مرايا – بحثًا عن المجد والصعود الإمبراطوري، أمر فلاديمير بوتين غزو أوكرانيا في عام 2022. ولكن بالمقابل وصلت روسيا الى العار والإذلال العالمي والفوضى في داخل البلاد. شهد العالم أمس أغرب وأكثر الساعات الخجولة والمحرجة في روسيا. هز الانقلاب السريع وغير المتوقع الذي جرى بقيادة يفغيني بريجوزين، زعيم القوات المرتزقة “فاغنر”، الكرملين وكشف الانقسامات العميقة داخل المؤسسة العسكرية الروسية. تشير القنوات الروسية إلى أن “فاغنر” أسقطت أو ألحقت أضرارًا بـ 7-8 طائرات من سلاح الجو الروسي خلال اليومين الماضيين، مما أسفر عن مقتل 13 من العسكريين أو أكثر. لقد كشفت هذه الحادثة ليس فقط عن الضعف الاستراتيجي لنظام بوتين، بل أيضًا عن هشة الحكم الذى يحتفظ بها الرئيس الروسي على بلاده.
الأحداث التي جرت في الأيام القليلة الماضية تركت العالم مندهشًا بعنف و فوضى التي غمرت روسيا، ظن الجميع أن بوتين كان قائدًا قويًا وقويّ الشخصية، لكنه أُفاجأ بالانقلاب الذي قاده بريجوزين، حيث أدانه في البداية باعتباره طعنة في الظهر وانقلابًا لصالح أعداء روسيا، ولكن مع تقدم اليوم خفت ردة فعل بوتين تدريجيًا، وأعطى بريجوزين في النهاية ضمانات أمنية وامتيازات أخرى من أجل إيقاف “فاغنر” عن التقدم نحو موسكو، هذا القرار المتردد والمرتجف للرئيس الروسي لم يفعل سوى زيادة ضعف سلطته وتصوير النظام في حالة من الفوضى. لا شك – روسيا كما تعرفونها ستتوقف عن الوجود في المستقبل القريب.
حقيقة أن مرتزقين “فاغنر” استطاعوا المسير نحو موسكو دون مواجهة مقاومة و أنهم تحكموا شروط على أعلى المستويات القيادية الروسية هي دليل قاطع على الضعف الذي يعانيه النظام. لقد تحطم الوهم الذي لا يُقهر الذي ابتكره بوتين بعناية لسنوات. و كما فشلت قوات “أخمات” التابعة لرمزان قديروف، والتي كان من المفترض أن تقوم بمهمات قتالية ضد “فاغنر”، في الوصول إلى المواقع المخصصة لها، مما يثير تساؤلات حول قدراتها الحقيقية.
ما الذي تغير في روسيا بشكل كبير في الآونة الأخيرة؟ الإجابة بسيطة – هو غزوها الفاشل والوحشي لأوكرانيا. المقاومة الشجاعة للشعب الأوكراني قد تكون شيئًا لن يتمكن نظام بوتين من التعافي منه أبدًا. لقد اعتمد بوتين على اللوم المتكرر للقوى الخارجية عن مشاكل روسيا، بهدف تحويل الانتباه عن ضعف نظامه وجيشه. لكن الغزو الفاشل قد كشف هذا الوهم، وكشف أن روسيا قابلة للهزيمة العسكرية. تم تقويض محاولات بوتين للحفاظ على صورة الزعيم القوي أمام الجماهير الأجنبية و الشعب الروسي على حد سواء من خلال الأحداث الأخيرة.
ينبغي أن تكون الأسبقيات التاريخية تحذيرًا لنظام بوتين. فأداء الأسطول الروسي المرموق في عام 1905 ساهم في انتفاضة، بينما أشعل غضب الجنود العائدين من الحرب العالمية الأولى الثورة الشهيرة عام 1917. ألمح بوتين نفسه إلى هذه اللحظات في ظهوره التلفزيوني الأخير، لكنه لم يعترف بالتوازي الواضح بين حكمه الخاص وسقوط القيصر نيقولا الثاني. مثل القيصر الذي لم يتعرف على الاستياء والإحباط الذي ينمو داخل بلاده. نحن جميعًا نعرف ماذا حدث بعدها.