مرايا – ليس صدفة أن تتكالب الجهات الضاغطة على الأردن بمبررات معلنة وأخرى مستترة، فيما يتعلق بمنح الدعم للمملكة ومساعدتها اقتصاياً.

سياسيون أردنيون ليسوا محسوبين على الخط الرسمي قالوها وبالفم الملئان “صندوق النقد الدولي” يلعب دوراً سياسياً ويساوم بطريقة غير مباشرة ويُنفّذ أجندة ضمن روزنامة مرصوفة النتائج.

يمكن تلمس هذه الفرضية الحتمية بتجفيف منابع المنح والمساعدات عن الأردن، وتعطيل المنح والمساعدات التي ستُقدّم للأردن من خلال ربطها بالمراجعة الثانية لصندوق النقد والذي يرهن إقرارها ببت مشروع قانون ضريبة الدخل.

من شأن هذا الربط نتيجة واحدة وهي عدم تسلم الأردن المنح والمساعدات في وقتها، حيث لا تزال المفاوضات جارية بين ممثلي الحكومة الأردنية وممثلي الصندوق الذي فاجأ الجميع برفضه للتعديلات التي طرحتها حكومة عمر الرزاز على قانون الضريبة.

كان مستغرباً المواقف المتناقضة الصادرة عن الصندوق، فغداة انتهاء الاضربات في الأردن وتشكيل حكومة جديدة مهمتها الرئيسة إعداد مشروع قانون متوازن وعادل يراعي الطبقات المجتمعية بخاصة الفقيرة ومحدودة الدخل، رحّب الصندوق بهذه الإجراءات وأعلن دعمه لها.

ما الذي استجد إذاً ليتخلى الصندوق عن موقفه وهو الذي يعي الظغوط التي فرضتها الأحداث المحيطة بالأردن على اقتصاده وبنيته؟ فالصندوق دعا حينذاك المجتمع الدولي إلى مزيد من تقديم المنح والمساعدات وحثّ على أولوية تقديم الدول للمنح لكي ينهض بالاقتصاد الأردني الذي يعاني تبعات الحروب وينوب عن المجتمع الدولي بدور إنساني – كما أكد مسؤولون أردنيون أكثر من مرّة -.

فكيف للصندوق الذي يحث العالم والهيئات والمجتمع الدولي على القيام بفعل وهو يناقض تصريحاته ومواقفه؟ إلا إذا كان يُنفذ أجندة لأغراض سياسية يرفع من شروطه تارة ويخففها تارة أخرى حسب الطلب.

من ضمن ما يقوله سياسيون ويربطونه باجراءات و”توصيات كبسة الزر” ما يحاك بشأن القضية الفلسطينية والتي أعلن الأردن موقفاً واضحاً ومتزمتاً لا لُبس فيه إزاءها، وهذا رأي أردني عبر عنه سياسيون خارج الحلقة الرسمية.

يرى خبراء في شأن التفاوض مع صندوق النقد الدولي أن ثمة توصيات مستغربة يطلبها الصندوق فيما يتعلق بمشروع قانون ضريبة الدخل وتحديداً فيما يتعلق بنسب الشرائح المعفاة من الضريبة، فالصندوق يضغط بإتجاهات معينة قد تحدث هزة اجتماعية داخلية سعت الحكومة إلى تجنبها من خلال مشروع يتجاوز قانون الحكومة السابقة إلى تعديلات جوهرية -كما أعلن حكوميون-، بيد أن الصندوق وخلال المفاوضات الأخيرة رفضها وطالب بالعودة إلى المشروع المسحوب من مجلس النواب.

الحكومة دخلت في زوايا ضيقة، فهي تسعى لإقرار مشروع قانون يرهن الصندوق إقرار المراجعة الثانية ببته لكن على “مقاسه” وليس ضمن المحددات التي تراعي الظروف الإجتماعية كما ترغب الحكومة، وهنا يستعصي الأمر عند النظر إلى دول مانحة ومنها شقيقة ترهن تقديم المنح بمصادقة صندوق النقد لمراجعاته.

أوقفت طلبات صندوق النقد الجديدة التحرك الحكومي بإتجاه إقرار مسودة مشروع القانون، حيث كان من المتوقع أن يقر مجلس الوزراء مسودة مشروع القانون عشية عيد الأضحى المبارك، غير أن التطورات مع صندوق الدولي أخّر تقديمها إلى مجلس النواب خلال الدورية الاستثنائية وقد يُرحل إلى الدورة العادية إذا ما بقيت المفاوضات الشاقة تراوح مكانها، ما يعني تأخر وصول المنح والمساعدات للمملكة التي هي بأمس الحاجة إليها بخاصة مع اقتراب انتهاء السنة المالية 2018م.

ثمة من يرى أن بعض ممثلي الحكومة في المفاوضات تحولوا خلال السنوات الأخيرة إلى جزء من منظومة الصندوق – بقصد أو دون قصد – لنوزاع ذاتية بتقديمهم تنازلات تتماهى مع رغبات الصندوق وكأن الأخير من يمنحهم شهادة حسن سلوك ظناً منهم البقاء في مواقعهم بتلك الشهادة، وهو ما حوّل المفاوضين إلى طرف غير ندّ للصندوق لا يراعي أحياناً المصلحة العامة وظروف الخاصة من فئات المجتمع الأكثر تضرراً جراء تلك التوافقات.

تحتاج الحكومة اليوم إلى تنويع خياراتها وتقديم مقاربات ضمن مفاوضين قادرين على إعادة القطار إلى السكة، حيث يقول خبراء اقتصاديون ووزراء مالية سابقون إنه لم يكن في السابق يسمح للصندوق بالتغول بهذه الطريقة ليصل إلى فرض رغباته.

الأكيد – عند سياسيين- أن الصندوق يستغل نقاط الضعف وهو يعلم اليوم الظروف الصعبة والحساسة التي تعيشها المملكة اقتصادياً وعلى وقع متغيرات سياسية دقيقة تغلّف سماء المنطقة، وبات يلعب دوراً أبعد من الدور التصحيحي للاقتصاد الأردني الذي خبره الأردن منذ أكثر من 20 عاماً – كما يرى نواب وسياسيون أردنيون -، وينتقل بذلك إلى مربعات تشوبها الريبة من خلال تناقض التصريحات والزحف نحو مطالب مفاجئة ومستغربة لا تتوقف عند الحديث عن النهج بل تصل إلى التدخل بالتفاصيل.

ويدلل على وجود ما يشوب العلاقة التفاوضية، التصريح الذي صدر عن رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة غداة تسرّب معلومات عن وجود معيقات من قبل الصندوق تُعطِل إقرار مشروع قانون الضريبة وفقاً لطموحات الحكومة الأردنية.

الطراونة حذّر خلال اجتماعه بالقائم بأعمال السفارة الأمريكية في عمان من المساس بـ”أمن واستقرار المملكة”، وقال إنه “يتقدم على كل الأولويات، فهناك معادلات لا بد وأن تُأخذ بالحسبان لدى الحديث عن أي قرارات بخاصة ما يتعلق بالضريبة”.

ودعا صندوق النقد الدولي لـ”تفهم الحالة الأردنية، إذ إن المسألة ليست معادلة حسابية وأرقام، بل تتعداها إلى ما يتعلق بأولوية الحفاظ على البُنى الأجتماعية بخاصة المتوسطة والفقيرة فهي عماد المجتمع وأساسه المتين”.