مفارقات تحت القبة في خطابات الثقة
الاخوان يسقطون شرط الغاء وادي عربة لمنح الثقة
النواب استيقظوا على صفعة الثقة بالملقي
الوزيرات دفعن ثمن الاغتراب عن الموقع والغربة مع الشارع
الدغمي تألق في الخطاب القومي وطهبوب قدمت اوراق اعتمادها الاصلية
مرايا – عمر كلاب – ثمة غواية في الكتابة الاسبوعية , فهي اقل ارهاقا من اليومي واعلى مساحة في السرد , وبعد اسبوع حافل من الخطابات والكتابات النيابية بعضها ” صنع في المجلس ” وكثيره خارج المجلس او بأيدي مستشارين , فإن الملاحظات واجبة وربما النقد , فالخطابات تأتي بعد موسم قحل نيابي , وانحباس في القرارات الحصيفة للمجلس , فحتى النواب المعارضون للقرارات غير الحصيفة يحملون وزر التصويت العام ويحملون وزر الصورة القاتمة عن المجلس النيابي الاكثر خسارة في الشعبية حسب رأي النواب ورأي الناخبين .
ابدأ من تأثير الصفعة أو اللطمة التي انهالت على وجوه النواب بعد اقل من شهر على منحهم الثقة لحكومة الدكتور هاني الملقي , كما يصفها النائب طارق خوري , فالشارع غضب وانتقل الى اخذ حقه بيده بعد خذلان ممثليه , وكانت الاستجابة الملكية حاضرة ومحروسة بالتعامل الوطني من الاجهزة الامنية على اختلاف تسمياتها , فاستشعر النواب حجم الخديعة القادمة من فرق الدعم اللوجستي الدائمة لاي حكومة , فخرجوا من المولد ليس بلا حمص فقط بل بسواد اضافي في الوجه , ظهرت ملامحه في الخطابات النيابية ردا على خطاب الثقة الحكومي .
صحيح ان الحكومة دفعت ثمن ذلك في منسوب الغضب الزائد في الخطابات , لكنها اكثر المستفيدين من تقليص مساحات المطالب الخدمية في خطابات الثقة التقليدية , فأكثر النواب تحدثوا بلغة سياسية وبنقد للفريق الوزاري الذي منحهم طوق النجاة , فالفريق قادم من رحم حكومة جلبت لهم الصفعة , فنجحوا في اجتياز العتبة نسبيا بالضغط على الفريق وتبجيل الرئيس الحائز على شعبية غير مسبوقة لرئيس حكومة منذ عودة الحياة النيابية في العام 1989 , هذا الطوق لم يمنحهم البريق اللازم ولم يغسلهم من لعنة الثقة بحكومة الملقي لكنه خفف غضب الشارع الشعبي من المطالبة بحل المجلس من خلال نشاط شارعي كان قُرب قوسين او ادنى , وبلغة وزيرة الدولة لشؤون الاعلام حصل المجلس على عطوة شعبية طالبت بها الحكومة لنفسها وتلك مفارقة لم يلتفت اليها كثيرون .
عطوة الوزيرة التي اثمرت عكسيا كما سبق , جلبت للوزيرة الصداع الاكبر , فارشيفها الصحفي مكتنز بما يُرضي الشارع من نقد للحكومة وللمجلس النيابي , الذي تعامل بثأرية مع ارشيفها الصحفي ودون رحمة بل ودون مراجعة لصحة ما قاله الارشيف الصحفي , فالجَمل لا يرى اعوجاج رقبته , والزميلة قالت ما كان يجول في خاطر الناس ولذلك كان اختيار الرئيس لها جزءا من ترطيب العلاقة مع الجسم الاعلامي ومع الشارع الغاضب كثيرا من الوزير السابق الذي خرج عن مألوف ذكائه في كثير من التصريحات , فدفعت الوزيرة الزميلة ثمن مواقفها المنحازة للناس والمفارقة ايضا ان النواب او اكثرهم يؤكدون ضعف المجلس وانحيازه لمصالحه الشخصية في خطابات الثقة وهو تأكيد لما قالته جمانة غنيمات الصحفية دائما والوزيرة مؤقتا .
خطابات النواب حاولت تخفيف الضغط , فأطلق النواب العنان لاسلحتهم اللفظية ورشاشات كلماتهم كي تقصف الحكومة وفريقها , ووجدت في الفريق القديم والطازج ما يحقق الغاية , فالوزيرات الطازجات غير مشمولات بالحماية الشعبية التي توفرها المعرفة والتجارب السابقة فالسيدة ميري قعوار جديدة على الاردنيين والسيدة هالة زواتي ليست معروفة الا في الاطر النخبوية العاملة في قطاع الطاقة وللانصاف فإن المسموع عنها يكفي لمنحها الفرصة في موقعها الجديد , وكانت وزيرة الثقافة قد نالت حصتها من القصف في اتون التشكيل وما بعده , وتعرض مثنى الغرايبة لقصف ممنهج بإسناد دون قصد من الرئيس عمر الرزاز الذي اسقط عن مثنى كل فائض قيمته الحراكية والشبابية لصالح انه ابن القطاع حسب تصريح الرئيس نفسه , وحتى ننصف الحالة فإن هذا السبب هو اضعف اسباب توزير الغرايبة , فهناك في القطاع من هم اكفأ كثيرا منه , وكان على الرئيس ان يمنح مثنى قيمته الحراكية والشبابية , فهذا اكثر اقناعا , وكان مكانه غير وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات .
السقف المرتفع والكلمات الساخنة استدرجت النائب غازي الهواملة الى فخ الخطيئة , فالهواملة سبقه كثيرون للحديث بسقف مرتفع والرجل معروف عنه خفة الدم والتوصيفات الظريفة , وسابقوه اغلقوا عليه هذا الفضاء بسقفهم المرتفع , فأراد ان يشارك في موسم القصف , فرفع السقف الى حيث الحصانة الدائمة في الدستور , والى حيث المساحة الحرام في الوجدان الاردني , فأخطأ دون شك , لكن العقل الاردني مسكون دوما بحجم السماحة الهاشمية ومسنود اليها حاضرا وماضيا , وسبط رسول الله يعفو عمّن هفا , فمثلنا يهفو ومثله يعفو , لكن ثمة حسنة لخطيئة الهواملة انها اعادت التأكيد على المؤكد في وجدان الاردنيين , وردة الفعل الشعبية والنيابية أكدت وتؤكد رسوخ العلاقة بين الملك والشعب ومدى الاحترام لمليكتنا ” ام الحسين ” زينة شبابنا ومصدر فخرنا , فصورته في مجلس الامن وبعدها في جامعة الحسين ستبقى هي النموذج لجيل شاب يقف خلف ملكه بيقين ومؤمن بالهاشميين ايمان العجائز .
مفارقات خطابات الثقة حملت اكثر من مفاجأة ولعل ابرز ما حملته ولادة نائبة من العيار الثقيل اسمها ديمة طهبوب , حيث كان لكلمتها وقع خاص بحكم انضباط الكلمة ودقة مفرداتها ومطابقتها لواقع الحال , وكذلك كلمة النائب المعتق عبد الكريم الدغمي بمضمونها القومي والوطني مع التحفظ على قسوته على الزميلة جمانة وهو السياسي العتيق الذي يعرف الفرق بين دور الصحفي ومساحة الوزير , وان كانت ابرز المفارقات كلمة كتلة الاصلاح ونقاطها العشرون التي اسقطت رغم سقف المطالب العالية اشتراط الغاء معاهد وادي عربة لمنح الثقة , وهذه نقطة لصالح الكتلة وليس ضدها , فهي باتت تعمل ضمن المنطوق السياسي وتستوجب النقاش طويلا وكثيرا .
ما جرى تحت القبة ينذر بأن المجلس استيقظ على حجم الخديعة التي وقع بها سواء من اعضائه الذين ورطوا بعضهم في الثقة لمنافع ومكاسب او ممن خدعته الهواتف الليلية والايحاءات الظلامية , واذا استمرت يقظة المجلس ويجب ان تستمر , فنحن امام انقلاب نوعي في الرقابة والتشريع , اقلها ان المجلس سيكون سيد نفسه , وستكون قواعده الانتخابية هي مصدر قراراته فقط , وليس ارضاء هذا الطرف او ذاك , واسترسل بأن وجود مجلس النواب على علاته خير من عدم وجوده تحديدا بعد ان استرد الاردنيون علاقتهم بالشارع بهذا الشكل الوطني الرائع , بحيث يصبح المجلس محميا بالناس طالما بقي على وعده وعهده معهم , ولن تستطيع حكومة تمرير قرار بوعود شخصانية او خطف موافقة في سويعات محدودة , فأهم فائدة للمجلس اننا نعرف القانون سلفا ونعرف كيف نتعامل معه مع النواب ومع الحكومة والدليل الواضح قانون الضريبة سيئ الصيت ونظام الخدمة المدنية .
مرجل الثقة يغلي واقترب من الفوران كاشفا عن ثقة بالحكومة , لكنها ليست كأي ثقة قبلها , والرزاز يعرف قراءة المشهد ويقدر على الاستجابة الموضوعية له , وسواء كان الفريق خياره او عكس ذلك , فإنه احترم نفسه باعلان مسؤوليته عن التشكيلة وجاهز للحساب عليها , وتلك مهمة المجلس بالمحاسبة والرقابة على كل خطوة , فأجمل الحكومات تلك التي تعمل تحت الضغط , والضغط النيابي مطلوب دائما , والخطورة ان تعمل الحكومة بعقلية الضامن للثقة , فاللحظة ليست حرجة والاردن قادر على النهوض طالما الشارع الاردني ممسك على وطنه ومستقبله وهذا ما يثبته الاردني في كل منعطف ولحظة فارقة .//