” نصيب ” تحت العلم السوري فما نصيبنا ؟!!
الأردن انهى السنوات السبع العجاف وينتظر السمان
مراحل ثلاث للموقف الاردني من الازمة السورية وصفقة القرن حسمت الامر
جسارة وصلابة الملك تنجي الاردن من التورط حدّ الغرق في مستنقع الجنوب السوري
سياسة اغلاق الحدود وقطع الدعم اللوجستي عن المعارضة السورية ابرز اسباب الحسم في درعا
المطلوب عدم التورط في معركة اعلامية جانبية مع سورية يحاول اعلام النفط والغاز جرّنا اليها
مرايا – عُمر كُلّاب – اذا كان يوسف الصديق في تفسيره لحلم عزيز مصر قد اسس لثقافة السنوات السبع العجاف , فقد انطبق الحال ذاته بالامس على المسؤول الاردني الذي قضى سبع سنوات عجاف على الحدود الشمالية وهو يرصد ويتابع ويشتبك ايجابا وسلبا مع الملف الضاغط على العصب الاردني وكأن ” نصيب ” الاردن من الازمة السورية وتداعياتها القلق والسير على الحبل المشدود بين دمشق وعواصم الاقليم التي اشتمت رائحة انهيار الدولة السورية وبنت رؤيتها على ذلك قبل ان تبتكر الدولة السورية حلولا لأزمتها , بدات من حزب الله مرورا بالعاصمة الايرانية طهران وما بينهما من انتاجات واستخلاصات لتجربة داعش وشقيقاتها , قبل ان يجلس الملف السوري بوقار على مكتب الرئاسة الروسية وقيصرها فلادمير بوتين .
السنوات العجاف السبع انتهت على الحدود الشمالية لكن ليس باشتراطات تفسير حلم يوسف لعزيز مصر بأن يتلوهن سبع سنوات سمان , فاليوم الاول بعد النصر هو الاكثر خطورة من اليوم الذي سبقه , فالذاكرة بين الدولة الاردنية والدولة السورية مشدودة على وتر حساس منذ سبعينيات القرن الماضي , واذا كانت العين الاردنية قد غفت امس للمرة الاولى دون ازيز الرصاص وهدير المدافع , فإن ذلك لا يعني استدامة الحال , فثمة ما هو عالق بين الاردن والدولة السورية بمعناها الشامل , اي النظام السوري وتحالفاته الاقليمية والدولية , وتلك تستوجب اعادة تدوير الزوايا السياسية في الاردن الذي يمتلك علاقة مع اقوى لاعب في الملف السوري , روسيا , والاهم انه مارس موانة ودورا ايجابيا في اغلاق الصداع لنفسه وللدولة السورية في القاطع الجنوبي المشدود على اكثر من وتر حساس .
غرف الاخبار الحربية وتزوير الجثث والدماء الملونة والاغبرة المتطايرة من بلاد الملح والغاز والنفط , بدأت سريعا في اشعال فتيل الهواجس الاردنية , عبر نشر فيديوهات وتصريحات لاقطاب المعادلة السورية , وبالطبع ستجد الكثير في شخصية شقيق الرئيس السوري ماهر الاسد , الذي يجلس منفردا ربما على قائمة الاستهداف الاعلامي بحكم سيرته الذاتية وسلوكه الادائي في المواجهات العسكرية مع فصائل المعارضة السورية , التي اكلت براءة الثورة السورية منذ اشهرها الاولى وتحولت الثورة الى مجرد حلوى تصطاد بها الفصائل المسلحة دولارات الدعم المجنون وذباب الكون السائح من اجل امارة مزعزمة يجد فيها الجواري الحسان والغلمان غير المخلدين , لتفريغ امراضه واحقاده , وتلك اول مهمة تواجه الدولة الاردنية وخلية ازمتها لمعالجة ما بعد انتهاء الصراع في درعا ومحيطها , دون الالتفات الى مطابخ الاعلام الحربي في عواصم الثأر والأعراب الاشد كفرا .
سلوك الدولة الاردنية مرّ عبر ثلاث مراحل خلال عمر الازمة وسنواتها السبع العجاف , الاول كان ما يشبه تورط الاردن في الملف السوري بضغط من ثالوث رهيب , واشنطن في زمن اوباما – هيلاري ودول الخليج العربي التي اسندت الارن بمنحة كبيرة لمواجهة اعباء الظرف الاقليمي والذاتي , والاخطر رغم انه شان داخلي كان جماعة الاخوان المسلمين بنسختها التاريخية والمربوطة بالحاضنة المصرية بكل تفاصيلها , والتي اشتمت رائحة السلطة في تونس والمغرب وجلوسها على مقعدها الوثير في الشقيقة مصر , ورغم كل ضغط الثالوث الرهيب حافظ الاردن على تدخل دون تورط , فقد بقي الملك عبدالله ممسكا وحده بشعار الحل السياسي للازمة السورية مع وجود خروقات في السلوك تتفهمها القيادة السورية جيدا وتفهمتها اكثر من مرة فحجم المطلوب من الاردن وحتى تهدأ الرؤوس الحامية من انصار الدولة السورية كان يمكن ان يفضي الى مآلات مختلفة تماما لما انتهت اليه الازمة لولا صلابة الملك عبدالله الشخصية واستمراره في حمل شعار الحل السياسي وعدم تقسيم التراب السوري .
المرحلة الثانية كانت بداية الانزياح الاردني من ضغط الثالوث ولكن دون فعل على الارض , هدفه حماية الحدود الاردنية اي مرحلة الردع والوقاية من وصول العنف والارهاب الى ترابه , معتمدا على خروج الاخوان المسلمين من السلطة في الاقطار الثلاثة واهمها مصر وتراجع نفوذ الجماعة داخليا والاهم رحيل الادارة الامريكية المقلقة للاردن والتي تحمل برنامجا مناهضا ومناقضا للرؤيا الاردنية , فتلك الادارة كانت ترى في الاخوان بديلا استثنائيا لكل الانظمة في دول الطوق وسعت من اجل ذلك بنعومة وخشونة , وكان ذلك بداية الانفتاح على الخارجية الروسية وسياستها حيال دمشق مع بقاء التحفظات قائمة على الشركاء الاقليميين ” ايران وحزب الله ” تحديدا بعد دخول العلاقات الخليجية – الايرانية مرحلة القطيعة الكاملة إثر حرق السفارة السعودية في طهران والتي كانت النتيجة لكل الاحتقانات المذهبية والسياسية والتجاذبات الاقليمية في اليمن وسوريا والبحرين , وتلك ربما كانت اكثر المراحل حرجا للاردن واكثرها ضغطا على اعصابه الحساسة حيث المطلوب خليجيا لا يمكن احتماله او تنفيذه وسط تشدد خليجي غير مسبوق بالتورط في الملف السوري والمساهمة في حرب اليمن , وخرج الاردن من تلك المرحلة بحروق اقتصادية من الدرجة العليا وحروق سياسية محتملة .
المرحلة الثالثة كانت اشتباك الملف السوري بشكل دقيق حسب القراءة الاردنية مع مشروع التسوية الامريكي للقضية الفلسطينية المعروفة بصفقة القرن ,وهنا بدأت السياسة الاردنية اكثر جسارة واكثر وجعا , فإذا كانت الانتصارات التي حققتها الدولة السورية في المناطق البعيدة جغرافيا عن الاردن قد رسمت ملامح سورية الجديدة بحسم المعركة لصالح الدولة مما ازاح الخطر عن الاردن بانتقال العدوى اليه , فإن استثمار هذا الامر كان معكوسا بحيث باتت الحدود مع الاردن خزان بارود قابلا للانفجار في الحضن الاردني اذا ما ثبت على موقفه حيال صفقة القرن , فانتقل الاردن الى الخطوة الاخيرة بالتحالف الواضح مع روسيا لانتاج حل نهائي لحدوده الشمالية بدأ بالضغط على حلفائه من المعارضة السورية للقبول بالمشروع الروسي وثانيا قطع الدعم اللوجستي عن باقي الفصائل المسلحة وتشديد اغلاق الحدود لعدم فتح افق لاي امل امام السكان هناك غير القبول بالحل السياسي وهكذا كان .
المراحل الثلاث انتهت والعين الاردنية اغمضت بهدوء بعد انتهاء السنوات السبع العجاف , لكن البناء لجعل السنوات القادمة سنوات سمانا يحتاج الى وقت وصياغات جديدة , رغم ان انتهاء صداع الجنوب السوري وحده يرفع درجة الصلابة الاردنية في مواجهة صفقة القرن وصفعتها وهذا كاف للاعتقاد بأن ملمح السنوات القادمة على الاقل ليس سيئا وان كان المأمول ان يكون سمينا وهذا يسنده رأي روسي يقول بأن مصلحة روسيا في فتح معبر نصيب ليكون للاردن نصيب من الانفراج.