مرايا –
في وقت أعلنت فيه الحكومة عن توجه لإنشاء مدينة جديدة، تبعد عن العاصمة نحو 40 كم، وتكون جاهزة بعد 7 سنوات من الآن، أكد خبراء ضرورة عمل دراسات مستفيضة بشأنها، لمراعاة الجوانب الاقتصاديّة والاجتماعيّة والبيئية.
ويأتي اطلاق مشروع المدينة الجديدة، في نطاق رؤية التحديث الاقتصادي، التي دشنت العام الماضي، وتنفذ عبر ثلاث مراحل خلال عشر سنوات، متضمنة 366 مبادرة في مختلف القطاعات.
وفي وقت حذر فيه بعضهم من أن تتحوّل هذه المدينة الى “جزيرة منعزلة”، تضم أبنية وعمارات بدون حركة وحياة، بحيث لا تكون مرغوبة من المواطنين، كما حصل في بعض الدول، يرى آخرون بأنّ تأسيس مدينة جديدة “مرتبطة بالعاصمة”، حل جيّد، وقد لجأت له كثير من دول العالم الغربي.
ويتوقع بأن تستوعب المدينة الجديدة مليون نسمة عند اكتمالها، بحيث أن الهدف– وفقا للتصريحات الحكوميّة- من إنشائها، يكمن في استيعاب الزيادة السكانية، خصوصا في مدينتي عمان والزرقاء، في ظل ما تعانيه بعض المدن من اكتظاظ واضح في أعداد السكان، وبالتالي التأثير على مستوى الخدمات.
وستقام المدينة شرق منطقة الموقر، بمساحة إجمالية مقدرة بعد الانتهاء منها بنحو 277 ألف دونم، وتبعد عن مطار الملكة علياء الدولي 33 كلم، وعن مدينة الزرقاء 26 كلم.
يشار هنا الى أنّ عدد سكان عمّان حالياً 4.642 مليون نسمة، يشكلون 42 % من إجمالي سكان المملكة والبالغ نحو 11 مليون نسمة، تليها اربد وتضم 18.5 %، فالزرقاء التي تضم 14.3 %.
وللمقارنة فإنّ مساحة العاصمة تقدّر بنحو 7.5 ألف كلم2، وتشكل 8.5 % فقط من مساحة المملكة البالغة 88.794 ألف كلم2، وتقدّر الكثافة السكانيّة لعمان (عدد السكان/ كلم2) 612.5، بينما تقدر الكثافة السكانيّة للمملكة بـ124.5.
أمين عام المجلس الأعلى للسكان، الدكتور عيسى المصاروة، أشار الى أنّ المدينة الجديدة المقترحة ليست التجربة الأولى للأردن، فقد كان هناك تجربة سابقة هي “مدينة أبو نصير”، وقد تكون المدينة الجديدة، التجربة الكبرى الثانية بعد مدينة أبو نصير، بحيث يجري تنظيمها وإنشاء البنى التحتية قبل بدء بناء المساكن عليها.
وأكد المصاروة بأنّ المدينة الجديدة، باتت ضرورة ملحة للغاية، ومن المستحسن الإسراع بتنفيذها، بل هناك حاجة لمدينة أخرى، تكون أكثر بعداً عن العاصمة ونحو الطريق إلى جنوب الأردن، لأن نحو 4.8 مليون نسمة من سكان المملكة حاليا، هم أطفال أقل من 18 عاماً.
ورأى أنّ هذه الفئة التي أنجبت في الـ18 عاماً الأخيرة، سيكون لها متطلبات وحاجات متعددة، بخاصة المساكن وخدمات التنقل، ناهيك عن أنّ أكثر من نصفهم –على أقل تقدير-، سيمتلكون مركباتهم الخاصة، ما يعني تفاقم الأزمات المروريّة الحالية في الشمال الغربي، إلى حد يتعذر معه إداراتها.
وبيّن أنّ 92 % من سكان الأردن يسكنون شمال-غرب المملكة، ويولد كل سنة أكثر من 200 ألف مولود، و8 % فقط من سكان الأردن يقطنون في محافظات الجنوب الأربع، التي تشكل نصف مساحة المملكة، وهي محافظات تحتضن معظم موارد الأردن الطبيعيّة من بوتاس وفوسفات وصخر زيتي ومعادن ومحاجر ومياه جوفية وطاقة شمسيّة وغيرها، والميناء البحري الوحيد، والموارد السياحيّة ولها حدود دولية مع ثلاث دول.
وذكر مصاروة، أنّ محافظة المفرق أيضاً شهدت في السنوات العشر الأخير نمواً سكانيّا سريعا، واذا استمر، فسيفوق عدد سكانها عدد سكان محافظات الجنوب الأربعة، ما يحتم أن يكون الخيار الاستراتيجي، دفع العمران البشري نحو الجنوب.
وأكد أنّ إنشاء مدينة جديدة، سيكون له تأثيرات اقتصادية واجتماعيّة وبيئيّة مرغوبة وعديدة، وسيوفر على الخزينة أموالاً طائلة بدخول أراضي الخزينة العامة في هذا الاستثمار، ويوقف عجلة تدمير الاقتصاد الزراعي الريفي في شمال غرب المملكة، لا بل سيكون مصدراً يدر دخلا على الخزينة، خصوصاً وأن المشروع، سينفذ بالشراكة مع القطاع الخاص.
وقال إن المدينة ستجنب الدولة تكاليف إدارة جسم سكاني متضخم ومتركز في الوسط والشمال، ناهيك عن تجنب تعاظم التكاليف البيئيّة والمالية والإدارية التي ترتبت على سوء توزيع السكان، وما تبعه من تزايد في كلف الخدمات المدنية، وتدمير للغطاء النباتي الطبيعي وتهديد الأمن الغذائي.
وزير النقل الأسبق الخبير الدكتور هاشم المساعيد، أكد أنّ عمّان باتت تعاني من أزمات مروريّة كبيرة نتيجة ارتفاع عدد السكان الكبير في السنوات الأخيرة، وتمركزهم في مناطق معيّنة، مبينا أن حل المشكلات المتعلقة بالسكان حاليا، بات صعبا، والحل كما هو مطبق في بعض النماذج الغربيّة، يكون بانشاء مدن جديدة “مرتبطة بالمدينة الرئيسيّة”.
على أنّ المساعيد أكد ضرورة التخطيط الجيد لهذه المدن، وبما يضمن نجاحها وحل المشكلات والضغط على الخدمات الرئيسيّة، ومنها النقل، موضحا أنّ مثل هذه المدن تكون عادة بعيدة عن المدن الرئيسية بنحو 15 الى 20 كم، ويلجأ لها عندما تنمو المدن الرئيسية، ويتم توفير الخدمات لها، وعادة لا يحتاج قاطنوها لاستخدام وسائط نقل الى أماكن عملهم.
نائب نقيب المهندسين فوزي مسعد، قال إن الكثافة السكانيّة في عمّان ما تزال متدنيّة، وأنّ عدد السكان بالنسبة للمساحة حسب آخر دراسات لعمّان يقدّر بـ5 آلاف نسمة/ كم2، وأنّ الدراسات تشير الى أنّ العدد المناسب لعمّان، هو أن يكون هناك 10 آلاف نسمة/ 1 كم2.
ويرى مسعد أنّ المشكلة الأساسية في عمان، تتمحور بعدم توافر قطاع نقل عام منظم، اذ أنّ أزمات عمّان ليست بسبب الكثافة السكانيّة بل بعدد السيارات الكبير فيها، مشددا على ضرورة أن يكون هناك دراسات مستفيضة بشأن المدينة الجديدة، لمراعاة الجوانب الاقتصاديّة والاجتماعيّة والبيئية، والتأكد من مردود انشائها على الاقتصاد وفئات المجتمع المتنوعة.
وحذر من أن تتحوّل هذه المدينة لـ”جزيرة منعزلة” أو لـ”مدن زائفة”، وتبقى مجرد أبنية وعمارات دون حياة وغير مرغوبة، مشيرا الى أنّ هناك تجارب في العالم، أثبتت مدنها الحديثة فشلها، مشددا على أهميّة وضع دراسات مستفيضة قبل انشاء المدينة، ومشاركة أصحاب العلاقة من الفئات المستهدفة والقطاع الخاص والمهندسين، وأن يكون الناس “جزءا من هذا من التطوير”.
ولا بدّ من الاشارة هنا، الى أنّ 40.5 % من إنفاق الأسر الأردنية، يذهب الى السكن والمياه والكهرباء والغاز والنقل بشقيه (العام والخاص)، بحيث تظهر الأرقام المعلنة من دائرة الإحصاءات العامة حول الانفاق في 2017/2018، أن المسكن والمياه والكهرباء والغاز، تستحوذ على 23 % من إنفاق الأسرة بينما النقل وحده يأخذ 17 % من إنفاقها.
وتشير الاحصاءات الى أنّ نحو 74 % من الأسر تعيش في شقق و24.5 % تعيش في “بيوت”، ونحو 1 % في فلل، وأن نحو 69 % يملكون مسكنهم، بينما نحو 21 % مستأجرون لمساكنهم.
وفي وقت يبلغ فيه متوسط إنفاق الأسرة السنوي نحو 12519 دينارا (1043 دينارا شهريا) ، فإنّ 33 % من انفاقها فقط، يخصص للغذاء، في حين يشكل الانفاق على السلع غير الغذائية والخدمات كافة 67 %.
وتبدأ المرحلة الأولى من المشروع العام 2025 وتنتهي في 2033، بينما تنتهي المرحلة الأخيرة منه عام 2050، وتستهدف المرحلة الأولى، إقامة مدينة ذكية عصرية، تعتمد بنسبة عالية على الطاقة النظيفة، وتستوعب نحو 157 ألف نسمة.
وبحسب إعلان الحكومة فإن مشروع المدينة الجديدة كان قد طرح للمرة الأولى عام 2017، ولكن ظروفا حالت دون استكماله حتى الآن، من بينها جائحة كورونا وتبعاتها.