتعطل خلال فترة التحديث أم لا.
– ولم يتم التطرق إلى فندق عمان الشام بالاس المغلق أيضاً منذ عام 2016، وهو من الفنادق الكبيرة في عمان، ولا يزال الصندوق وذراعه في إدارة محفظة الاستثمار السياحي وهي الشركة الوطنية للتنمية السياحية يدرسان سيناريوهات تشغيله، علماً بأن تكلفة إنشاء هذا الفندق ناهزت (10) ملايين دينار، كما لم يتم التطرق إلى الاستراحات السياحية التي يمتلكها الصندوق وعدد منها مغلق أو معطّل مع الأسف ومنها استراحة الكرك التي تتربع على موقع استراتيجي جداً على مرمى أمتار من بوابة قلعة الكرك التاريخية.
– لم يتم الاجابة على ما طرحناه سابقاً من أسئلة تتصل بعوائد الاستثمار المفقودة الناجمة عن عدم تحويل مبالغ مالية كبيرة من الفوائض التأمينية للصندوق، لا سيما ما أشار إليه مدقق الحسابات القانوني في تقريره الملحق بالتقرير السنوي للصندوق لعام 2020 بقوله: (كان لأوامر الدفاع أثر غير مباشر على عمليات صندوق استثمار أموال الضمان، بحيث انخفضت صافي المبالغ المحولة من المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي للعام 2020 بملغ (369) مليون دينار مقارنة مع عام 2019، والتي كان من المتوجب استغلال هذه المبالغ لتحقيق عوائد مالية للصندوق للعام 2020).
– يضاف إلى النقطة السابقة، مبالغ الاشتراكات الضائعة التي كان لها دور كبير في زيادة الفوائض التأمينية المالية، بسبب ما يسمى بتعليق تأمين الشيخوخة، وتخفيض الاشتراكات إلى النصف أو الربع، وهي برامج لا تزال قائمة إلى الآن، مما أثّر بالتأكيد على النشاط الاستثماري للصندوق وقلل من الدخل المتحقق خلال السنتين الماضيتين، و ربما سيمتد ذلك الأثر إلى العام الحالي، حيث لم يشار إلى آثار هذه البرامج التي تم من خلالها إنفاق مئات الملايين، فما أثرها على الاستثمار والمحافظ الاستثمارية المختلفة، وكان يفترض أن تشير إلى ذلك بوضوح وتفصيل، مما تقتضيه شفافية الإفصاح.
– لم يتم التطرق إلى أهمية ما يعوّل على النشاط الاستثماري للصندوق من خلق فرص العمل للأردنيين، وهو مع الأسف دور خجول جداً للصندوق في ظل قلة المشروعات الانتاجية التي ينشئها، لا بل كان هناك إسهام في فقدان المئات لوظائفهم في أكبر مؤسستين صحيفتين أردنيتين يمتلك الضمان (30%) من إحداهما و (54%) من الأخرى، إضافة إلى من فقدوا وظائفهم من فنادق الضمان المذكورة.
وختم الصبيحي قائلا: “هذا بعض ما أردت المرور عليه بعجالة، ولديّ مسائل أخرى قد يكون مجالها في إدراج آخر، ومع كل ما ذكرته فهذا لا يعني أبداً أنني أقلل من جهود الزملاء في صندوق استثمار أموال الضمان على الإطلاق، لكنني أتحدث عن قضايا تتعلق بسياسات وقرارات قد لا يكون لأغلب الزملاء دخل فيها، ومع ذلك فإن الهدف من النقاش هو التصحيح والتصويب والوصول إلى أداء استثماري أفضل وأمثل، لا سيما وأننا نتحدث عن صندوق هو صندوق الأجيال كلها، وهي أمانة كبيرة في أعناقنا جميعاً وبخاصة في أعناق أصحاب القرار وراسمي سياسات الصندوق الاستثمارية وكل من له صلة بالقرار والتخطيط والرقابة والحوكمة وإدارة المخاطر، ولا يُقبَل الحديث عن ممارسة استثمارية ضمن المعايير العالمية وعن حوكمة استثمارية ونحن نضع نسبة كبيرة من بيضاتنا في سلة واحدة، فإذا سقطت أرضاً لا سمح الله تكسّر البيض ولم يعد صالحاً حتى لصنع طبق من العجة.