مرايا – وصف رئيس الوزراء الاردني الأسبق الدكتور عبد الرؤوف الروابدة الدكتور أسعد عبد الرحمن بـــ”الدينمو الذي يرفض الهدوء” وبـ”الذي يثير فيمن يحترم كوامن الرأي أملا بالمستقبل، بعد أن تشوه الحاضر”، وشكره لأنه تجنب جره إلى الموضوعات السياسية بحلاوتها ومرارتها من خلال اقتراح عنوان تربوي لمحاضرته التي حملت عنوان: “التعليم المستقبلي الذي نريد” والتي القاها بتنظيم من “مؤسسة فلسطين الدولية” و”المدارس العصرية” بمنتدى الاخيرة مساء الاربعاء وسط حضور كبير ومشاركة لافتة من الجمهور.
وقال الدكتور الروابدة ان المدارس الحكومية التي انتشرت في المدن والقرى إلى حد ما في أربعينات القرن الماضي؛ كانت هي المرجعية والأساس في الدراسة، بعكس المدارس الخاصة التي كانت إما تابعة لبعض الجمعيات الدينية او يملكها افراد وكانت نادرة، وأضاف أن قصب السبق كان وقفا على المدارس الحكومية لاجتهاد تلاميذها وكفاءة معلميها الذين كانوا قيادات إجتماعية بحق تتمتع بالاحترام والتقدير ويمارسون دورهم بالكامل، ويتميزون بالاخلاق العالية وينفردون باللباس الأنيق الذي لا يرتديه إلا صفوة القوم؛ لذا كانت نتائج هذه المدارس الحكومية متفوقة بامتياز في فحص الدراسة الثانوية “المترك”، بعكس الصورة التي تبدو متناقضة اليوم مقارنة مع المدارس الخاصة، التي قادت وتقود إلى نوع من طبقية التعليم وطبقية القيادات في جميع الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مستذكرا دراسته في الجامعة الامريكية في بيروت التي -حسب رأيه-لم يختلف العلم فيها عنه في أي جامعة اخرى في المنطقة، إلا انها تميزت ببناء شخصية الطالب وانفتاحه على الثقافات الاخرين وتعزيز قدرته على التفكير النقدي والحوار المفتوح وقبول الآخر وتقدير الأمور وتحمل المسؤولية، والتفكير الموضوعي والمحاكمة الجادة لأي موضوع عام. مضيفا -في سياق حديثه عن تجربته في وزارة التربية والتعليم- اواخر السبعينات أنه دخل الوزارة حرا من اسار نظرية تربوية معينة، وكان المربون يتبارون في طرح النظريات التربوية المتباينة، التي غالبا ما تنطلق من تجارب امم اخرى عاشت ظروفا غير ظروفنا. واستطرد قائلا: كثرت النظريات بينما استمر اداء المؤسسة التربوية بالاسلوب التقليدي لان التفكير التجديدي لم يصل إلى المعلم في الميدان الذي كان يكرر تجربته نفسها كل عام، في الوقت الذي كانت فيه القيادات التربوية من مختلف المشارب والأفكار، ولم يكن الجميع على مستوى واحد من الكفاءة والاستعداد لاستيعاب التطور والمستجدات،وعندما يتوسد المناصب الوزارية فنيون (تكنوقراط) من الذين خدموا في الوزارة ردحا من الزمن غالبا وتشربوا روتينها وعاشوا خططها، ويستبعد السياسيون عن الإدارة؛ فان أفق التطوير والتغيير يضيق، ولما كانت المؤسسة التربوية محافظة بطبيعتها وطبيعة جهازها البشري؛ فان امكانية التطوير الجذري تصبح عملية صعبة إن لم تكن مستحيلة.
وتوقع الروابدة في ضوء فلسفة التربية المستقبلية -التي تتأثر بالمتغيرات المتتابعة في العالم، وبخاصة في طبيعة المعرفة والتكنولوجيا والعلاقات بين اطراف العملية التربوية- الا تكون المدرسة بناء مستقلا ذا غرف صفية مستقلة، إذ قد تصبح مجمعا من مزارع وملاعب ومخابر ومراكز مهنية متباعدة في اكثر من مكان وستكون مفتوحة امام المجتمع كمركز له تتبادل معه العلاقات وتختفي اسوارها العالية؛ وقد تصبح غرفة عمليات او مجموعة مراكز؛ مثل مركز التجارب ومركز البحوث ومركز الترفيه ومركز الزراعة ومركز الصناعة ومركز الرياضة وهكذا، وقد تتضاءل قوانين وتعليمات المدرسة فتقتصر على تنظيم عمليات التعلم والتعليم وتقل عناصر الضبط والعقوبات، ونصح بان تصمم الأبنية المدرسية بشكل مرن يقبل الإستعمال لأغراض متعددة، واختيار اماكنها في مساحات واسعة أشبه بمركز إدارة مجتمعي، حيث سيعمل الطلبة بشكل مستقل وباهتمامات مختلفة ومناهج متعددة.
وحول مستقبل التعلم تمنى الروابدة الا يستمر وضعنا التعليمي على حاله؛ إن من ناحية قهر الطالب، واهمال المعلم، وكون بيئة المدرسة طاردة، متمنيا مستقبلا تعليميا يشمل مدرسة بثقافة جديدة وفلسفة جديدة، تقدم حلولا لمشكلات التنمية في المجتمع وتعلم التفكير والحب معا؛ مدرسة جاذبة للطلاب، معلموها قادة مؤهلون محبون؛وتقدم خيارات الدوام والمنهج والنشاط والتوقيت، وان يتطور التعليم ليصبح مهنة، متوقعا مستقبلا تعليميا محتما يشمل تغيرات تقنية يصعب التنبؤ بها، وتغيرات قيمية واسعة، وتغيرات في المهن، وتغيرات في قيمة المكان والزمان والأشياء، متسائلا: ماذا علينا ان نعمل للتوافق مع هذه التغيرات؟
وعن طلبة المستقبل قال الروابدة اننا سنشهد طلابا افرادا وليسوا زرافات، يتعلمون في كل مكان، يمارسون ويتابعون تعلمهم في أوقات يختارونها، ويركزون على ما يحتاجون من معارف، ويخضعون لسلطة الانضباط وحدها.وختم قائلا: بأن علينا التمسك بمبدأ” علموا اولادكم لزمن غير زمانكم”، الأمر الذي يعني أن تنبع مناهج المستقبل ومهاراته من حاجات المستقبل.
هذا وشهدت الامسية التي ناهزت الساعة والنصف حضورا لافتا ومشاركة واسعة، وانتهى اللقاء بتقديم د. أسعد عبد الرحمن للدكتور الروابدة درع تكريمي باسم ” مؤسسة فلسطين الدولية” و”المدارس العصرية”.