مرايا –

“من يعرف محمد طملية يعرف انه كان متصالحا جدا مع نفسه، ليس هو من يؤنبها على فعل فعله، فهو يفعل ما يفعل مع صدق اقتناع ودراية.. وهنا مبعث غرابة شخصية طملية، وهي تعبر عن نفسها باكثر من صورة.. فنراه ينفر من كل ما هو عادي ومألوف، بل ويعتبر العاديين والمألوفين والطبيعيين متحمسين أوغاد” .
بهذه الكلمات يلخص القاص أحمد طملية شخصية أخيه الكاتب والأديب الساخر محمد طملية، والتي اتفق متحدثون في صالون السبت الثقافي بأمانة عمان أمس، على أنه المؤسس الأصيل لمدرسة الكتابة الساخرة في الأردن، لكنها السخرية المنتجة والكوميديا السوداء.
الأمسية التي أقامتها مديرية المرافق والبرامج الثقافية في أمانة عمان في مركز الحسين الثقافي برأس العين أمس السبت وأدارها الزميل ماجد توبه .. أحيا متحدثوها وحضورها سيرة طملية الإبداعية والإنسانية في ذكرى وفاته الرابعة عشرة، واجمعوا أنه كان “مبدعا وحالة متفردة في كل شيء.. في أدبه ومقالاته .. في حياته الفوضوية والمتمردة على المألوف وفي نضالاته السياسية والحياتية”.
عميد كلية الآداب بجامعة فيلادلفيا الناقد د.محمد عبيد الله قدم قراءته لطملية قاصا، وهو صاحب المجموعات القصصية الأربع: جولة العرق، الخيبة، ملاحظات حول قضية أساسية، ورائعته “المتحمسون الأوغاد”.
يقول عبيد الله ان طميلة يعد “واحداً من أبرز كتّاب القصة القصيرة الأردنية”، ويرى أنه وآخرين من قاصي نهاية السبعينات وبداية الثمانينات “مثّلت قصصهم ضربا من التحولات البارزة على مستوى موضوعات القصة وهواجسها ورؤاها، إلى جانب تقديم اقتراحات جمالية تمثلت في التطور الملحوظ في الأساليب الحديثة والتقنيات القصصية واللغة المختلفة عن لغة القصة في المراحل السابقة”.
ويعد طملية “رائدا وزعيما للكتابة الصحفية الجديدة، ذات الطابع القصصي الساخر، وتأثر بطريقته عدد من الكتاب “الساخرين” حتى تطوّر بتأثير من طريقته وتجربته تيار مقالي بارز يمكن ملاحظته حتى اليوم” يقول عبيد الله.
ويشير إلى أن القصص الأولى لطملية: جولة العرق، الخيبة، ملاحظات حول قضية أساسية، “بدت أقرب إلى مسار القصة الواقعية المتأثرة بمناخ تلك الحقبة من ناحية إبرازها الصراع الطبقي ووضعية الطبقات الكادحة، وفيها أيضا قصص ذات طابع فلسطيني تصور المخيم وحياته الاجتماعية وشخصياته الإنسانية، كما أنها لا تفتقر إلى ملامح سياسية تتصل بأجواء التحقيق مع المناضلين والمنتمين للأحزاب الممنوعة آنذاك”.
أما نقلة طمليه الأدبية الواسعة – يقول عبيد الله – فكانت مع مجموعته الرابعة: المتحمسون الأوغاد عام 1984، فقد سجّلت منذ صدورها خطوة مهمة في مسيرة القصة الأردنية من خلال الحضور الآسر لبلاغة المفارقة وتنويعات السخرية ودمج ذلك بأجواء فانتازية وغرائبية تتخذ مادتها من تفاصيل ووقائع يومية بسيطة، أو وقائع خيالية مختلقة، وفيها أيضا تجاوز طملية تلك الشروط الضمنية التي كانت الكتابة القصصية تحتكم إليها، مشتقا طريقه الخاص.
اما الفنان ورسام الكاريكاتور ناصر الجعفري، الذي تناول السخرية في مقالات طملية، فيرى ان “المدهش والمبهر بمقال محمد هو انه مختزل ومختصر جدا، يكتبه على أي ورقة وفي أي مكان.. في ممرات جريدة العرب اليوم.. يختزل قصة بعمق وينتهي بخاتمة مدهشة”.
الجعفري، الذي استذكر رزمة نصائح من طملية له في فن الكاريكاتور، ينقل عن طملية تأكيده انه ليس كاتبا ساخرا “بل أنا كاتب جاد.. وجاد جدا.. وعلى من يكتب صنفا اخر من الكتابة فعليه ان يجد لنفسه اسما”.
ويخلص الجعفري إلى أن “أسلوب ومضمون محمد جعلت منه كاتبا متفردا ومتميزا ومختلفا واضاف لنا الكثير .. لجيلنا من رسامي الكاريكاتور.. بعضنا أخذ منه بعض القراءات الاكثر التصاقا بالناس ليحولها لكاريكاتور.. هناك من حولها لشخصيات وهناك من عاش روحية محمد”.
“محمد لم تفارقه السخرية طوال حياته.. حتى في مراحل المرض المتقدمة.. وهذه قدرة غربية. كان قادرا على بث طاقة ايجابية فيمن حوله رغم كل ما تحمله مقالاته من كوميديا سوداء. في أروقة الصحيفة كان حضوره دائما ما يثير البهجة والحياة والشغب” يضيف الجعفري.
“محمد طملية الإنسان قد يكون الفصل الأصعب في شخصية محمد.. هو أكثر صعوبة من محمد الكاتب والساخر”، هكذا يصف أحمد شقيقه محمد. وما يزال أحمد يتوقف عند جملة قالها محمد ذات أمسية ردا على سؤال لأحد الحضور عما يؤلم طملية، لياتي الجواب “تأنيب الضمير”.
يتساءل أحمد حتى اليوم “تأنيب الضمير! من ماذا ولماذا؟!”
ومرد استغرابه هو أن “من يعرف محمد يعرف أنه متصالح جدا مع نفسه، ليس هو من يؤنبها على فعل فعله، فهو يفعل ما يفعل مع صدق اقتناع ودراية (…)” يقول أحمد.
هل كان محمد طملية فوضويا؟ لا يتردد أحمد في النفي، ويقول “إنه في منتهى الالتزام.. وهذا ما يزيد الأمور تعقيدا، فقد أحب المرأة على نحوٍ لم يجرؤ رجلٌ على فعلها ومع ذلك لم يتزوج.. آمن بعلاقة الدم ومع ذلك لم يفكر أن ينجب.. خرج من بيت الأسرة الكبيرة مبكراً ومع ذلك هو الأكثر قربا ووفاءً لهذه الأسرة. امتلك موهبة استثنائية ومع ذلك اقتصرت كتاباته على خلاصات سميت بالموجز البليغ أو ما قلّ ودل.. تاركا متابعيه يلاحقون ما تنطوي عليه تلك البلاغة وما تحمله تلك الدلالات”.
“من الضروري والمهم أن نعرف لماذا كان محمد يشعر بتأنيب الضمير لأنني أرى في هذا مفتاح شخصيته” هذه الكلمات ختم احمد طملية بها الأمسية.