مرايا – دعا الأمير الحسن بن طلال رئيس منتدى الفكر العربي إلى إحياء الترابط الحضاري العربي، وجَسر الانهدام الكبير بين التاريخ والطبيعة الإنسانية، بحيث نستلهم من تراث الرحلات من المغرب إلى المشرق، ومنها رحلات الحج، ما يمكننا إعادة بناء آصرة فكرية بينهما بالوقوف على حقائق جديدة في البحث عن مفهوم التعددية، واحترام المذاهب التي يجاور أتباعها في الحرمين، وتطعيم مناهجنا بشيء جديد يكسر حدّة التباعد الذي فرضته الظروف السياسية.
حديث الأمير جاء في لقاء نظّمه منتدى الفكر العربي عن بُعد باستخدام تقنية الاتصال المرئي أخيرا، تحت عنوان: “الرحلات والعلاقات الحضارية بين المشرق والمغرب”، وفق بيان صادر عن المنتدى اليوم الأحد.
وأكّد الأمير الحسن “أن الحديث عن الرحلات لا يعني حديثاً للعرض التاريخي في الجانب المعنوي ليس إلا، بقدر ما هو أنسنة التاريخ، من منطلق أن تاريخنا هو تاريخ إنساني يتطلب التعامل معه على هذا الأساس، ومن خلال نقاط التغيير التي تمكّننا من استلهام الأفكار عبر دروب القوافل، ودرب الحرير، ودروب الحج وما إلى ذلك”.
وتحدّث حول دور اللغة في نقل المعارف والعلوم، وفضل الشرق والعرب في ذلك ومترجماتهم من اليونانية، وما قدمته شعوب هذه المنطقة من معرفة مطلقة في القوانين والتشريع الذي يعود الفضل فيها إلى الأقدمين من حمورابي وملوك الشرق في الحضارات الشرقية المتعددة، وكذلك ما قدّمه العرب في حقل الرياضيات والمنطق الاستنتاجي على سبيل المثال.
ودعا إلى البحث في فضل العرب على الحضارة الغربية بأصوات نابعة من داخل هذه المنطقة؛ مؤكداً “أنه آن الأوان لأن نتحدث بلغة توصلنا إلى مفهوم المعرفة المطلقة”.
وشارك في اللقاء الذي أداره أمين عام المنتدى الدكتور محمد أبو حمور، واستاذ الآثار الإسلامية بجامعة عين شمس الدكتور محمد حسام الدين إسماعيل، ورئيس مركز تكامل المعارف للدراسات من المغرب الدكتور أيوب بن حكيم، والباحث ومفتش الآثار الإسلامية في جامعة عين شمس ووزارة الآثار المصرية الدكتور أحمد صبحي، وأستاذ الآثار ورئيس جامعة اليرموك السابق الدكتور زيدان كفافي، ومدير عام مركز الحسن بن طلال لدراسات القدس الدكتور محمد هاشم غوشة، والباحثة في تاريخ الاستشراق والدراسات الأندلسية الدكتورة رشأ الخطيب، وأستاذة الأدب الأندلسي والمغربي واللغة العربية وآدابها في الجامعة الأردنية الدكتورة نوال الشوابكة.
وقال الدكتور محمد أبو حمور في كلمته التقديمية للقاء، إن الرحلات عموماً أو ما يطلق عليه “عين الجغرافيا المبصرة” هي من المصادر التاريخية المهمة، وقد نظر العالم بكثير من التقدير والاعتراف بالفضل للرحالة العرب في تسجيل الأوصاف الدقيقة للبلدان والأمصار والاكتشافات الجغرافية، مثل ما جاء في رحلة ابن بطوطة عن الصين والشرق الأقصى وإفريقيا، ورحلات ابن جبير الأندلسي إلى المشرق العربي، ورحلة ابن فضلان إلى بلاد البلغار والفولجا التي تعدّ أقدم وصف أجنبي لروسيا كُتب سنة 922.
وتناول المشاركون في مداخلاتهم، الرحلات بوصفها تشكّل فهماً لتطور العلاقات بين الشعوب والتنوّع والمشتركات الحضارية، وتُبرز دور الشعوب العربية والإسلامية في الحضارة العالمية.
كما بيّنوا أن الرحالة المسلمين سبقوا الغرب بتأسيس مدرسة التوثيق الأكاديمي لقراءة النقوش العربية ولا سيما في القدس والشام ومصر.
وأشار آخرون إلى أن مسار رحلات الحج المغربية والإفريقية كان يمر بفاس والقدس والقاهرة للتبرّك بمزارات مقدسة فيها، وأن كثيراً من رحلات الغربيين إلى البلاد العربية كانت للتعرف على البلاد والناس وليس لدراسة العلاقات الحضارية.
ولفت البعض إلى أن الرحلات العربية اتصلت بسؤال النهضة وأسبابها وبفكرة التقدّم ومواجهة الذات والآخر في العصر الحديث، فيما شكلت في عهودها السابقة دعامة من أهم دعائم وحدة الفكر العربيّ، وأداة تفاعل داخل الثقافة الواحدة كما بين الثقافات المختلفة.