مرايا – تحدث رئيس ديوان التشريع والرأي السابق الدكتور نوفان العجارمة حول “مزاعم” بتسريبات حسابات مصرفية في بنك (كريدي سويس)، والتي رفضها البنك بشكل فوري.
وخلص العجارمة إلى قضية قانونية يتحمل مسؤوليتها البنك نفسه، مقدرا أن أصحاب هذه الحسابات لديهم أساس قانوني لمقاضاة البنك أو أي موظفين عاملين لديه مسؤولين عن عملية التسريب.
وكتب العجارمة عبر “فيسبوك” ما يلي:
بدأت السرية المصرفية السويسرية وسيلةً لحماية المصالح المصرفية الأوروبية الثرية، وقد أُقرت سويسرا سنة 1934 القانون الاتحادي بشأن البنوك والادخار، والذي أقر سرية الحسابات لغاية حماية أصول الأشخاص الذين تعرضوا للاضطهاد من السلطات النازية في حينه.
وقد جعل هذا القانون الكشف عن معلومات صاحب الحساب لطرف ثالث جريمة جنائية تصل عقوبتها السجن لمدة 3 سنوات.
وقد أدى هذا الأمر الى ازدهار النظام البنكي السويسري، حيث قدرت جمعية المصرفيين السويسريين فيعام 2018 ان البنوك السويسرية تمتلك اصولاً بقيمة 5.6 ترليون دولار أمريكي أي 25% من جميع الأصول في العالم ؟؟
ورغم المحاولات لتجاوز السريةالمصرية من خلال تعديل التشريعات ذات العلاقة الا ان البرلمان السويسري رفض إلغاء السرية المصرفية وصوت الشعب باستفتاء عام على ذلك أيضاً.
ونتيجة لذلك وبناء على عدة ضغوط دولية انضمت سويسرا في عام 2017 إلى مجموعة من الدول (38 دولة) من خلال اعتماد نظام التبادل التلقائي للمعلومات (AEOI) وهو المعيار العالمي الذيطبقته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) لمكافحة التهرب الضريبي وبموجب هذا المعيار.
ترسل البنوك تلقائيًا معلومات العميل الأجنبي إلى سلطات الضرائب الوطنية التابع لها، مع بيانات عن المقيمين الأجانب، ويهدف هذا المعيار إلى منع الأجانب الأثرياء من إخفاء الأموال غير المصرح بها في سويسرا والتأكد من التزامهم بالقوانين الضريبية في جميع أنحاءالعالم.
ونظام الحسابات السرية ليس حكراً على النظام البنكي السويسري، فهناك ثمانية دول لديها قوانين للسريةالمصرفية بما في ذلك سويسرا، منها: وليختنشتاين والدانمارك والنمسا وسنغافورة وهونغ كونغ وبنما وأوروغواي.
فكل دولة لديها مستويات مختلفة من الحماية والسرية للعميل، لكن جميعهم يتمتعون بحماية كبيرة للأصول والخصوصية، عند دمجها مع الأدوات القانونية المناسبة.
لكن تبقى سويسرا الدولة الأهم لعدة أسباب منها: الاستقرار الاقتصادي والسياسي في سويسرا فهي دولة محايدة وبعيدة عن النزاعات، وانخفاض الضرائب لديها، فلا يخضع صاحب الحساب البنكي (الأجنبي) إلى ضريبة الدخل طالما لم يكن الدخل منشركة أو أسهم سويسرية، إضافة الى اعتمادهم نظام الحسابات المرقمة عن طريق تعيين رقم لصاحب الحساب بدلاً من الاسم، مع عدم كشف البنك عن هذه الحسابات للجمهور، أوحتى لمعظم موظفي البنك، وإذا تم فتح الحساب باسم شركة خارجية فلا يتم الكشف عن هويته حامل حسابات الشركة.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام: دولة بهذه العراقة والضخامة المصرفية حيث يوجد لديها أكثر من 400 بنك، فهل من السهل اختراق هذه الحسابات كما حصل مؤخرا مع بنك كريدي سويس وهو أكبر ثاني بنك في سويسرا؟؟
ألا يدرك النظام المصرفي السويسري خطورة هذا الامر؟ ألا يخشى النظام المصرفي السويسري خسارة ميزة تنافسية مقارنة بمنافسيه؟؟
لقد تم قبل يومين تسريب بيانات لأكثر من 18000 حساب مصرفي، كشف عنه تحقيق شاركت فيه أكثر من 40 وسيلة إعلامية، عن عشرات الحسابات في بنك كريدي سويس التي يُزعم أنها مملوكة لمسؤولين حصوا لها بطريقة غير قانونية، وقد أعلن بنك كريدي سويس على الفور رفضه التام لهذه المزاعم.
وقد أصدر بنك كريدي سويس يوم الأحد 20/2/2022 بياناً جاء فيه: أنه “يرفض بشدة المزاعم والتلميحات حول الممارسات التجارية المزعومة للبنك”، وأضاف أن “الأمور المعروضة هي في الغالب تنتمي إلى الماضي، ويعود تاريخها في بعض الحالات إلى أربعينيات القرن الماضي، وتستند التقارير المتعلقة بهذه الأمور إلى معلومات جزئية أو غير دقيقة أو انتقائية أُخرجت عن سياقها، مما أدى إلى تفسيرات متحيزة للسلوك التجاري للبنك”.
وأضاف البنك أن ما يقرب من 90٪ من الحسابات التي تمت مُراجعتها (من طرف ناشري التقرير – التحرير) أغلقت اليوم أو كانت في طور الإغلاق قبل استلام الاستفسارات الصحفية.
وقال أيضًا إنه يأخذ التسريب المزعوم في الإبلاغ على محمل الجد، وشدد على أن لديه أنظمة قوية لحماية البيانات…)).
وقد ذكرت عدة مواقع بأنه تم تسريب البيانات قبل أكثر من سنة إلى الصحيفة الألمانية (زود دويتشه تسايتونغ) من قبل شخص يصف نفسه بمُبلّغٍ عن المخالفات بشأن حسابات تعود إلى 37 ألف شخص بقيمة إجمالية تزيدعن مئة مليار دولار كما ورد في موقع “https://www.swissinfo.ch/ara”، وفي هذا السياق يتضح ما يلي:
إذا كانت البيانات سربت قبل عام فيفترض بأن البنك على علم بذلك، ومن واجب البنك اعلام أصحاب الحسابات بهذا الامر، أو على الأقل قيامه بإجراء تحقيق داخلي لمعرفة حقيقة هذا الامر، ويبدو انه لم يفعل ذلك، وهذا يضع البنك في إطار المسؤولية القانونية كونه أخل بالتزاماتهالتعاقدية على الأقل.
لو افترضنا انه تم قرصنة المعلومات الخاصة بالبنك، ألا يتم كشف ذلك في حينه، الا يتم فتح تحقيق رسمي من قبل الدولة ونحن نتحدث عن ثاني أكبر بنك في سويسرا وليس سوبر ماركت؟؟ عدا عن ذلك فبالعادة قراصنة البنوك يسعون للسطو على الأموال وليس على المعلومات؟؟ من يخاطر بنفسه بعقوبات جنائية حتى يحصل على معلومات فقط؟؟ إضافة – اذا كان موظف لدى البنك- الى المنع من ممارسة المهنة تجاه المصرفيين المتورطين أو سحب الترخيص المصرفي من المؤسسات المُتورطة؟؟
من يقرصن معلومات أو (يهكرها) عادة يحصل على معلومات كمية كبيرة وبشكل عشوائي: والسؤال ألا توجد حسابات بنكية في المنطقة العربية إلا لمن ذكرهم التقرير فقط (وجلهم خارج الخدمة أو توفاهم الله)؟؟
لقد دافع البنك عن نفسه واكد مشروعية هذه الأموال وأنه قبلها بشكل قانوني، وبالتالي هذه الأموال غير متحصلة عن مخالفات أو جرائم، لان على البنك واجب في التأكد من أن الأموال التي يتعامل معها لها مصدر شرعي، وهذا واجب دوائر الامتثال في البنوك، لا سيما ان قبول او عدم قبول العميل يعود إلى البنك.
لا اعلم كيف توصل ناشري التقرير – التحرير بأن هذه الأموال مصدرها غير مشروع وما هي الأدوات التي استخدمت للوصول إلى هذا الاستنتاج ؟ وهل مجرد فتح حساب بنكي من أي مسؤول أجنبي قرينة على عدم مشروعية المال؟
واخيراً، قد يسأل البعض ما هي مصلحة البنك في ذلك؟؟ أمام خسارة متوقعة نتيجة لهذا التسريب، فالبنك أمام احتمالين:
الأول: أنه تعرض فعلا لقرصنة أو تسريب معلومات من داخل البنك من قبل موظفيه دون علمه، وهذا لايخلي مسؤولية البنك أمام عملائه نتيجة لهذا التقصير والإهمال.
أما الاحتمال الثاني:فيتمثل بأن التسريب تم بمعرفة البنك وبموافقته، وفي هذه الحالة لابد من وجود جهة مالية ضخمة وراء هذا الامر، وأنها على استعداد لتعويض البنك عن أي خسارة بهذاالخصوص.
الخلاصة، نحن امام قضية قانونية يتحمل مسؤوليتها البنك نفسه، وبتقديري فإن أصحاب هذه الحسابات لديهم أساس قانوني لمقاضاة البنك أو أي موظفين عاملين لديه مسؤولين عن عملية التسريب.