مرايا – قدم رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز وجبة إفطار رشيقة، هي «مناقيش زعتر» لضيفين سياسيين زاراه قبل أسابيع في منزله على أمل توفير مخرج استراتيجي لحالة التأزيم في ملف حراك المعلمين عندما وصلت ذروتها في ذلك الوقت
وعندما تلقى الرئيس الرزاز نبأ اعتقال وتوقيف رسام الكاريكاتير عماد حجاج عبّر الرزاز أيضاً – لكن بدون إفطار هنا لأحد- عن خيبة أمله في رسم حجاج ثم فيما حصل معه في الموقفين، وضْع الرزاز وحكومته محرج للغاية، فاعتبارات الخطوط الحمراء تدخل في تفاصيل الملفات والمساحات في بعض الأحيان
والرزاز في كثير من الأوقات لا يجد ما يقوله بصفته مثقفاً يحسب على التيار المدني أصلاً لمن يعاتبه أو حتى لمن يهاجمه، فهو في كل الأحوال رئيس حكومة ديمقراطي لا يعاقب المعترضين عليه ويتسامح مع المسيئين.
تلك بقيت، وبعدالة، خاصية لازمت مسيرة الرجل، والموصوف الآن بأنه رجل قوي للغاية في إدارة الدولة الأردنية ليس بصفته يملك أوراق القوة الفعلية ومفاتيحها، لكنه الوحيد بين أقرانه الذي يخاطب الشارع ويقر علناً بحصول أخطاء وتقصير، وأعتى المعترضين على استمرار حكومته لا يستطيعون التأشير على غياب النزاهة عن مسيرته الشخصية.
حوارات أكثر صراحة على «مناقيش زعتر» ومشكلات مع الأطباء والمعلمين والمثقفين
في لقاء إفطار الزعتر، فهم الزائران أن الحكومة تشعر بالإحراج من تداعيات أزمة التصعيد من جانب المعلمين
وفهما أيضاً أن رئيس الوزراء يميل إلى تحميل مجلس نقابة المعلمين الموقوف حالياً مسؤولية التصعيد وإحراج الحكومة مع ترديد العبارات التي ينبغي أن توحي بأن حكومة الرزاز ليست من النوع المعادي للعمل المدني ولا للعمل النقابي.
لكن تلك حقيقة يريد نقباء مهنيون، من بينهم نقيب المهندسين أحمد سمارة الزعبي، مراجعتها مع الحكومة؛ ففي عهدها حلت نقابة الأطباء ولم تفعل الحكومة شيئاً، وفي عهدها أزيلت أقفال فروع نقابة المعلمين بقرارات من الحكام الإداريين.
وفي عهد حكومة الرزاز أيضاً اعترضت منظمة عالمية، مثل هيومن رايتس وتش، أربع مرات على الأقل، وحذر الإسلاميون ومنهم الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة، من التعسف في استخدام صلاحيات قانون الدفاع بصورة تلحق ضرراً بحقوق المواطنين. وهو تعسف لاحظ العضايلة نفسه عدة مرات بأن الحكومة لا تصده ويحصل اليوم بين الحين والآخر.
بالنسبة للقطب البرلماني والقانوني صالح العرموطي، صدر توجيه للحكومة بتنفيذ أوامر الدفاع دون المساس بحريات الأردنيين الفردية والعامة، لكن ذلك لا يحصل؛ لأن المساس حاصل. وعلى جبهة العديد من النشطاء التيار الحقوقي، يتم تذكير الرزاز بين الحين والآخر إما بإجراءات تعسفية حصلت في عهد حكومته، أو بأخرى حصلت ولم تتدخل رئاسة الوزراء للحد منها، حتى أن التقرير الموثق والمهم جداً للمجلس الاقتصادي الاجتماعي الذي يتبع الحكومة إدارياً، حذر مبكراً في هذا السياق.
ويتم تذكيره أيضاً بالانقلاب الذي حصل في المركز الوطني لحقوق الإنسان.
السجل في منظومة الانتهاكات يتحدث عن حل مجالس نقابية وعن اعتقالات في الشارع لمعارضين بدون محاكم حقيقية وبدون أحياناً توجيه اتهام محدد، والتحذيرات صدرت بالجملة من وزراء شبان وجدد مع الرزاز يعتقد أنهم لا يجيدون استعمال صلاحياتهم بطريقة تنسجم مع تقاليد الدولة.
أغلقت منشآت، وحبس رجال أعمال، وعطلت مصالح ومشاريع تحت نطاق الشبهة. وتوسعت في عهد الحكومة الحالية نطاقات وأعمال هيئة مكافحة الفساد، ونتج ضجيج بين الحين والآخر وجدال.
. وفي وقت مبكر، لفت السياسي المخضرم، طاهر المصري، نظر الرزاز ناصحاً بأن عدد الكاظمين للغيظ يزيد في المجتمع. وحذر خبراء ومستشارون اقتصاديون من أجواء الاحتقان، وطالب رئيس غرفة تجارة عمان الناشط جداً خليل الحاج توفيق، الحكومة بالانتباه إلى منطوق ومضمون الرؤية الملكية والتوجيهية عبر التشاور الحقيقي مع ممثلي المجتمع والقطاعات.
حكومة الرزاز عموماً تجد من يدافع عنها بحماسة على منصات التواصل الاجتماعي، لكنها تجد خصوصاً بعد أزمة المعلمين من ينتقدها بشراسة في الوقت ذاته، وإن كانت تتعامل مع مسار الأحداث بالقطعة، فرئيسها استبدل آلية التحدث مع الرأي العام عبر التقسيط والرد على كل إشكالية بكلمة توجيهية أسبوعية.
ووزراء لا علاقة لهم بالإفصاح والإبلاغ يكثرون من الظهور الممل في أجهزة ووسائل الإعلام، والأكثر حساسية في مجموعات «الواتس آب» والتواصل، والتي بدأت تحظى بمجاملات مبالغ فيها ويمكن الاستغناء عنها من بعض وزراء الرزاز.
كل ذلك يحصل طبعاً فيما تتربص مجموعة ما يسمى بالمعارضة الخارجية بكل صغيرة وكبيرة تنتج عن الحكومة أو عبرها.
من يمتدحون الرزاز ويطالبون بفرصة أكبر لحكومته كثر. لكن مؤخراً، وتحت ضغط الترنح الاقتصادي والمعيشي، كثر من يشتكون الحكومة وقل من يمتدحونها.. هل يقرأ الرزاز هذه التحولات؟ القدس العربي