بقلم الدكتور بول جيه. ثورنلي، مدير مركز بحوث السكري بمعهد قطر لبحوث الطب الحيوي التابع لجامعة حمد بن خليفة
لا يزال داء السكري يشكل تحديًا كبيرًا في مجال الرعاية الصحية، ليس فقط في المملكة المتحدة وفي دولة قطر، بل على مستوى العالم كله. فالزيادة المتوقعة في انتشار داء السكري، إلى جانب ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، والنمو السكاني والحضري بوتيرة سريعة، كلها عوامل تسلط الضوء على الأهمية والضرورة العاجلة لمكافحة هذا المرض.
وفقًا لهيئة الخدمات الصحية الوطنية بالمملكة المتحدة، يوجد حاليًا ٣,٤ مليون شخص في إنجلترا مصابين بالسكري من النوع الثاني، كما تُشخص قرابة ٢٠٠,٠٠٠ حالة جديدة مصابة بالمرض كل عام.
وفي قطر، تبلغ نسبة الإصابة بداء السكري من النوع الثاني ٢٠٪ من عدد السكان، أي أعلى تقريبًا بثلاثة أضعاف من المعدل العالمي الذي يبلغ نسبة ٧٪، علمًا بأن هذه النسبة آخذة في الصعود. إضافة إلى ذلك، يعاني ٢٠٪ من سكان قطر من ارتفاع مستويات السكر في الدم بعد تناول الوجبات، ما يشير إلى ارتفاع خطر الإصابة بداء السكري في المستقبل. في نفس الوقت، تتزايد نسب الإصابة بداء السكري من النوع الأول، الذي يصيب الأطفال عادة، لكن ما يبعث على مزيد من القلق هو مرض السكري من النوع الثاني، الذي يمثل ٩٥٪ من حالات الإصابة بداء السكري في قطر.
على الصعيد العالمي، تعد برامج الوقاية من السكري جزءًا من محاولات صُناع السياسات لمكافحة هذا المرض. حيث يُشجع الأشخاص المعرضون لخطر الإصابة بداء السكري من النوع الثاني على إنقاص وزنهم إن كانوا يعانون من البدانة، وزيادة النشاط البدني لمنع تطور المرض.
في المملكة المتحدة، أطلقت هيئة الخدمات الصحية الوطنية، ووكالة الصحة العامة بإنجلترا، وجمعية السكري بالمملكة المتحدة برنامجًا مشتركًا تحت اسم “برنامج هيئة الخدمات الصحية الوطنية للوقاية من السكري”، الذي يقدم الدعم للناس بهدف تقليل خطر إصابتهم بالسكري من النوع الثاني. وفي قطر، أطلق معهد قطر لبحوث الطب الحيوي بالتعاون مع الجمعية القطرية للسكري حملة توعية موجهة شملت فحصًا طبيًا وتقييمًا لخطر الإصابة بداء السكري، حيث جرى فحص مستويات السكر بالدم وضغط الدم لدى الجمهور، إضافة إلى قياس أوزانهم وأطوالهم. ثم جرى تقييم عادات المشاركين وأنماط حياتهم عبر إجابتهم على استبيان، وإبلاغهم بمدى إمكانية الإصابة بالمرض.
إن الوقاية من المرض هي الجانب المهم، ولكن يبقى سؤال: ما الذي يمكن فعله إذا كان أحد الأشخاص قد أصيب بالمرض بالفعل؟
تهدف هيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة إلى إحداث ثورة في علاج داء السكري عبر نظام غذائي منخفض السعرات الحرارية (٨٠٠ سعر حراري / يوميًا)، يتكون من بعض المشروبات والحساء، يتبعُه المريض لمدة ثلاثة أشهر. وفي حين أن الوقاية من المرض صعبة المنال بصفة دائمة، الدراسات التي أجريت حتى الآن تُشير إلى أن اتباع هذا البرنامج، إلى جانب تقديم المزيد من النصائح حول الحمية ونمط الحياة، سيتيح لنحو نصف الذين خضعوا للعلاج استعادة عافيتهم الصحية وتخفيف حدة المرض. ويجري اختبار هذا النهج في المملكة المتحدة في إطار خطة طويلة الأجل تستهدف تحسين الوقاية من مرض السكري وعلاجه.
وفي الوقت الحالي، سُجّل ما يقارب 000,5 مريض في المملكة المتحدة في البرنامج، حيث تُوصف لهم أنظمة غذائية منخفضة الطاقة والسعرات الحرارية بدرجة كبيرة، وتستخدم لفترات قصيرة؛ للمساعدة في تقليل الوزن. صُممت هذه الحميات الغذائية بحيث تجعل الجسم يتحول من الاعتماد على الجلوكوز المتحول من الكربوهيدرات إلى حرق مخزون الدهون للحصول على طاقته الرئيسة.
ويُنصح مرضى السكري باتباع توصيات الأطباء للسيطرة على سكر الدم وضغط الدم والليبيدات، وهي مجموعة من الجزيئيات الطبيعية التي تحتوي على الدهون؛ وذلك للحد من مزيد من التدهور الصحي.
وبعد النجاح الذي حققه برنامج هيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة، يجري اختبار برنامج مماثل يسمى “ضبط/التحكم السكري عبر التركيز على النظام الغذائي وتحسين التمثيل الغذائي” على عدد محدود من الأشخاص في قطر. حيث يعمل الأطباء السريريون في كلية طب وايل كورنيل في قطر على اختبار حمية غذائية منخفضة الطاقة مقترنة بالنشاط البدني لليافعين الذين شخصوا بمرض السكري في السنوات الثلاث الماضية.
ويجب متابعة المحاولات الرامية إلى استعادة مرضى السكري لعافيتهم الصحية بعناية، وذلك لأنه بحسب دراسة “تقدير أعباء داء السكري من النوع الثاني في قطر بحلول عام ٢٠٥٠: نموذج رياضي مبتكر” التي قدمتها كلية طب وايل كورنيل في قطر، فإن واحدًا على الأقل من كل أربعة قطريين بالغين سيصاب بالمرض بحلول عام ٢٠٥٠.
ومع هذا، لا تزال هناك شكوك حول ما إذا كان تغيير النظام الغذائي وحده كافيًا بسبب الصعوبات التي تواجه بشأن الحفاظ على النظام الغذائي منخفض الطاقة، وما إذا كان يمكن استعادة العافية الصحية والمحافظة عليها على المدى الطويل.
ويعتبر نظام الحمية منخفض الطاقة بالتأكيد خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكن هناك اعتقاد راسخ في مركز بحوث السكري التابع لمعهد قطر لبحوث الطب الحيوي، بأنه يمكن عمل المزيد، علمًا بأن المعهد التابع لجامعة حمد بن خليفة، العضو في مؤسسة قطر، مكرس جهوده لإيجاد حلول للتحديات الخطيرة التي تواجه قطر والعالم.
إن العمل المبدع الذي يقوم به معهد قطر لبحوث الطب الحيوي بشأن إيجاد الحلول العلاجية لداء السكري يتسق مع غاية الجامعة نحو تقفي الحلول المبتكرة للقضايا العالمية، وقد بدأنا مؤخرًا إجراء بحوث حول كيف أن الأنظمة الغذائية منخفضة الطاقة تُحسن درجة استجابة الجسم للأنسولين، وطريقة معالجة الجلوكوز، ما يساعد المرضى على استعادة عافيتهم الصحية في المراحل المبكرة من المرض.
يهدف هذا المشروع إلى توفير خيار إضافي لتعزيز فاعلية العلاجات الحالية وتحسينها، وتقديم النصح بشأن نمط الحياة. ونحن نتطلع إلى التعاون مع زملائنا الأطباء السريريين محليًا وعالميًا ضمن هذا المشروع.
ونعمل أيضًا على العلاج بالخلايا الجذعية الذي يمكن تطبيقه على النوعيّن الأول والثاني من مرضى السكري. وكذلك نعمل على تطوير اختبارات الدم البسيطة، التي ستحدد الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بداء السكري، الذين قد يكونون عُرضة لمزيد من التراجع الصحي، وأولئك الذين يستجيبون بشكل أفضل للعلاجات المختلفة، ما يساعد على اتباع نهج شخصي لعلاج داء السكري والوقاية منه.
إننا نؤمن بأهمية الوقاية من السكري من النوع الثاني، إضافة إلى أهمية العلاج الشخصي الفعال للمرضى. ونعتقد أيضًا أن استعادة المرضى الذين يعانون من داء السكري من النوع الثاني لعافيتهم الصحية مرة أخرى أمر يمكن تحقيقه في غضون خمس سنوات من تشخيص المرض. ومع المزيد من التطوير في برامجنا البحثية واسعة النطاق وآليات تنفيذها على أرض الواقع، نأمل أن تقل نسب الإصابة بداء السكري، وأن يكون أقل شيوعًا بين سكان دولة قطر والشعوب الأخرى.