بين عذوبة سلامة وجسارة الحمارنة
” الى احمد سلامة ومصطفى الحمارنة على ما بينهما من قِطَع وتقاطع وقطيعة “
مرايا – كتب : عمر كلاب – منذ ان أغفلت شيطان حرف البوح واستبدلته بحرف السياسة في الكتابة , لم اجدني , إلى ان حضرت محاضرة الطاهر المصري فكتبت بما يشبه البوح في السياسة , وأذعنت لشرط الحرف الاول , بأنه جزء من الروح التي تختفي وتعود وفق منطق الاديان والفلسفات كلها , سواء عادت الى الجسد او حلّت في كائن تستحقه حسب افعالها قبل الرحيل .
في مسيرة الحياة التي قطعت النصف الاول من عقدها الخامس , لا بد من الوقوف اجباريا عند محطات بشرية , القتها الحياة في دربي صدفة او عنوة , او اخترتها انا طوعا , ولعل ثنائي احمد سلامة ومصطفى الحمارنة , صادفته عنوة تحولت الى اذعان برغبة لهذه العلاقة مع روحين اقرب الى التلاصق رغم الجفاء العلائقي والمكاني , فكل واحد منهما قادر على الطغيان على المكان والحضور , وكلاهما يمتلكان روحا عذبة وطرافة ناضجة مثل عنقود عنب , فيحولان الكلام الى نبيذ معتق فيه سَكَر وفيه كثير إدمان , وهذا ما قصدته بالقِطَع , فكل منهما له ذائقة خاصة وخالصة , وحال اجتماع الذائقتين , فلا تنافر او تضاد , فأرواحهما عذبة وحرفهما جميل وكرمهما فائض عن حاجة الجلسة او الدعوة .
مصطفى ابن بيت جالا شبابا وابن المدينة العتيقة مادبا كهلا , جمع من كل الفسيفساء , فكانت روحه متقدّة وان اخفت بعض تراتيل الكنيسة داخل يسارية اوروبية , وانتماء وقور كإنتماء الفلاحين لحقولهم , ولذا يأكل مما يزرع فكرا وطعاما , مع اشرافة على العالم وفكره , وأتجاسر اكثر واقول ان فيه فلسطينية بأعلى مما تطلب الاردنية , وفيه اردنية أعلى مما تتطلبه اللحظة المحلية , على عكس احمد , الذي كان اردنيا تسكنه قريته بدّيا , حيث بداية الخليقة كما تقول بعض الروايات وكما يقول احمد , لكنه انحاز الى اردنيته على حساب فلسطينيته , واتجاسر اكثر واستأنس برأي المرحوم فهد الفانك , الذي قال ان احمد ينتمي الى الهاشمية فكرا ونهجا واقول أنا , دون الإستعاذة من إسم الاشارة , ان الجغرافيا برمتها ساقطة في فكر احمد لصالح الفكرة – اي الهاشمية – , فهو اختار الانحياز الى الفكرة على حساب الجغرافيا في انصهار الهاشمية الفكرة مع الجغرافيا الاردنية لتكوين الدولة .
بعد توطئة القطع بسرعة وجسارة , ألج الى التقاطع , وهي تقاطعات كثيرة , وابدأ من ذات عتب رقيق بين الرجلين انتهى بأن بكى احمد كطفل على صدر مصطفى الذي ابتلت لحيته من الدموع , وانطلقا في عتاب رقيق , كنت ثالثهما , فرأيت اطفالا على مشارف الكهولة , و شبابا على ضفاف المراهقة , لحظات كان احمد يترنم بقصيدة وكانت ادوات المطبخ عند مصطفى تعزف اشهى الاطباق , لكن الوقوف بوادي السير اجباري رغم ان الجلسة كانت في تلاع العلي , قال كل منهما ما فعله لاصدقاء , ذلك بات وزيرا وآخر اصبح رئيسا للوزراء , وللانصاف فقد شهدت جلسات عتاب مع المذكورين ممن حفلوا بالمنصب فلم ينكروا ذلك , بل وابدوا امتنانا للرجلين , وإن كان احمد اكثر شراسة في الخصومة من مصطفى وفي التأنيب ايضا , حد الوصول الى ” المُعايرة ” كما يقول اهلنا , ومصطفى اشرس في التحليل وفي النقد وفي الولوج الى جوانيّة الفريسة , قبل نهشها نقدا وتحليلا .
في بيت مصطفى عرفت كثيرا من المسؤولين , وفي بيت احمد ومزرعته عرفت أكثر , وربما واجب عليّ في هذا الباب , استذكار فضل عبد الله العتوم اطال الله عمره وفضلٌ اقل للمرحوم الحاج محمود سعيد الذي نتفيأ ذكرى وفاته العاشرة كما ذكرني صبري اربيحات قبل سويعات , الضلع الثالث في سردية احمد ومصطفى , لكنه مثلي بقي يرنو بعين الى مادبا وعين على الدوار الثاني , ورأيت جراءة الرجلين في الحديث وقسوتهما ايضا عندما يتعلق الامر بالاردن والهاشمية , وجسارتهما على رجالات المقر السامي واطفال الانابيب في الحكومة ممن كانت نطفتهم الاولى في الديوان وولادتهم في الحكومة , سطوة لا يسكت عليها الا مُقرٌ بمضمون احاديثهم , ولا يحتملها الا من كانت يده السُفلى في العلاقة .
رأيت كل المسؤولين في العقدين الاخيرين في بيوتهم , قبل المسؤولية او قبل العودة اليها بدعم لوجستي من مصطفى او من أحمد , ثم شهدت انقطاعهم عنهم وهم على المقاعد الوثيرة , قبل ان يعودوا اليهم بعد الخروج من المنصب , شاكين باكين , ولذلك اخترت ان اكتب عن حائط المبكى البشري الذي صنعه مصطفى واحمد , وللاسف معظم البكائيات تحولت الى لطميات تعود وتختفي ويبقى سلوك المسؤولين هو هو , ويبقى حائط المبكى على استعداده لاستقبال الراغبين في البكاء والاستغفار من ذنب القطيعة المتكرر دون ان يتعلم احمد او مصطفى , بل دون ان يخالجهما ادنى شعور بالتغيير , استوقفتني الحالة للكتابة , فأسرّيت الى صبري بذلك , وهو اكثر العقول قدرة على تفكيك المستوى الاجتماعي , قال ان هذا الامر طبيعي , فحجم الهوة شاسع بين السلطة والناس وبين القرار الرسمي والناس , لذلك لا يستطيع الجالس على مقعد المسؤولية الاستماع الا الى صوتين , صوت السلطة وصدى صوتها , فيغادروننا الى مجاهيل القرار , ثم يعودون بعد الانعتاق مِن اصفاد الموقع .
بالعادة تحليلات صبري لا تخلو من غواية البداية ومرارة السخرية في النهاية , لكنها صادمة بكل المعايير وفيها جسارة الفلاح وخباثة البدوي ودهاء الشرطي وصبري خليط من كل ذلك , مع حرص زائد عن صديقيه , اوجبته الغربة في بلاد الملح والغاز المتطاير , فهو قادر على اختلاس الاعتراف , وماهر في استحضار الغائب من النص او التحليل وراغب في تطويعه لغاياته واهدافه الخبيثة حينا والنبيلة احايين , لكنه وبثقافة الشرطي وعقله , يقف بانتظار الحادثة او الواقعة , ولا يستخدم الا نادرا ثقافة الردع , مع عظيم مخزونه من الحيطة والتحوط , وامعانا في ذلك عكف على انتاج سنسلة حجرية حول بيته في دير القمر ولم يلجأ الى بناء السور التقليدي , فالسنسلة تحمي وتكشف القادم عكس السور الذي يحمي فقط ولمن لا يعرف السنسلة هي بناء طولي من الحجارة حول الارض المملوكة مع استخدام الاسمنت بأضيق الحدود , فهي متماسكة بذاتها ولذاتها .
هل استرسلت في ثنائية القِطَع والتقاطع هربا من اكمال الثالوث بالولوج الى القطيعة , نعم او ربما , فما بين الرجلين اكبر من دخول ثالث حتى لو كان قريبا كما اعتقد وافترض , فهاتفي الصباحي مع مصطفى واحمد جزء لا يتجزأ من اغلب الايام , بل هم قهوة الصباح الطازجة وبسمة اليوم من بدايته وشهوة التحليل الجسور , ام انه تواطؤ مني على بقاء القطيعة لتعظيم الفائدة الناجمة عن الاختلاف ولا اقول الخلاف , معاذ الله , فقد باءت محاولات عديدة بالفشل وسابقى على وعد المحاولة , لكني أهمس في أذنيهما على هيئة سؤال لحوح , كيف باض الغراب على الكلمات وأطلق افخاذه للقطيعة ؟ كيف اعتنقتم سلاح الفراق ؟ .
صديقاي , وجوهنا تجعدّت وباتت مثل بسكوتة مغموسة في الشاي , ولم يبق في العمر متّسع لرثائية ولطمية , ولقاء على حافة قبر جاف وبارد ومظلم , وبكاء على وقت مضى في الخصومة , وتملكان من الجسارة والجراءة ما يفيض عن حاجة القبيلة , وعن طموحات المستثمرين في القطيعة , فهل تفعلان , ادعو الله صادقا ان تفعلا .//