بين فرح التكليف واحباط التشكيل
حكومة الرزاز عتبة لاجتياز اللحظة ام مرحلة ببشائر جديدة !؟
الحمارنة : الدولة في مأزق بحكم استشراء الهويات الفرعية
الرفاعي : لا ادري لماذا اكلت الدولة ابناءها
الرابع على موعد العودة ام منح الفرصة
مرايا – عمر كلاب – يمتلك الدكتور مصطفى الحمارنة جرأة معهودة وهو يؤشر على مأزق تواجهه الدولة الاردنية بسبب التفافها على عملية الاصلاح السياسي التي انطلقت منذ العام 1989بالتأجيل والمماطلة , حتى انفجرت كل الملفات دفعة واحدة في وجهها اليوم , واذا كانت السلطة قد نجحت في هذا الالتفاف والتراجع في العقد اللاحق لهبة نيسان بحكم طبيعة المطبخ السياسي والاقتصادي , فإنها لن تحقق نفس النجاح في العقدين التاليين , بعد ان وقعت في خطأ منهجي بتقديم الاقتصادي على السياسي , بحيث مارست طبقة الحكم كل اشكال الفهلوة في تعميق هذا الشعار قبل ان تتكشف العيوب والتشققات في الهوية الوطنية فتكرست الهويات الفرعية والمعادلات العشائرية والمصلحية والمناطقية وتمت منهجة المحاصصة المناصبية .
مطبخ القرار الحاكم وبعد تبديل الاولويات وظهور طبقة مستحدثة في الواقع الاردني قادته , رغم انها فاقدة للبوصلة والمنهج , سعت الى تأبيد سطوتها من خلال تهشيم كل العقول السياسية الوطنية او ما يتم التاشير عليه بمصطلح ” رجال الدولة ” ففقدت الدولة رجالاتها واكلت السلطة الابناء كما يعترف رئيس الوزراء الاسبق سمير الرفاعي الذي لم يمتلك اجابة على سؤال حول اسباب تهشيم رجال الدولة الا بإيماءة من عينيه , فهذه الطبقة البرمكية بالمعنى الانتمائي والسياسي , جاءت من مدارس غربية ومؤمنة بيقين بأن الدولة شركة او على الاقل تّدار بنظام الشركات وبمبدأ المرابحة بعيدا عن الاثر الاجتماعي لاي قرار او قانون او استثمار .
على حواف هذا التبدل , نما حلف مدنس بين ديناصورات مطبخ القرار والطبقة الجديدة , على ارضية استبعاد وتهشيم رجال الدولة وعدم السماح لطبقة سياسية جديدة بالنفاذ الى مطبخ القرار , فتمثيل الاحزاب كان اكسسوارا وتمثيل الجغرافيا احد العوامل الرئيسة في التوليفة الاردنية جرى اجهاضه , بدل تثقيفه , لتجريف المحافظات واستبدال تمثيلها باعضاء الحلف السياسي القائم , وصارت المحافظات مجرد مستودع او خزان صوتي يجري العودة اليها كل اربع سنوات للحصول على شهادة اعتماد جديدة , بل ان النخبة العمانية من ابناء المحافظات نجحت في قرصنة كل منفذ لابناء المحافظات من المكتوين بنار البقاء في المحافظة الام , فنراهم يتصدرون الصفوف والمقاعد في كل مناسبة سواء كانت المناسبة في عمان او في المحافظة نفسها بتواطؤ من طبقة الحكم .
تبرير تلك الطبقة لتهميش المحافظات وقياداتها المحلية , كان الاخطر وساهم في تكسير مفهوم المواطنة والعدالة والتكافؤ , حيث كان التبرير بأن عمان سرقت الغنيمة كلها واستأثرت بالمناصب والمكاسب , وعمان طبعا هي الاسم الحركي للمكون الكبير الثاني , فباتت الازمة وكانها صراع بين مكونين احدهما اصلي والاخر غريب وعليه ان يكون اديبا , واذا ما جرى تفكيك اي حكومة او اي مناصب على اسس المحافظات فستجد ان عمان هي الاقل تمثيلا في كل المواقع والمناصب سواء عشائرها التي يطلق عليها بلقاوية عمان وهذه اشارة اخرى على سلب عمان حتى من مكونها العشائري لان هذا المكون حكر على المحافظات حتى تكتمل الكماشة لاطراف الحلف الحاكم , او من سكانها الدائمين – اي الذين يمارسون فيها حقهم الانتخابي – .
نجحت طبقة الحكم في انتاج قانون للوحدة والصراع حسب قياسها الخاص , فالطرفان يتناحران وتصل الخصومة بينهما الى الفُجر , لكنهما سرعان ما يتآلفان ويتحالفان اذا ما برزت نخبة جديدة او لمح نجم اسم جديد , حيث يجري ادخاله في مولينكس الحلف او يجرى تهشيمه بسرعة وقسوة , واسهمت هذه الطبقة في تكريس تمزيق الهوية الوطنية الجامعة واعلاء التمثيل السياسي على حساب التمثيل المناطقي او الجهوي او العشائري , ولعلنا نسمع في كل موجة تشكيل او تعديل او ما يقابلها من مناصب حتى اكاديمية بأن العشيرة الفلانية لم تتمثل وبأن المنطقة الفلانية لم تتمثل , بل ثمة من يجلس امام التلفاز لممارسة تفكيك الحكومات على اسس جهوية ومناطقية , ولا احد يتحدث عن اشتراطات العدالة والنزاهة والكفاءة .
وسط هذه البيئة المسيجة بالرعب من الآخر او الشريك الوطني , نما جيل جديد , رأى احقيته بالمنصب على حساب الآخر , وتسلل وعي مدفوع الأجر لاجباره على الارتداد الى مواقع الدفاع عن مواطنته ووطنيته , فجاء الربيع العربي كاشفا لكل هذه الاختلالات وكان الاسعد والاكثر فرحا هو الحلف الطبقي الحاكم الذي نجح في توزيع المغانم على اطرافه ومحاسيبه في غفلة من الشارع المسكون بتعداد المناصب وتوزيعها على التكوينات الفرعية , فخرجنا من الربيع العربي بأعلى درجات الخسارة كشعب وبأقل خسارة وربما بارباح مضاعفة لطبقة الحكم التي الهتنا في تقسيمهم الى انالوج او ديجتال او ليبراليين وحرس قديم .
ولأن لا شيء يُغري بالنجاح اكثر من النجاح نفسه , تغطرست هذه الطبقة وتعاملت مع الجميع كرعايا , فباتت تتقاسم الادوار والوظائف وتسعى الى اختزال الالم الصادق والاوجاع الحقيقية للمواطن الاردني في الارياف والبادية والمخيم , بمنصب او بتوليفة عددية لا تنتمي الى اي فئة من الفئات السابقة الا بحكم مسقط الرأس ربما , ولكنها تنتمي الى طبقة الحكم والمنافع أولا وآخرا , فداهمنا الدوار الرابع على حين بغتة , وبجيل استيقظ على كل اوهام السابق وبأن الصراع بين غني وفقير وليس بين شرقي وغربي , وبأنه يتقاسم الوجع والفقر مع شقيقه فيما تنعم تلك الطبقة بكل الرفاه , وبأن مقدراته منهوبة وممتلكاته مبيوعة , ومرة اخرى تتفتق ذهنية طبقة الحكم عن معادلة جديدة قوامها شراء عتبة للمرور من هذا المشكل وليس بدل التوجه لتغيير النهج والولوج في مرحلة اصلاحية حقيقية تحافظ على ثالوث الاردنيين المقدس المربوط بحرف الشين كناظم والممسوك بالحرص على عدم التفريط والتوريط , الشعب والعرش والجيش , دون تفريط بالمقدرات الوطنية ودون توريط في المشاريع الهادفة الى تصفية القضية الفلسطينية , فكانت حكومة الدكتور عمر الرزاز هي العتبة بدل ان تكون بداية المرحلة , فالرجل مقبول ودون ذاكرة سلبية مع الاردنيين الذين يقدمون نزاهة اليد على كل نزاهة , وكان يستطيع ان يقدم تأسيسا لمرحلة جديدة نستوفي فيها شروط الخروج من حرائق الاقليم الذي ارتعشت اطرافه لمجرد وجود الجيل الجديد على الدوار الرابع , واخشى اننا اضعنا الفرصة// .