مرايا – رد عضو المحكمة الدستورية المحامي الدكتور احمد خلف مساعدة على سؤال وجه اليه لكيفية قيام الاحزاب الحديثة وتشكيلها خلال مؤتمر مركز الحياة “راصد” حول التيارات السياسية الناشئة والمندمجة حديثا، معتبرا أن على الأحزاب اقناع الجماھیر بخطابھا ودفعھم الى الانخراط بھا او دعمھا من خلال العملیة الانتخابیة ولیس من قبیل النَوح والشجب والقاء اللوم ھنا وھناك، وانما من قبیل الافادة من ھذا الواقع لكي تتمكن الاحزاب والقوى السیاسیة الحدیثة على اخذ العبر والدروس والمضي قدما.
وتابع الدكتور مساعدة، لقد بنى جیل مضى من الاردنیین والاردنیات ذوي رؤى وكفاءة وفكر سیاسي مؤسسات ھذا الوطن وشاھدوا انجازاته ومن ثم أتت سیاسات لاحقة على بعض تلك الانجازات وخاصة في المحور السیاسي فاثقلت ضمائر الاردنیین، فتم سن قانون انتخاب في عام ۱۹۹۳ مزق النسیج الوطني للبلاد وقدم العمل المنافعي على حساب العمل السیاسي، وترافق مع ذلك وجود عقیدة تاریخیة لدى الدولة الاردنیة مناھضة للاحزاب وممارسات بالتضییق على المشاریع الوطنیة الجدیة منھا واجھاضھا قبل وبعد تشكیلھا وجرى ھندسة ارادة الناخبین بصورة أساءت للشعب الاردني، وأدى ذلك كله الى انعدام ثقة المواطن بالحكومات والمجالس النیابیة واصبح التشكیك والریبة بوصفات الاصلاح المتعاقبة سمة الاردنیین.
وأضاف، في ظل ھذا الواقع وعلى خلفیة مخرجات اللجنة الملكیة لتحدیث المنظومة السیاسیة، تتأسس احزاب وتیارات سیاسیة جدیدة بعد ان فشلت جمیع الاحزاب الاردنیة على اختلاف عناوینھا لتقف الحیاة السیاسیة الاردنیة على منعرج طُلب من الاردنیین فجأة تناسي الماضي ویجري استجرار مشاركتھم وھندسة الساحة الحزبية بطریقة تثیر التندر، بینما الاغلبیة الصامتة من الشعب متعطشة الى التجدید الحقیقي.
وفي رده المباشر على السؤال الذي یطرح نفسه الآن بقوة: كیف تبنى الاحزاب، وهل ھي نتاج تشریعات وارھاصات رسمیة، ام ھي في جوھرھا فكرة ومبدأ تلتقي علیه اطیاف الناس كل على مشربه ومیله ومعتقده، وعلى وجه الخصوص ما ھو الفكر الجدید الذي تقدمه الیوم الاحزاب حدیثة العھد او قید التشكيل للناس بعد أن فشلت النظریات والافكار السابقة على ارض الواقع؟ قال المساعدة: “إذا كانت المبادىء العامة المعلنة للاحزاب الجدیدة لا تجیب على اسئلة الجماھیر ولا تلبي مطالبھا، واذا كانت الاحزاب الجدیدة بدون لون سیاسي واضح او بالتناوب كان یلفھا الخجل في طرحھا لذاك اللون او تلك الصبغة السیاسیة بغایة مجاملة الجمھور ضمن منھجیة “الباب الموارب”، فإن ذلك یسلخ عنھا النكھة السیاسیة ابتداء وینذر بافتكاك الجماھیر من ذوي التطلعات الفكریة والادبیات السیاسیة عنھا، كما أن الاحزاب الجدیدة وقید التشكیل لم تأت ببرامج واقعیة قابلة للتطبیق تحاكي تحدیات الناس وتبین لھم بسلاسة ووضوح آلیات وادوات ومدد تطبیق تلك البرامج ضمن منظومة علمیة رقمیة جرى تدقیقھا بشكل احترافي من بیوت الخبرة والمختصین، فعندئذ لن یكون مصیر تلك الاحزاب افضل من سابقاتھا.
وربط د. مساعدة انخراط الناس في العمل الحزبي او المشاركة السیاسیة العامة بستة محاور حددها بما يلي:
اولا: یجب ان یغلف العمل السیاسي سمة واضحة وغیر متداخلة بشكل ضبابي تقوم على مبادئ وقیم وادبیات تشكل المنارة الھادیة والمرجعیة العقائدیة لذلك الحزب.
ثانیا: یجب توفر المعلومات والبیانات الدقیقة عن الواقع المجتمعي وواقع حال البلاد الاقتصادي والمالي والنقدي وقیام الحكومات بعدم احتكار تلك المعلومات حتى تتمكن القوى السیاسیة الحدیثة من اجراء تحلیلاتھا العملیة المعمقة والمدروسة وفقا لتلك الارقام بمنھجیة واضحة تجعلھا قادرة على تحدید اولویات سیاساتھا واختیار القطاعات البرامجیة المقدمة للجمھور، إضافة الى ان قضیة البرامج في العمل الحزبي ما ھي إلا مادة انتخابیة تأخذ سمة موسمیة أما المبادئ فھي الثوابت التي لا تنفك عنھا الاحزاب سواء في الحكم او المعارضة.
ثالثا: ان النظام النیابي الملكي ھو الركن الاھم الذي نص علیه دستور المملكة الاردنیة الھاشمیة، وان اي عمل سیاسي ینتج مجالس نواب بدون سلطة سیاسیة كاملة وحقیقیة ومن خلالھا ینتج ایضا حكومات برلمانیة حزبیة، لكن منقوصة الولایة العامة، والخوف هنا من أن یدفع ذلك الناس الى مزید من التشكیك بالنوایا والاحجام عن المشاركة الحزبیة والعامة، وھذا یعني بالضرورة ان الاحزاب السیاسیة الحقیقة، اذا كتب لھا ان ترى النور، فمن المشكوك فیه ان یكتب لھا الاستمرار ،وھو ما سیؤدي بالنتیجة الى استمرار تراجع نوعیة السیاسیین والسیاسات واعادة الحیاة السیاسیة في البلاد الى حالة الجمود والتخلف.
رابعا: إن الشعب الاردني یبحث عن قیادات وطنیة لم یعرف عنھا سوى الصفات الحمیدة، ویبحث ایضا عن الكفاءات الحقیقیة ذات الخبرات والتجارب، بحیث تلھم تلك القیادات جموع الجماھیر وتبعث الامل لدى جیل الشباب وھو الذي یعیش مرحلة تحول عمیقة ویمارس حقه في التعبیر عن كل ما یتعلق بشؤون حیاته من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ومن ھنا فإن اي عمل سیاسي لا یأخذ بما تقدم ذكره بجدیة لن یذھب بعیدا، على الاقل في نظر الجماھیر.
خامسا: یجب ارسال رسائل واضحة والقیام بممارسات عملیة من قبل اجھزة الدولة تؤكد جدیتھا تجاه العملیة الاصلاحية السياسية التي ينادى الیھا الان، خلافا للموروث التاریخي لتلك المؤسسات، وبخلاف ذلك فلن یقتنع الاردني والاردنیة بجدیة وجدوى ھذه العملیة برمتھا وسیبقى متوجسا منھا.
سادسا: إن قضایا الحریات العامة وقضایانا القومیة وعلى رأسھا قضیة فلسطین وسیادة القانون وبث روح المبادرة والابداع والثقة بالنفس ومحاربة الفقر والتوزیع العادل للثروة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعیة تتصدر الاولویات لدى الاغلبیة من الاردنیین، فھل الاحزاب الجدیدة جاھزة لحمل ھذه الاھداف النبیلة والنضال لاجل تحقیقھا؟.