مرايا – سلَّطت صحيفة ديلي ميل البريطانية الضوءَ على التاريخ السري للقوات الجوية البريطانية الخاصة، التي تعد من أكفأ القوات الخاصة في العالم، إذ جاءت فكرتها من القاهرة، التي كانت تقع في ذلك التوقيت تحت الاحتلال البريطاني.
وقالت الصحيفة البريطانية في تقرير، السبت 3 فبراير/شباط 2018، إن السير ديفيد ستيرلينغ، أتى بفكرة واحدةٍ من أشهر وحدات القوات المسلحة في التاريخ، حين كان راقداً في سرير أحد المستشفيات في العاصمة المصرية القاهرة.
ورغم اعتقاد الكثيرين أنَّ السير ستيرلينغ، المعروف بأبي القوات البريطانية الجوية الخاصة (SAS)، كان هو الرجل الوحيد المسؤول عن إنشاء تلك القوة، لكن ثمة كتاب صدر حديثاً كشف عن وجود أشخاص آخرين وراء الفكرة.
وبحسب الصحيفة البريطاينة، كشف الكتاب “الأسرارَ” المحيطة بنشأة القوة، والادِّعاءات حول وجود عدد من الشخصيات الأخرى التي لها دور مهم في ظهورها وتطورها، بما في ذلك مسؤولٌ استخباراتي أتى في الأساس بالاسم، لمحاولة خداع الإيطاليين بأنَّهم يقاتلون وحدة وهمية.
فرق صغيرة تنفذ عمليات ضخمة
وأراد ستيرلينغ استخدام فرق صغيرة تتألَّف من جنود مُدرَّبين تدريباً عالياً لمهاجمة الأهداف الصغيرة في ليلةٍ، مُعتقِداً أنَّ ذلك سيكون شكلاً مثالياً من أشكال الحرب في الصحراء، أي الانقضاض على الأهداف من الجو.
أصبح ستيرلينغ عضواً في فوج الكوماندوز الثاني، الذي تأسَّس في 1940، وأدَّى مهماتٍ في اليونان، قبل أن يأتي بالخطة المزعومة لتحويل الفوج إلى قوة الـSAS، بينما كان في سريره الذي يرقد به في المستشفى بعد حادثة إنزالٍ مظلي.
وقال تيم جونز، مؤلف كتاب “SAS Zero Hour” (ساعة الصفر للقوات الجوية البريطانية الخاصة): “كان ستيرلينغ هو الشخص الذي زُعِم أنَّه أُلهِم بفكرة إنشاء نوعٍ جديد من القوات الخاصة يتكوَّن من وحداتٍ صغيرة تعمل خلف خطوط العدو، التي تُنقَل سراً إلى أهدافها، خصوصاً بالمظلات. وكرَّر العديد من المؤلفين مراراً أنَّ الفكرة راودته حين كان لديه وقت فراغ أثناء تعافيه في سريرٍ بأحد المستشفيات المصرية، بعد إنزالٍ مظليّ تجريبي على الصحراء الغربية، في يونيو/حزيران 1947″، بحسب الصحيفة البريطانية.
وأضاف الكتاب: “للوهلة الأولى، ووفق كل الروايات تقريباً، يبدو أنَّه (ستيرلينغ) حظي بلحظة إلهامٍ جعلته يبرز كأحد العسكريين العباقرة في الحرب العالمية الثانية. وفعلاً، بالنظر إلى تداعيات بدء SAS لنمط الحرب الذي ميَّز معظم مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، يُنظَر إلى فكرة ستيرلينغ باعتبارها نقطة تحوُّل في التاريخ العسكري الحديث”.
وتابع: “قدَّم ستيرلينغ مساهمةً فريدة لا تُقدَّر بثمن لنشأة SAS، ويجب اعتباره، على أقل تقدير، الأب الروحي الرئيس لها. لكنَّه لم يكن وحيداً. إذ يرجع ذلك لمساهمة فريقٍ من المساهمين النظريين، الذين بعد تجميع مساهماتهم الأولية، أوجدوا البيئة التي سيُمكن فيما بعد تأسيس القوة الوليدة فيها”، بحسب ديلي ميل.
من أين جاءت الفكرة؟
وبحسب مؤلف الكتاب “استُمِدَّت فكرة إنشاء قوة هجومية تتألَّف من وحدة استراتيجية صغيرة من معارف وخبرات هؤلاء المُجتمِعة التي اكتسبوها من خدمتهم في القوات الخاصة الأخرى، أثناء فترات الحروب وما قبل الحروب، وكذلك الوحدات العسكرية غير التقليدية. وكون أنَّ ستيرلينغ أشرف على خروج بذرة القوات الخاصة التي وضعوها إلى النور، وقاتل لضمان ولادتها، فإنَّ هذا كان يعني اعتباره، وبحقٍّ، الأبَ الحقيقي لهذه القوة”.
وتضمَّن الآخرون الذين لعبوا دوراً أساسياً في إنشاء SAS كلاً من دودلي كلارك، ضابط المخابرات الذي خدم من داخل “حمام مُتحول” في مكتبٍ للجيش البريطاني في القاهرة، بحسب ديلي ميل.
كان كلارك مسؤولاً عن تسمية الوحدة، بعد إنشائه لوحدة وهمية لجنود المظلات، ونشر معلومات خاطئة حولها ليثير القلق في نفوس الإيطاليين بشأن هجماتٍ محتملة.
ثُمَّ وافق على العمل مع ستيرلينغ إذا ما وافق على اعتماد اسم القوات الجوية الخاصة لهذه الوحدة.
وفي نفس الوقت، لم يكن للقوات الجوية الخاصة أن تنشأ لولا تعيين كلود أوكنلك قائداً عاماً للقوات البريطانية في الشرق الأوسط، في يوليو/تمُّوز 1941.
وكان تشرشل قد أمر أوكنلك بتخفيف الضغط على القوات البريطانية في طبرق، التي كانت قوات المحور قد فرضت عليها حصاراً، في أبريل/نيسان، بحسب ديلي ميل.
وقال جونز عندما عُرِضت عليه خطة ستيرلينغ لمهاجمة خمسة مطارات ألمانية بخمس مجموعات من 12 رجلاً، شعر أنَّها قليلة المخاطر، وأنَّهم “ليس لديهم شيء ليخسروه”، ووافق على الخطة، بعد بعض الإقناع من الرجل الثاني في القيادة نيل ريتشي.
أوكنلك، الذي حلَّ محل أرشيبالد ويفل، كان أيضاً من المعجبين بالحرب غير التقليدية وكلارك، الذي كان يحترمه لنظرته غير التقليدية.
ويكشف جونز كيف كان ويفل يخطط لإنشاء قوات وتحركات شرك لخداع العدو، وتنفيذ اتصالات لاسلكية وهمية، والتفكير في تنظيم حركات للمتمردين في البلدان المجاورة لتشتيت قوى المحور، بحسب ديلي ميل.
وقال الكاتب: “كان ويفل يُقدِّر باستمرار الجرأة والجسارة، جنباً إلى جنب مع عنصر المفاجأة في الهجوم”، وأعلن بعد وصوله إلى القاهرة أنَّ الصحراء “ينبغي أن تُوفِّر فرصاً لمزيدٍ من الحروب المتنقلة وغير التقليدية”.
خوف إيطاليا من القوات المحمولة جواً
وبعد ذلك، عيَّن ويفل كلارك في شمال إفريقيا، ما أدَّى إلى اكتشاف كلارك لصحيفةٍ لضابط إيطالي تكشف عن خوف الجيش الإيطالي من الهجمات المحمولة جواً، ما دفعه بدوره لنشر معلوماتٍ مضللة حول وحدةٍ قد تصبح في نهاية المطاف حقيقية.
وكان ويفل قد أنشأ في وقتٍ سابق “مجموعة الصحراء بعيدة المدى” في عام 1940، وهي منظمة استخباراتية عملت سراً وراء خطوط العدو في مصر، بحسب ديلي ميل.
وقد تألفت من متطوعين بلغ أقصى عدد لهم في أي وقتٍ من الأوقات 350 عضواً، وركَّزت على العمل في الاستطلاع أكثر من المعارك الفعلية.
ويمكن النظر إلى مجموعة الصحراء بعيدة المدى، على أنَّها تمهيد للقوات الجوية الخاصة، وقد واصلت العمل كمرشدٍ لها بعض مهامها الأولى.
وقد قادها رالف باغنولد، الذي أقنع ويفل بالسماح للوحدة بتنفيذ “أعمال القرصنة”، وتقسيم المجموعة إلى قطاعات للقتال وأخرى للدعم.
تأثر كلٌّ من ويفل وكلارك بالعقيد توماس لورنس، المعروف باسم لورنس العرب.
كان لورنس قد دعم حرب العصابات منذ الحرب العالمية الأولى، وكتب بصورةٍ واسعة عن مشاركته في الثورة العربية الكبرى ضد الإمبراطورية العثمانية، إذ كان يعمل مع القوات العربية الصغيرة لمهاجمة نقاط الحدود العسكرية وخطوط السكك الحديدية والجسور، بحسب الصحيفة البريطانية.
وحسب جونز، قرأ كلٌّ من ويفل وكلارك كتاب “أعمدة الحكمة السبعة” للورنس العرب. كما ألهم الكتاب ستيرلينغ، ما يعني أنَّ لورنس كان له تأثير رئيسي على القوات الجوية الخاصة على الرغم من وفاته في حادث تحطم دراجة نارية في دورست، عن عمر 46 عاماً في عام 1935، أي قبل ست سنوات من إنشائها.
وجاء في بيانٍ من دار نشر “بن آند سورد بوكس”: “إنَّ وحدة القوات الجوية الخاصة الرفيعة في بريطانيا هي واحدة من أكثر وحدات العمليات الخاصة تبجيلاً وهيبةً في العالم. وتشمل عملياتها الرفيعة اقتحام السفارة الإيرانية في لندن، في 5 مايو/أيار 1980، ومطاردة أسامة بن لادن في جنوبي أفغانستان، بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول. أصبحت الوحدة نموذجاً لأعلى المعايير الممكنة لكلٍّ من الأساليب التقليدية وغير التقليدية للحرب”.
وأضاف البيان: “يُعَد كتاب “ساعة الصفر للقوات الجوية الخاصة”، الذي اعتمد بصورةٍ كبيرة على المصادر الأولية، فضلاً عن إعادة تقييم أحدث تواريخ ومذكرات الوحدات والفرق، نقطةً مضيئة ومثيرة تُفسِّر كيف خرجت هذه الوحدة الشهيرة إلى النور”.