مرايا – عُمر كُلّاب – في الطابق العاشر من فندق الكرمل في رام الله , سألني صديقي الاردني بعد سهرة طويلة مع وزراء ثلاثة في السلطة الفلسطينية ينتمون الى قطاع غزة يهمّون بمغادرة الضفة الى القطاع , ” عمر ليش الفلسطيني اللي هون مش زي الفلسطيني اللي عنّا في الاردن ” ؟ , كان السؤال صادما بكل المقاييس , فالسائل شخصية مرموقة وثقيلة الوعي , والسؤال جاء ليلة عزمنا مغادرة الضفة الى عمان , بعد اسبوع من الحفاوة والطيبة التي تفوق الوصف من اهلنا هناك , وكان وزير العمل الفلسطيني قد اختصر السهرة عن العلاقة الاردنية الفلسطينية بجملة ” شعب واحد في بلدين ” .
السؤال ليس تقسيميا ودون ظلال اقليمية , فبعد السلوك الشعبي الذي رأيناه في فلسطين كان السؤال واجبا , كانت عبارة ” إلحقوني ” تسيطر علينا , وملخص العبارة , اننا كلما اضعنا الطريق او خشينا الضياع , نقف ونسأل احد السائقين وكانت الاجابة دوما ” إلحقوني ” يسير الرجل مسافة تتراوح بين 20 – 30 كيلو مترا وسط الحواجز الصهيونية ومن خلال الطرق الالتفافية , قبل ان يقفل عائدا , يرفض ان يقول لنا سيروا يمينا او يسارا , كان يصّر على مرافقتنا , بل ان احد الشبان قادنا في طريق فرعي لنكتشف انه يتوقف امام منزله لتناول طعام الغداء , وبعد توّسل وبوسة لحية سمح لنا بالمغادرة لاننا مدعوون الى الغداء اصلا في طولكرم .
سلوك مذهل من اهلنا في فلسطين لمجرد رؤية لوحة اردنية , والوصف جاهز بعد الترحيب والتهليل ” اهلا بالنشامى ” , الاسعار تنقص الى النصف وذلك بعد مجادلة بعدم الدفع , وفي عكا توقفنا قليلا امام استراحة داهمتنا بالقهوة والماء البارد , قبل ان يجلس معنا لنحدثه عن اخبار الاردن واهلها , رافضا مجرد الحديث في ثمن المشروبات , فأنتم اهلنا , على حد تعبيره , استعددنا للخروج الى الشارع العام , واذا بمركبة تغلق الطريق امامنا , وكالعادة ” يا هلا بالنشامى ” وبعد جدل وايمان غليظة نجونا من دعوته على الغداء , والحوادث كثيرة ومتنوعة وفي كل قرية ومدينة , من اريحا الى المزرعة الشرقية الى قرية ابو فلاح الى طولكرم والقدس ورام الله وعكا ويافا .
هل هربت من الاجابة او أحاول ان أحيد عنها , لا , لكنه تمهيد لأصل الى جواب السؤال او تبرير طرحه اساسا , فهذه الحميمية باغتتنا , او ان نمو الهويات الفرعية وصراع المحاصصة اكل من قلبنا الكثير , على عكس اهلنا هناك , الذين يروننا الرئة والعمود الفقري لهم وعلى كل المستويات بالمناسبة , ثمة عتب كبير علينا لقلة الزيارة وتحديدا من المقادسة , وعتب اكبر من اهلنا في الضفة التي احتفت ونحن هناك بوضع حجر الاساس لمسجد باسم الشهداء الاردنيين , كل شيء هناك يفوح بالمحبة والطيبة وعبارة إلحقوني سيطرت على الجميع , ولم أجد اجابة سوى قصة طريفة مع الصديق ارويزق عربيات , الذي اغدق في المحبة والوصف على اهلنا في الضفة وغزة بعد عودته من هناك , فمازحته ” ليش بالاستاد ما تحكي هالحكي ” فأجابني بخفة دمه المعهودة , هناك فلسطينية بنحبهم وبحبونا , اما انتو فوحداتية , ويقصد نادي الوحدات .
اليوم استحضر السؤال والحكاية من ابن العربيات , واحاول ادغامها مع عبارة الحقوني , لعلها تفتح الباب لاعادة حوار وطني كبير عن الهوية الوطنية والاهم عن زيارة فلسطين وشبهة التطبيع .//