مرايا – عُمر كُلّاب – ثمة قراءة تقول بأن تراجع شعبية رئيس الحكومة تحمل في ثناياها الخير للرجل الذي اثقلت كاهله شعبيته التي دخل بها الدوار الرابع , فتلك الشعبية كانت حصيلة عوامل متعددة اولها الطبيعة الشخصية الهادئة وابتعاده عن الانضواء تحت راية صالون بعينه , والاكتفاء بأن يقدم هو سيرته الشخصية ذاتيا ودون الوان الصالونات السياسية المتناثرة على طول البلاد وعرضها , فنجح الى حد بعيد في التخلص من توابع وظلال اي صالون , وحتى تراث والده وشقيقه لم يسع الرجل الى الاستثمار او المتاجرة فيهما كما يفعل نظراؤه .
ربما يكون قانون الضريبة سببا رئيسا في تراجع شعبية الرئيس , لكن ثمة عوامل اكثر تسببت في ذلك , فالناس , حتى الساسة منهم , لا يجيدون التفريق بين الموقع او المنصب والشخص ذاته , ولا يستطيعون تمييز الفواصل والاشارات التي يتطلبها المنصب – وفي معظمها مفاصل منهجية وخارجة عن الارادة الشخصية او التركيبة الذاتية – فمن يقرأ ما كتبه الرزاز سابقا في الصحف او استمع الى محاضراته قبل المنصب سيجد مادة دسمة ليضعها في وجه الرجل , غافلا عن سوء قصد او قلة معرفة بأن ظلال الشخص تنحسر كثيرا امام استحقاقات الموقع ومتطلبات الوظيفة العامة وتحديدا العليا .
فمن السهل ليس على الرزاز وحده بل على غيره ايضا – ان يتحدث في الفضاء الاكاديمي او الفضاء المعرفي , لكن عند مطابقة ذلك على ارض الواقع وفق الاحداثيات المحلية وابعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية , سيكتشف حجم المسافة بين النظري والواقعي , وبالتالي فإن الهجوم على الرزاز من خلال كتاباته السابقة او محاضراته فيه ظلم كبير لرجل يمتلك الموثوقية والنزاهة والبرنامج ايضا , وليس من الحصافة محاكمة الرئيس عمر الرزاز بما كتبه الدكتور عمر الرزاز خلال مائة يوم , فتلك فترة ظالمة انتجت ضحايا كثيرين , فاليوم الاول بعد الوصول الى الموقع هو اليوم الاخطر لأن الناس , تنتظر الكثير وسط امكانيات محدودة وربما ضحلة جدا .
الرزاز كان يغرف في المقالة او المحاضرة من وعاء معرفي ضخم يمتلكه الرجل , لكنه اليوم يغرف من موازنة محدودة جدا , وكان يغرف من وعيه اما اليوم فهو محكوم بوعي جمعي يبدأ من فريقه الوزاري وينتهي بكل كوادر وموظفي الدولة الاردنية , وللاسف لا يلتفت الناس الى الفرق وتتواطأ النخبة على وعيها من اجل ارضاء الشارع الشعبي وهذا ما نسميه الشعبوية وهي نقيصة في السياسي والاكاديمي , عكس الشعبية التي هي فضيلة واجب السعي اليها , فالاولى مبنية على الغرائزية والتهويش اما الثانية فهي مبنية على العقل والسلوك والاداء الجيد .
نحتاج اليوم اكثر من اي وقت مضى الى تأصيل المصطلح وتثقيف الوعي الجمعي للمواطن الاردني , من اجل استرداد الثقة وعدم تحطيم المواقع وتهشيم الشخوص , فكثير من الشخصيات جرى اعدامها شعبيا بدم بارد وبمؤامرة على الوعي من سياسيين واكاديميين من اجل شراء شعبوية او ركوب الموجة , فتحول السياسي الى ناقل للمزاج الشعبي وليس صانعا للوعي الجمعي وهذا افضى الى تصحّر الحالة السياسية والى تجريف الوعي الشعبي الذي بات محكوما لكل صاحب صوت مرتفع ومحكوم لاي هتاف في المظاهرة او في الملاعب .
اداء الرزاز يستوجب النقد ويستوجب المحاكمة ولكن بأدوات علمية وانضباط في المصطلح ومحاكاة الظروف الموضوعية التي يعمل الرجل في اتونها , اما الاحكام المستعجلة فهذه توقف التنفيذ حسب الفقه القضائي ولكنها بالعادة ليست نهائية وربما يتم نقضها , لكنها في الحالة القضائية لا تحمل اخطارا كما تحمله في الحالة السياسية.