تحقق أنواع العسل الأردنية، المصنوعة من مصادر مختلفة من النباتات والأزهار، نجاحاً كبيراً، خصوصاً بعد جائحة كورونا التي أعطت دفعاً قوياً للآلاف من مربي النحل المحليين لتلبية الطلب المتزايد.
ويقول معتصم حماد (48 عاما)، المتقاعد من الأمن العام والذي تحولت تربية النحل لديه قبل 12 عاماً من هواية إلى مصدر رزق، لوكالة فرانس برس إن “فترة كورونا بالذات كانت إيجابية جداً”.
ويوضح النحال الذي ارتدى لباسا واقيا أبيض خلال تفقد مشروعه الذي يضم نحو 80 خلية إنتاج في منطقة هام غرب محافظة إربد، أن “الناس أصبحوا يعرفون قيمته بشكل أكبر ويتجهون إلى العسل البلدي المضمون، فأصبح هناك زيادة مطردة” في الطلب.
ويصل إنتاج حماد إلى نحو 400 كيلوغرام من العسل سنوياً، بينما يُنتج كذلك ما بين 30 إلى 40 خلية نحل للبيع.
وارتفع الطلب على العسل خصوصاً لغناه بمضادات الأكسدة ومزاياه الصحية، إذ تُنسب إليه القدرة على رفع المناعة ومساعدة الجسم على محاربة أعراض العدوى التي تسببها البكتيريا أو الفطريات أو الفيروسات.
ويقول رئيس نقابة النحّالين الأردنيين محمد ربابعة لوكالة فرانس برس، إن “الطلب زاد بشكل واضح على العسل المحلي” إثر الجائحة، مؤكدا أنها “واحدة من الفترات التي شهدت تسويقا جيدا للعسل”.
ويشير إلى “التركيز على العسل والعكبر”، وهو “من أقوى المضادات الحيوية” و”يقضي على البكتيريا والميكروبات والفيروسات”.
ويؤكد أن “الذين جربوا منتجات النحل كان هناك فرق كبير جدا في وضعهم الصحي مقارنة بالأشخاص الذين لم يستهلكوا العسل أو العكبر خلال فترة كورونا”.
وينتج الأردن 19 نوعاً مختلفاً من العسل، بينها عسل السدر، وعسل الحمضيات، وعسل الكينا، وعسل القيقب الذي يتّسم بطعم مر.
وفي المملكة موسمان رئيسيان للإنتاج، الأول من بداية نيسان حتى منتصف أيار، والثاني بين شهري حزيران وآب، بحسب طبيعة منطقة الإنتاج.
ويَفيدُ إنتاج العسل الأردني من التنوع النباتي الكبير في المملكة وتنوع طبيعتها الجغرافية، وفق ربابعة.
ويقول ربابعة “لدينا نحو 2500 نبات زهري (…) وتنوع حتى على مستوى مساحات ضيقة”، مشيراً إلى أن “المتر الواحد قد يكون فيه 6 إلى 7 أنواع من النبات”.
ويؤكد هذا الأستاذ المتخصص بالموارد الطبيعية والبيئة في جامعة العلوم والتكنولوجيا، أن “هذا التنوع يميّز العسل الأردني، والقيمة العلاجية والغذائية لهذا العسل يُتوقع أن تكون أفضل” من باقي الأنواع.
ويشير ربابعة إلى “عسل القيقب الذي يُقطف من مناطق حرجية في الأردن (مثل عجلون شمالاً، والسلط غرباً)، وفيه خاصية أنه مر”.
ويوضح “قمنا بدراسة هذا العسل مع أنواع أخرى وتبين أنه يحتوي على مركبات فينولية ومضادات أكسدة عالية جدا مقارنة بأنواع أخرى ما يدل على أنه له قيمة أعلى”.
جدوى اقتصادية
ويقول ربابعة إن الإحصاءات الرسمية “تقول إن لدينا قرابة 1400 نحال فقط ينتجون ما بين 200 إلى 300 طن سنويا”.
لكنه يشير إلى أن عدد النحالين يصل إلى أربعة آلاف، “وهذا يرفع كمية العسل المنتجة إلى ما يقارب 700 إلى 800 طن سنويا”.
ويوضح أن معظم النحالين غير مسجلين رسميا، ولا توجد إحصاءات رسمية لإنتاجهم الذي يوفر نحو 70% من الحاجة السنوية للمملكة، بينما تستورد البلاد ما يصل إلى ألف طن.
ويتابع “نحن قريبون جدا من الاكتفاء الذاتي، يجب وقف الاستيراد”.
واستوردت المملكة عام 2014 نحو 600 طن من العسل، وارتفعت كمية الاستيراد خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
ويقول استاذ اللغة الفرنسية وعميد كلية اللغات الأجنبية في جامعة آل البيت محمد الخطيب (49 عاما) لوكالة فرانس برس إن الجائحة “ساعدتني ومنحتني الوقت الكافي لأتعلم عن النحل وأرعاه بشكل جيد”.
ويبتسم الأستاذ الجامعي، الذي يعمل في التدريس منذ 23 عاما، مرتديا لباساً أبيض واقياً ويحمل مدخن النحل، بينما يتفقد نحو 15 خلية وضعها في حديقة منزله.
ويؤكد أن “الناس يبحثون عن عسل موثوق، وكل المحيطين يطلبون حاجتهم من العسل قبل سنة من إنتاجه”.
وبدأ الخطيب مشروعه قبل أربع سنوات بثلاث خلايا فقط لتلبية حاجته المنزلية من العسل، ولديه الآن 15 خلية أنتجت العام الماضي 110 كيلوغرامات.
ويباع كيلوغرام العسل الأردني بحسب نوعه بمعدل 15 دينار إلى 30 دينارا، ناهيك عن بيع العكبر وشمع العسل.
ويقول ربابعة إن تربية النحل “قطاع إنتاجي مجدٍ”، موضحا أنه “في أسوأ الحالات، من سنتين إلى ثلاث سنوات، يُسترد رأس المال”.
ويشير إلى أن الدخل السنوي لقطاع مربي النحل يصل إلى 20 مليون دينار (28 مليون دولار)، لكن “القيمة غير المباشرة لتلقيح المحاصيل تفوق 100 مليون دولار”.
ويؤكد أن الفائدة الاقتصادية لتربية النحل “لا تنحصر فقط في العسل، فهو ينتج أيضا حبوب اللقاح وغذاء الملكات، والشمع، والعكبر، وسم النحل الذي يدخل في الكثير من المركبات العلاجية”.
ويرى ربابعة أن تنظيم قطاع تربية النحل سيقود لمضاعفة الإنتاج، فـ”70 ألف خلية مؤهلة لأن تصبح 100 ألف خلية في سنة واحدة وربما أكثر”، ما يقود للاكتفاء الذاتي.