مناقشة هادئة لمحاضرة المصري الصاخبة
اختلال الفهم بين الملك والحُكم سمح بتغول السلطة
ما زالت السماحة الملكية هي ضمانة المخالفين والمعارضين
السلطة اكلت الدولة والحكومة ذراعها في البطش بأماني الاردنيين
مرايا – كتب : عمر كلاب – هل استعير في البداية الجملة الخالدة للروائي عبد الرحمن منيف بأن نكتب أحسن ما نحفظ , ام اميل الى عبارة اكتبوا ” احسن ما تقرأون كما قال جعفر بن يحيى ” فكلتاهما تمنحاني القوة في الفعل , قبيل الولوج الى مناقشة محاضرة دولة العم والصديق طاهر المصري , ام اعترف بأن استثارة الزميل المحترم عريب الرنتاوي ذات مقالة على صفحات الدستور اغرتني واغوتني كي امارس نصيحته بالاشتباك المباشر مع المحاضرة التي تستثير الاسئلة اكثر من الاجابة عليها ؟ فالرنتاوي سعى ودعا الى انتاج ثقافة الاشتباك بين معشر الكُتاب لتثقيف الفكرة بالنقد او الاستجابة والقبول , ولعل مكان المحاضرة وزمانها يستوجبان التثقيف بالكتابة والمناقشة , فالمكان جمعية الشؤون الدولية والسياسية التي يرأسها دولة العم عبد السلام المجالي الطبيب السياسي وتضم نخبة من المفكرين وعليه فهي بيت نقاش وحوار محكوم بالصرامة الفكرية والوعي المنضبط لانتاج حالة تفكير عامة , والزمان كما اشرت دولة العم الحبيب في محاضرتك بُعيد اسابيع من حدث الدوار الرابع ووقوف مجاميع من المهنيين والبسطاء والنشطاء للتعبير عن غضبهم وعتبهم وربما اتجاسر وأقول رفضهم للنهج والمنهج السياسيين المتبعين منذ عقود في ادارة الدولة وفي شكل العلاقة بين السلطة والدولة , وطغيان الاولى على الثانية .
ابدأ من المخالفة مع كامل احترامي لمسيرتك السياسية وسيرتك الانسانية العطرة , فالحكومة التي كانت محور النقد في المحاضرة بوصفها عنصر الرفض والغضب وعدم الاستجابة للنبض الشعبي والاستقواء على القوت اليومي تصغير للحالة , فالحكومة جزء من السلطة التي مارست مجتمعة هذا الفعل , فكانت الحكومة تعبيرا عن مراكز القوى في السلطة باجنحتها المختلفة وليست ذراعا تنفيذيا للدولة او تعبير الدولة التنفيذي كأحدى اذرع الدولة للقيام بواجباتها الخمسة المعروفة والمألوفة عن واجبات الدولة ” الأمنية،التمثيلية،التنموية،التثقيفية،والحقوقية ” , والدولة كتعريف بسيط هي ” ما تفعله ” وفعلها تراجع في الأثر والتأثير لصالح السلطة التي أكلت الدولة وهضمتها لمصالحها الذاتية والطبقية والاجتماعية , وقد تناوب على السلطة كل الاطياف والفئات السياسية والاجتماعية من المحافظ اليميني الى المحافظ التقليدي الى الليبرالي وقليلا كان الاصلاحي وانت منهم , فأنتج هذا الطغيان السلطوي كل السدود المانعة امام التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي اللازم , ونجحت السلطة في تأبيد وجودها من خلال تأبيد الازمات وتكبيل الدولة بتحالفات واتفاقات واستشارات , فبات الحل مرهونا بتغيير انماط السلطة وتحالفاتها , عبر اعادة تشكيل الحلف الحاكم في السلطة اي تغيير النهج والمنهج , ومن هنا ورغم ضبابية المصطلح ونتيجة للتجريف السياسي والتصحير الثقافي بات الحديث عن حكومة انقاذ وطني وأظن المقصود دون الوقوع في إثم الظن هو تغيير النهج والمنهج رغم اسقاطك لضرورة تغيير المنهج وتلك مخالفة اخرى .
ثمة امور كثيرة في محاضرتك تسمح للعنان ان يجمح ويطمح , لكني توقفت عند نقاط ثلاثة بحكم مسيرتك وسيرتك وبالضرورة تأثيرهما على نهجك بالتبادل , فأنت اصلاحي بإمتياز اي لا يمكن توريطك فكريا او سحبك الى اليمين المحافظ او التقليدي او الفكر الثوري , فأنت ابن محافظة استعذبت الزيت والصابون وهذا اكسبك مرونة وطراوة وكثيرا من ليونة , واذا حفرنا اكثر فثمة نار مقتبسة من جبلها , لكنها نار الاستضاءة لا نار الحرق , حيث انزلقت بسرعة وجسارة الى حسم تصنيف الواقفين على الدوار الرابع بانهم عفويون تماما مطالبا ” بعدم الالتفاتة الى ما يبثه البعض بغرض التشكيك من أن الحراك مدعوم او موحى به من دول وجهات خارجية , عفوية الحراك كانت واضحة ومتوقعة ” , وهنا اتفق مع الثانية اي التوقع واطالبك بالتريث قليلا في الاولى , فالعفوية كما الصدفة جزء من المعادلة نجاحا او رسوبا , والعفوية تجلب القلق , فهذا يعني المجاميع بلا رأس وبلا سقف , فكيف إذن تم الانسحاب الآمن للوقفات بعد ابداء الحكومة المكلفة استجابة رخوة لمطالب المحتجين على قانون الضريبة ونظام الخدمة المدنية ولم يجرِ الانسحاب لحظة تراجع الحكومة السابقة عن رفع اسعار المحروقات او تجميد الرفع ؟ سؤال واجب الاجابة , لكن العقل التحليلي لم يأخذ الوقت اللازم لتحليل وتفكيك شبكة الدوار الرابع وأخال هذا استعجالا او انزلاقا فأنت بنيت محاضرتك بأن 30 – ايار هو يوم مفصلي له ما بعده وليس كمن قبله تماما مثل جدار برلين ، فالعالم بعد جدار برلين ليس كما قبله وكذلك الاردن ومجتمعه وسلطته , لأن ما تلا في محاضرتك يستوجب ذلك واقصد اعادة صياغة المجتمع على اسس مدنية وانتاج عقد اجتماعي جديد وازالة الانفصام في شخصية الدولة وتلكالنقطةالثانية – اي العقد الاجتماعي – .
ان الظرف الموضوعي للمجتمع الاردني لم تتخلق فيه واظنها لن تتخلق في المدى المنظور وفق الحالة القائمة فكريا وسياسيا ووطنيا , حالة انتاج عقد اجتماعي , رغم ورود هذا المصطلح في كتاب التكليف السامي الذي اكاد اجازف او استعير بعض جسارتك في تصنيف الواقفين على الدوار الرابع واقول انه شطحة قلم او زلة لسان بحكم كثرة ترديد مثل هذا المصطلح على السنة الشاطحين في الربيع العربي الاول وانصار الدولة المدنية الجدد , الذين اختزلوا مفهوم الدولة المدنية في المحاصصة السياسية ورفع تمثيلية المكون الفلسطيني في مناصب الدولة علما بأن هذا تسطيح للفكرة بحكم عدم تماسك منطقهم وانزياحهم من الليبرالية المتوحشة الموؤدة الى الليبرالية , فهذا قد يأتي في الترتيب التاسع من مسطرة من عشرة اجزاء لقياس مدنية الدولة وليس هذا معرض الحديث فيه وعنه .
فإذا قرأنا الظروف الموضوعية للملكيات التي دفعت توماس هوبز الى انتاج فكرة العقد الاجتماعي وكتابته فلن نجدها حاضرة , فما زلنا نتغنى بيقين بسماحة الملكية الهاشمية ولعل وجود الوزير الذي لم يخلع زغب ريش الخبرة بعد , في الوزارة الجديدة دليل على ذلك , وهو الواقف قبلها على الدواوير يهتف بسقوط النظام مرتكنا الى سماحة الملكية الهاشمية , بدليل انه وقف امام الملك يقسم التالي ” اقسم بالله العظيم ان اكون مخلصا للملك وأن احافظ على الدستور وأن اخدم الامة وأن اقوم بالواجبات الموكولة اليّ بامانة ” دون ريبة او توجّس , وانت ايها الحبيب ربما اكثر من اقسم هذا القسم في الاردن او من اكثرهم حتى لا اجازف في العدد , وتعرف دلالته ومعناه , اي ان البيعة هي جذر العلاقة بدليل ان اول القسم الاخلاص للملك , وليس العقد الاجتماعي , وإن كان ذلك متوفرا لاحقا في الدستور الاردني الذي حسم العلاقة بين البيعة للملك وعلاقته بالحُكم , فنحن نخلط بين العلاقة السياسية – الحُكم – وعلاقة الولاء بالقسم , وهذا الاختلال في الفهم هو الذي سمح لطبقة الحُكم ان تتحكم في مقاليد السلطة , باستنساخ مصطلحات على غرار ” من فَوق ” و ” هذه رغبة المعلم ” مسلحين باختلال اخر وهو تحالف الامني مع الاقتصادي وسطوته – اي الامني – على السياسي , فباتت هناك طبقة عزل بين الملك المقصود والمخصوص بالبيعة وبين الملك بوصفه رأس السلطة التنفيذية , التي لا تُعفي اوامره الشفهية او المكتوبة اركان السلطة التنفيذية من المساءلة والمحاسبة اي الولاية العامة بكل تفاصيلها , لكن ” لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها لكن اخلاق الرجال تضيق” واكمل ، ومواصفاتهم ايضا . ولم يتمكن العلماء حتى اللحظة من اختراع قطع غيار للرجولة وان صنعوا بعض الاطراف للرجال .
إن الدولة المدنية تحتاج الى دستور ضامن وتشريعات ناظمة وهذا متوفر بحدوده المعقولة والمقبولة , فلا يوجد نص قانوني يمنح السلطة التحكم بمصائر البلاد والعباد ولا يوجد نص او اشارة تسمح بالتمييز بين المواطنين , لكن اشتراطات وجود المجتمع المدني غير متوفرة , فلا القوى المدنية من احزاب ونقابات موجودة وباقي التكوينات الاجتماعية , لعدم توفر الارادة بضرورة المجتمع المدني لتصادمه مع مصالح ورغائب رجال السلطة وقوة اختلال الفهم السياسي في الثابت والمتحول في العلاقة بين الملك والحُكم , فالدولة الريعية ظلّت قائمة الى منتصف العام 1995 , حين فُرضت ضريبة المبيعات التي ساوت بين الغني والفقير ثم انهالت الضرائب على المواطن , فصارت الريعية السياسية هي النمط السياسي الدائم مقابل تحويل المواطن الى دافع ضرائب دون حقوقه كدافع للضريبة , فالموظف العام ما زال يتعامل مع المواطن على قاعدة اسياد وعبيد وليس على قاعدة دافع الضرائب الواجب خدمته , وضعف السياسيين وتقليم اظافر الاصلاحي منهم وكبح تطور الحياة الحزبية كله اسهم في ذلك مع استمرار قبول المواطن عالي التصنيف ” شيخ , زعيم , وزير ” بالرشى السلطوية وتوزيع بعض مغانمها على المريدين والاحباب والتابعين .
ذلك قليل من كثير كنت ارغب بمناقشته في محاضرتكم الكريمة , من موقع التلميذ في المدرسة السياسية التي منحتكم رتبة الاستاذية فيها , ومن منطلق جراءة التلميذ الذي يفترض بأن له موقعا يسمح له بذلك مع استاذه , ولك موفور المحبة والاحترام والصحة .//