بين تأخر مبارك وعناد القذافي واستجابة الحسين رحمه الله
الاحباط افشل مشروع المصري بوثيقة اصلاحية من رؤساء الوزارات السابقين
النخبة متخلفة عن الواقع والشباب حسموا امورهم بالانحياز الى الوطنية الاردنية
النقابات اطلقت الشرارة والرابع استبدلهم بعد ان عجزوا عن تقديم مشروع للخروج من الازمة
مرايا – عمر كلاب – لا تحتاج الحالة الشعبية الى كثير عناء في التحليل ، فالشاب الذي ارتدى قميص النادي الفيصلي جلس معانقا زميله الذي يرتدي قميص نادي الوحدات ، في اشارة فطرية على شكل الحراك المستمر منذ اسبوع على الدوار الرابح او الرابع سابقا ، ليقول لنخبة سياسية تكلست بحكم الابتعاد طويلا عن اوجاع هذا الجيل واحلامه ، التي رسمها بين مطرقة التهميش ومقصلة البطالة ، في اجواء تبعث على التشاؤم وانعدام الامل ، بأن بضاعتكم السابقة واحاديثكم المكرورة الخالية من اي مشروع مستقبلي تجاوزتها اللحظة الوطنية بوعي ، فحتى النقابات المهنية التي قطعت مسافة في التعبير عن الشارع الشعبي سرعان ما انكشفت امام الشارع نفسه بأنها لا تمتلك خارطة طريق او مشروع متكامل للخروج من اللحظة القاتمة ، بعد ان تنازعتها رغبات جامحة في اظهار بطولة خالية من الحلول ، فتسابقوا لنيل صورة سيلفي في الميدان بدل ان يقودوه ، فاستبدلهم الشباب ، بحكم نظرية الاستبدال كما يقول الكاتب والمفكر احمد سلامة .
شوارع العاصمة عمان وشوارع المحافظات فارت دفعة واحدة لاخراج مخزون من الغضب ، الناجم عن التهميش والاقصاء الفعليين رغم كل مفردات الرسميين والنخب في الحديث عن فضل الشباب ودورهم ، ولعل احد مقاهي العاصمة اكثر تأثيرا في تنظيم الشباب وحراكهم من كل مؤسسات الدولة ونخبها كما يقول الوزير المثقف السابق الدكتور صبري اربيحات ، بعد ان عجزت كل دوائر الدولة في تحليل طبيعة الشخصية الاردنية الجديدة التي تحتل ميادين وشوارع الاردن بعد الافطار ، في تناغم يحتاج الى قراءة جديدة بعيدة عن مهاترات الاعلام الصباحي وجوقته الذين يحتارون في وصف الشباب الفائر ليلا ، وبالودة الى سلامة الذي يقول ان مخزون الشخصية الوطنية الجديدة حسم المسألة ، برفض هذه الشخصية لتصريحات وزير الدولة لشؤون الاعلام من حاضرة السفير السعودي الذي اتهم نصف الشعب الاردني بانهم يتلقون اوامرهم من الجارة سورية ، في تصريح ساذج ولا يخلو من شبهات متعددة ، فالرسمي كان مدسوسا على المجتمع وليس الحراك الشبابي ، كما يرى البلدوزر النيابي خليل عطية الذي يستشعر القلق نتيجة غياب النخبة وانحدار الثقة بمجلس الامة .
الطبقة السياسة الرسمية والسابقة كشفت عن تصحّر فكرها وانعدام افقها في ابتكار حلول خارج الصندوق ، فحتى المحاولة التي قادها رئيس الوزراء الاسبق طاهر المصري ، احد اكثر الشخصيات قبولا في المجتمع الاردني انصدمت بوتيرة الاحباط المتصاعدة عند نادي رؤساء الوزارات ، الذين اجتمعت ثلة منهم في دارة المصري لتقديم تشخيص حقيقي لواقع الازمة تمهيدا لرفعه الى الملك ، لكن اللقاء ساده الاحباط فالحضور ذوات يمتلكون رصيدا ايجابيا في الذاكرة الشعبية وحضورا وازنا في دوائر صنع القرار ، عُرف منهم عبد الرؤوف الروابدة وعبد الكريم الكباريتي ونادر الذهبي ، فمنسوب احباطهم يكشف مدى القلق ومدى انعدام الاستماع من السلطة للنخبة ومدى ضيق صدرها بكل رأي مخالف حتى لو جاء من الابناء الشرعيون ، ولولا حكمة رجال الدرك وتوجيهات القيادة الامنية لاستيعاب الشباب لحصل ما لا تحمد عقباه ، دون اغفال ان الدوار الرابح كان يتحلى بمسؤولية عالية .
وبالعودة الى المصري وفكرته التي لم تجد طريقها الى الحياة ، رغم وجاهتها القائمة على تحليل اللحظة بانها ليست بمجملها حالة غضب على قانون الضريبة فقط ، بل هي حاصل جمع غياب عن الشباب واحلامهم وطموحاتهم ونتيجة عجز السلطة عن التفاعل الحيوي مع الازمات الاقليمية وارتداداتها على الواقع المحلي ، فإن كتاب التكليف السامي لحكومة الدكتور عمر الرزاز التقط الحالة وخاطب الشباب دون غيرهم وربما ان حسم السباق على مقعد رئيس الوزراء لصالح الرزاز بدل عبد الاله الخطيب جاءت لقربه من هذا الجيل وقدرته على التفاعل معهم وتكوين لغة مشتركة معهم ، لكن الرزاز ربما كان عليه اعتماد نظرية الهجوم بوصفها خير وسيلة للدفاع ، بأن يحاور مجلس النقباء في مرحلة التشكيل او ان يبادر لزيارة الدوار الرابع الرابح بسرعة لتوصيل رسالته مباشرة بسحب القانون وقيادة حوار وطني حول الوعاء الضريبي كله تحديدا وان الرجل يحمل في جعبته تجربة ريادية في الحوار الوطني خلال رحلة اقرار قانون الضمان الاجتماعي ٢٠١٠ .
النخبة بمجملها لا تمتلك معرفة بتركيبة الشخصية الوطنية المتمرسة على الدوار الرابع ولذلك تقف حتى اللحظة عاجزة عن الهجوم بالخطاب والحلول ، وما زالت تستحلب افكارا من عقل فقد الحليب ويعاني من جفاف الضرع العقلي ، رغم ان الموروث الاردني سابق في هذا المضمار ، فالعودة الى الارث السياسي وتجارب المحيط تحمل الحلول ، فتجربة محمد حسني مبارك في التاخير عن الاستجابة ادخلت مصر في نفق الازمة لولا الشخصية الوطنية المصرية الراسخة ، وتجربة القذافي بالعناد وانكار الحالة ادخلت ليبيا في خانة الدولة الفاشلة ، في حين ان تجربة الراحل الحسين رحمه الله انقذت الاردن وجعلته منارة في الاقليم حين استجاب الى الشارع الشعبي في ١٩٨٩ واطلق العنان للحريات والحياة البرلمانية ، ونحتاج فقط الى تقليب صفحات التاريخ الاردني الحديث للوصول الى المخارج اللازمة ، ولعل في تكليف الرزاز جزء من استجابة وفي كتاب تكليفه جزء آخر والباقي هو تطبيق التكليف مع مفردات كتابه واطلاع الناس على الحقيقة كاملة وفتح صفحة جديدة ملخصها حكومة وسلطة تشبهنا ونشبهها ، وليست قائمة على ترديد الارقام الواردة من محاسب بمرتبة وزير مالية او رئيس حكومة .
اللحظة الاردنية تحتاج الى عقل شجاع وبارد كي نجتاز اللحظة بعد ان استمع الخليج العربي الى صوت هتافات الدوار الرابح وبدأ باعادة حساباته ، وبعد ان منح الدوار الرابح السلطة فرصة اشراع الابواب للاصلاح السياسي المحمي من الشباب انفسهم الذين جلسوا على الدوار دون السماح بالاختراق او التفتيت او العبث بامن البلاد والعباد .