مرايا –
فيما تزداد الدعوات القانونية والإنسانية لوقف كافة أشكال العنف ضد الأطفال وحمايتهم من سائر أشكال الاستغلال كالابتزاز والتهديد والتحرش، سواء على أرض الواقع أو في العالم الافتراضي، بدأ يظهر مؤخراً نوع جديد من استغلال الأطفال، لكن هذه المرة من قبل الأهالي أنفسهم.
ففي ظل ظهور ما يسمى بهوس “اللايكات” وحجم المتابعين الدارجة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي يمكن أن تفضي في مرحلة ما إلى كسب بعض النقود مقابل زيادة عدد المتابعين وحجم التفاعل على المنشورات، على غرار الحال في تطبيق “تك توك” مثلاً، ظهر مؤخراً جانب جديد من ذلك “الهوس” وهو استغلال بعض الأهالي لأطفالهم من خلال تصويرهم في أوضاع معينة، لاستقطاب المتابعين.
ومن هذه الحالات مثلاً تصوير أب طفله وهو يتوسل إليه أن يعطيه مصروفه، أو تصوير أم نفسها بتفاخر وهي تضرب ابنتها أثناء حل واجبها المدرسي.
وقبل نحو أسبوعين، وصل الأمر بأحد الآباء إلى تصوير ابنته، وفبركة قصة اخترعها بأنها “يتيمة الأم وتتعرض لعنف من زوجة والدها الوهمية”، وهو ما استدعى تدخل الأجهزة الأمنية التي ألقت القبض عليه بعد اكتشافها أن الفيديو مزيف، وكانت ذريعة الأب سعيه لحصد أكبر عدد من “اللايكات” على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتولت إدارة حماية الأسرة التحقيق في القضية، حيث قامت بإحالته للقضاء وعمل دراسة اجتماعية للطفلة، بما يؤمن الحماية لها وضمان عدم تكرار ما حصل معها مستقبلاً.
وقبل يومين، تداول رواد مواقع تواصل اجتماعي صوراً لأطفال تظهر عليهم ملامح الإهمال والمرض، ما أدى إلى تدخل حماية الأسرة، حيث أجرى أفرادها تحقيقات بينت أن الأطفال يعيشون في محافظة المفرق، وهم من جنسية عربية ويقطنون مع والدهم، ويعيشون في بيئة غير ملائمة، ويعانون من إهمال شديد وتظهر عليهم علامات لأمراض جلدية.
وجرى اصطحاب الأطفال إلى إدارة حماية الأسرة، ومن ثم نقلهم إلى المستشفى لإجراء الفحوصات اللازمة لهم وعلاجهم، والمباشرة باتخاذ الإجراءات الكفيلة بتأمين الحماية لهم.
وعلق مصدر أمني على تلك الحالات بقوله إن حماية الأسرة “بدأت تلمس وجود شكل جديد من أشكال استغلال وانتهاك الأطفال، واللافت أنه يمارس من قبل أهاليهم، حيث يرومون الشهرة على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال تصوير أطفالهم في أوضاع تنتهك كرامتهم الإنسانية وخصوصيتهم وأمانهم، الأمر الذي دفع بالإدارة إلى استحداث مختبر خاص لمراقبة هذا النوع من الاستغلال الواقع على الأطفال”.
وكان مدير إدارة حماية الأسرة العقيد بلال العواملة صرح قبل أيام أن “حماية الأسرة والأحداث” تعمل على متابعة كافة وسائل التواصل الاجتماعي من خلال قسم مختص لرصد أي مقطع فيديو أو صورة يُستغل من خلالها الأطفال أو تستهدف الأسرة بشكل عام.
وأضاف العواملة أن الإدارة تعمل بشراكة مع وزارتي التنمية الاجتماعية والصحة والعديد من المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني لتقديم كافة أشكال الدعم النفسي والصحي والاجتماعي والاقتصادي للأسر، وضمن تشريعات ناظمة للأسرة من خلال قانون العنف الأسري والقوانين الدولية، بهدف الوصول إلى أسر أردنية آمنة وخلق بيئة مناسبة لصناعة جيل واعد، بالإضافة إلى هدفها القضائي والأمني المتمثل بحماية الأسر.
وتمنع اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها الأردن كافة أنواع الاستغلال ضد الأطفال، كما يمنع الدستور في مادته السادسة كل أشال الاستغلال الواقع على الأطفال، إضافة إلى مشروع قانون الطفل الأردني المرجح دخوله حيز التنفيذ قريباً بعد مصادقة مجلس الأعيان عليه.
ودعت مديرة إدارة الفئات الأكثر حاجة للحماية في المركز الوطني لحقوق الإنسان بثينة فريحات إلى أن يلتفت المشرع الأردني إلى خطورة بروز شكل جديد يتعلق بالاستغلال الواقع على الأطفال، مثل استغلال أهالي أطفالهم لحصد “الشهرة” والاستعطاف الوهمي على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأكدت فريحات أن المادة السادسة من الدستور جاءت مطلقة عندما دعت إلى حماية الأطفال من التعرض للإساءة والاستغلال، وتعني كلمة “مطلقة” أنها لم تستثن أهالي الأطفال، وما يحدث مؤخراً من انتهاك لكرامة الطفل من قبل أهله يخالف الدستور، ويخالف اتفاقية حقوق الطفل الدولية التي صادق عليها الأردن.
ودعت إلى أن يخصص المشرع الأردني في قانون الجرائم الإلكترونية مواد تمنع الاستغلال الإلكتروني من قبل بعض الأهل لأطفالهم، وذلك تجنباً للوقوع في مثل هذا النوع من الاستغلال.
واعتبرت أن هناك مسؤولية مشتركة لا تقتصر فقط على الحكومة والمشرع فقط، بل أيضاً هناك تقصير إعلامي في لفت الانتباه لخطورة استغلال الأسر لأطفالهم إلكترونياً، وأيضا هناك مسؤولية كبيرة تقع على المدارس من خلال تكثيف البرامج التوعوية التي تحمي الطفل من الاستغلال، ومن طرق التربية الأسرية غير السليمة.