مرايا – بسام البدارين – الرسالة التي يمكن التماسها من زيارة رئيس الوزراء الأردني الدكتور هاني الملقي قبل أسابيع لمقر وزارة الخارجية مفهومة بالنسبة للخبراء فقط، حيث لا يزور رؤساء الحكومات بالعادة هذه الوزارة السيادية التي يعمل طاقمها مع مؤسسات مرجعية وبصورة مستقلة نسبيًا عن الحكومة.
خلافًا لوزير الخارجية الأسبق العتيق ناصر جودة يظهر الوزير أيمن الصفدي حرصًا إضافيًا على تجنب المطب المنتج عن انطباعات وزير الوزراء وطاقمه بأن الخارجية عبارة عن جزيرة معزولة تكتفي بالتشاور فقط مع الديوان الملكي.
حرص الصفدي على ذلك لم يعد كافيًا مع نمو دوره في الأسابيع القليلة الماضية. لذلك يمكن القول إن الملقي تقصّد بالزيارة الإشارة إلى أن وزارة الخارجية تحت ولايته، وأنه مرجعها، خصوصًا بعد معالجة الإشكال والحساسية التي ضبطت إيقاع العلاقة في الماضي بين الوزير الصفدي ولاعب مهم في ديوان الملك، هو الدكتور جعفر حسان، حيث أصبح الطرفان أكثر ميلًا فجأة لتجاوز حساسيات تُرافق بالعادة من يعمل وزيرا للخارجية. الدكتور حسان نفسه يغيب عن الأضواء قليلًا، ويخفف من ظهوره ودوره وانفعالاته خلف الأبواب، بعد أن سجلت ملحوظات داخلية ودبلوماسية في هذا الاتجاه.
أما الوزير الصفدي الذي يناور ويبادر بمرونة وحضور متوازن هنا وهناك، في مساحته العملية، فيواجه بدوره الانطباع المتردد في الأروقة الضيّقة عن فرديته وانفراده في العمل، من دون التنسيق الميداني الفعلي مع مؤسسات سيادية أساسية يضطر أي وزير للخارجية بالعادة للتفاهم معها، بعيدًا حتى عن مؤسسة الديوان الملكي، بما في ذلك المؤسستان العسكرية والأمنية خصوصًا أن تطورات الإقليم المتسارعة تتطلب ذلك.
التوليفة الداخلية
ولا يقف الأمر عند ما يتعلق بالسؤال عن التوليفة الداخلية في حالتها اليوم لطاقم الملقي عند مساحة وزير الخارجية، فالفرصة متاحة أكثر، خصوصًا بعد رفع الأسعار بصورة مقلقة للرأي العام، لإعادة قراءة خريطة التوازنات داخل فريق الملقي. هنا تحديدًا؛ يُمكن ملاحظة المساحة المستقلة الكبيرة التي يحظى بها وزير المالية عمر ملحس، وهي مساحة تثير من الإشكالات في وجه الحكومة بالمقدار نفسه الذي تنتجه من الاستقرار في التركيبة الاقتصادية.
الوزير ملحس يبدو عازفًا منفردًا تمامًا، حتى داخل أجنحة الطاقم الاقتصادي، بصورة جعلته هدفًا منفردًا أيضًا للنقد الشعبي وغضب أعضاء البرلمان، الذين انتقد بعضهم مؤخرا طريقة الوزير ملحس في التعامل مع مجلس النواب.
ملحس الذي صُنِّف من صحافة الاقتصاد العالمية مؤخرًا كأفضل وزير مالية في الشرق الأوسط، هو الخصم رقم واحد اليوم لفعاليات الشارع، خصوصًا أنه يُكثر من الإشارة إلى أن صلاحياته الخاصة غير خاضعة، حتى لولاية رئيس الوزراء، وأن تعيينه أصلاً كان عابراً للحكومة في الوقت الذي يرفض فيه أي تكتيكات على حساب الأرقام والوقائع مع النواب وغيرهم.كما يدير مكانته ودوره واتصالاته بدعم مباشر من ثلاثة أشخاص مقربين جدًا من مركز القرار.
قوة وزير المالية قد تصبح لاحقًا عبئًا على رئيس الوزراء، إذا ما طال عمر الحكومة فعلًا، وهي مسألة من المرجح أن الرئيس الملقي يحاول احتواءها وهندستها في ظل تخصيص دور بحجم كبير في إدارة اللجنة الاقتصادية الوزارية لصديقه الشخصي وحليفه وزير العمل علي الغزاوي برغم عدم وجود اختصاص.
الوزير الغزاوي قد يكون الصديق الوحيد في البعد الشخصي لرئيس الحكومة، الذي صمد في موقعه بعد خمس تعديلات وزارية في الأقل، أطاح فيها الرئيس نخبة من أصدقائه الشخصيين بعد خذلانهم له في مسألة الكفاءة والمهنية والأداء.
مجدداً يثير الخروج الدرامي المباغت لوزير النقل المُقال جميل مجاهد بعد عدة أشهر فقط من تعيينه شهوة التساؤل عن الوضع الداخلي لوزارة الملقي في الوقت الذي بدأ فيه النواب والأعيان جلدها بين الحين والآخر، فيما تنتهكها الإشاعات.
أزمة اقتصادية
للعلم؛ الوزير المُقال هو خامس وزراء النقل في حكومة الملقي، الأمر الذي يشرح طبيعة الأزمة الاقتصادية واللوجستية في قطاع النقل الحيوي على هامش الأزمة المالية والاقتصادية، حيث الحدود مغلقة تماما مع سوريا، وغير فعالة مع العراق، وخاملة جدًا مع السعودية، بصورة أخرجت قطاع النقل الحيوي عن سكته، وأنتجت في عمقه أزمة تعوق هذه الوزارة.
يصمد بالقرب من الملقي حليفه الموالي تمامًا وزير البلديات وليد المصري الذي يتمتع بمهارات ميدانية أساسية أهلته لتولي حقيبة النقل أيضا تجنبا للاستعانة بوزير سادس وبقاء الأزمة من دون فائدة. المصري بطبيعة الحال يواجه تلك النميمة السياسية المألوفة، ويثير إشكالات مع بعض زملائه بين الحين والآخر، تنتج عن قربه الشديد من موقع الرئيس.
في جبهة الطاقم الاقتصادي يلاحظ الرأي العام بوضوح أن بقية أعضاء الفريق يحجمون عن التحدث مع الناس، ولا يقومون بواجبهم في شرح قراراتهم سيئة السمعة. وهو أمر انتبه له الملقي أيضا، فأمر الصامتين من وزراء الملف الاقتصادي بالدفاع عن قراراتهم وسياساتهم، حيث يتوارى عن الأنظار في البعد الإعلامي الوطني، هنا وزراء بعينهم، مثل التخطيط والصناعة والتجارة والاتصالات، في الوقت الذي يفتقد فيه كبيرهم وزير المالية إلى مهارات التواصل والاتصال أصلًا.
مجمل هذا الصداع الداخلي، يؤدي إلى إعادة قراءة المشهد في بعده الوزاري، خصوصًا أن وزارة الملقي بدأت تواجه الالحاح التوجيهي الملِكِي بعنوان تمكينها من أجندتها الخشنة في الأسعار والضرائب، والعودة للاهتمام بناء على ذلك بتطوير القطاع العام، وتحفيز الاقتصاد والسعي لجذب الاستثمار. (القدس العربي)