عاودت أزمة صندوق التقاعد في نقابة الأطباء الظهور مجددا على سطح النقاشات في الأوساط الطبية النقابية، بين دعوات لإيجاد حلول لرفد الصندوق، وبين دعوات أخرى لتصفيته.
ويعاني صندوق التقاعد في النقابة، من أزمة مركبة، مستمرة منذ سنوات طويلة، من دون الوصول إلى حلول جذرية لها.
وشكلت أزمة الصندوق، مادة دسمة للأطباء الذين بثوا آراءهم داخل الاجتماعات حتى وصلت إلى الفضاء الإلكتروني، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، بين من يدعو إلى تنظيم جلسات عصف ذهني موسع، إما لإنقاذ الصندوق أو إطلاق رصاصة الرحمة عليه.
وفي هذا الشأن قال الدكتور عماد الحطبة، إن “أسهل الحلول ليس أفضلها دائما، وإن الحديث عن حل صندوق التقاعد أو أي صندوق آخر لن يحل مشكلة الأطباء”.
وأضاف الحطبة، أن “مشاكل الأطباء ليست في ما يدفعونه للصناديق، وإنما تكمن في أداء النقابة نفسها والعقلية التي تتحكم بها، والتي همّشت أي دور لها في حل مشاكل أعضاء الهيئة العامة”.
ولفت إلى أن الحل “يكمن في تكثيف المشاركة في النقابة والتسديد والمشاركة بالانتخابات، بحيث لا ينتخب أي زميل سبق له أن كان نقيبا أو عضو مجلس”.
وأشار إلى “ضرورة أن يكون الانتخاب على أساس برامج تطرح مشاريع حلول علمية وحقيقية لمشاكل الأطباء، وربطها بسقف زمني، بعيدا عن الشعارات الانتخابية الرنانة”.
واعتبر الحطبة، أن “حل صناديق النقابة هو اقتراح أناني سيضر بالأطباء، وأن الأصح يكمن في إنقاذ الصندوق وتعزيز مصادر دخله لرفع مبالغ التقاعد وليس إلغاءه”.
بدوره، قال الناشط النقابي ومنسق حملة “#هجرتونا”، الدكتور محمد بني عبد الرحمن، إنه “لا يوجد أحد من الأطباء يمكن أن يملك الحقيقة المطلقة أبدا”.
وأضاف بني عبد الرحمن أن هناك “تحيزا من فئة كبار الأطباء لآراء فئة المتقاعدين منهم، حيث إنهم يرفضون التفكير بمصلحة الأطباء الشباب ومستقبلهم وحتى مجرد السماع لرأيهم”.
ودعا للاتفاق على ضرورة “إيجاد حل وسطي لكل الأطراف، للطبيب الشاب، والطبيب المتقاعد، والطبيب المقبل على التقاعد”، مبينا أن هذا “ليس أمرا سهلا ولا توجد وصفة سحرية ترضي الجميع”.
وشدد بني عبد الرحمن على أن الحل (إن وُجد)، “يجب أن يكون مبنيا على أسس علمية ومنطقية، بعيدا عن العاطفة التي لم ولن تسعف صندوق التقاعد”.
وأوضح أنه “يجب عدم إغفال أن الكثير من الصناديق النقابية قد تمت تصفيتها، وحتى نقابة الأطباء نفسها سبق لها أن قامت بتصفية صندوق نهاية الخدمة، كما أن الكثير من الصناديق والمشاريع مرت بأوضاع شبيهة ثم ما لبث أن تحسن وضعها”.
ولفت إلى أن صندوق التقاعد، “بحاجة إلى من يضع مصلحة الأطباء أمامه، وأن تتم دراسة كافة إيجابيات وسلبيات الصندوق”، مؤكدا أنه في النهاية يتم اتخاذ القرار الأنسب والأفضل للنقابة والأطباء مهما كان.
وفي هذا السياق، قال أمين صندوق لجنة ممارسة مهام وصلاحيات النقابة، الدكتور يلدار شفاقوج، إنه “وفي العام 2017، صوتت الهيئة العامة للنقابة على الشريحة التقاعدية الصفرية، والتي لم توافق عليها الحكومة”.
وأشار شفاقوج في تصريح عبر جريدة ”الغد”، إلى أن “الاشتراك في صندوق التقاعد إلزامي على الأطباء، ولذلك، فإن طرح فكرة الشريحة الصفرية كانت لأسباب انتخابية وليست لموجبات تعزيز الوضع المالي للصندوق”.
وأوضح أن “دخل الصندوق في السابق كان يبلغ 3.2 مليون دينار سنويا، فيما تبلغ حاليا مليون دينار فقط، وبالتالي فإن الشريحة الصفرية كبدت الصندوق خسائر بقيمة 2 مليون دينار سنويا تقريبا، فيما أثرت على وضع الأطباء واشتراكاتهم”.
والشريحة الصفرية، هي أن يقوم الطبيب المشترك بالصندوق، بدفع اشتراكات النقابة بقيمة 30 دينارا فقط، دون دفع قيمة اشتراكه لصندوق التقاعد.
وبين شفاقوج، أن هناك “6 آلاف طبيب متقاعد إضافة إلى ألفي طبيب مرشحين للتقاعد قريبا”، منوها إلى أن النقابة تقوم بدفع 50 % من مبلغ التقاعد في الوقت الحالي وبشكل شهري.
ولفت إلى أن ديون صناديق النقابة 19 مليون دينار فيما يبلغ عجز صندوقها نحو 5 ملايين دينار، منوها بأن أملاك الأراضي الخاصة بالنقابة تقدر قيمتها بنحو 49 مليون دينار.
وأكد أن تصفية الصندوق ستكلف النقابة نحو 150 مليون دينار، وهي مبالغ اشتراكات الأطباء منذ إنشاء الصندوق، لافتا إلى أن هذا المبلغ “يستحيل تأمينه”.
وبين أن الحسبة الصحيحة للنقابة، هو أنه “لتأمين تقاعد طبيب واحد فيجب تحصيل 3 اشتراكات تقاعد، إنما الوضع الحالي صعب، حيث إن تأمين تقاعد واحد يتم عبر تأمين 10 اشتراكات تقاعدية”.
وقال شفاقوج، إن النقابة لديها شريحتان للتقاعد، أدناها 180 دينارا وأعلاها نحو 500 دينار.
وأوضح أن هناك 5400 طبيب مشطوبي العضوية، حاليا، ويترتب عليهم مبالغ بقيمة 34 مليون دينار، إضافة إلى 9500 طبيب مرشحين للشطب قريبا، يترتب عليهم ما يقارب 4 ملايين دينار.
ولفت إلى أنه “لو تم دفع هذه المبالغ مجتمعة بقيمة تزيد على 38 مليون دينار، فإن صندوق التقاعد يتمكن من سداد مديونيته، في حين يبقى المبلغ الباقي متوفرا لزيادة استثماره”.
وأكد أن “هناك أطباء متقاعدين وورثة، بحاجة إلى مبالغ تقدر بقيمة تقارب 13 ألف دينار سنويا لكل واحد منهم، وهي ذمم مترتبة على الصندوق”، مبينا أن الصندوق ملزم سنويا بدفع مليون دينار كتقاعدات.
وأكد شفاقوج، أن النقابة “فرضت على 64 مستشفى توريد دينار واحد لها عن كل عملية تجريها، من أجل تأمين الصندوق بروافد مالية، إلا أن 15 منها لم تلتزم بالدفع وأغلبها من المستشفيات الكبرى”، مبينا أنه تم إقرار اقتطاع 1 % من أجور الأطباء.
وبين أنه “تم إقرار استيفاء ضريبة 5 % من أجرة الطبيب وفق قانون الأطباء، حيث لم يتم الالتزام بالنسبة وتوريد المبالغ المترتبة عليها”.
وأشار شفاقوج إلى أن “لجنة صندوق التقاعد، رفعت مؤخرا، قضية محاسبية على المستشفيات غير الملتزمة بالدفع، من أجل تحصيل المبالغ المترتبة عليها لصالح الصندوق”.