مرايا – عمر كُلّاب – في حضرة الغياب السياسي والتصحر القائم في الحالة السياسية , تبدو المصطلحات السياسية ضربا من الخيال واقرب الى مفهوم النكتة , منها الى الواقع الحياتي , وتتكرس هذه القناعة كلما استمع المراقب الى تصريحات بعض الوزراء وتصريحات بعض النواب , او وللتوسع في قراءة المشهد تصريحات السلطات القائمة , عن التعاون والتفاهم لمصلحة البلاد والعباد .
ولمزيد من الدلالة على المشهد ولتثقيف الفكرة , فإن علاقة تعاون مشترك كانت قائمة بين محطات المحروقات قديما واصحاب محلات الميكانيك , بحيث تقوم محطات المحروقات بخلط المياه مع المحروقات فتتعطل المركبة , ويضطر المواطن الى الذهاب الى اول ميكانيكي لاصلاح العطل , والحصيلة ان محطة المحروقات تستفيد وكذلك الميكانيكي , وظل هذا التعاون المشترك قائما الى ما قبل دخول مؤسسات الرقابة وضبط الجودة او مؤسسات المواصفات والمقاييس .
بعد خطبة العرش , سمعنا كلاما ايجابيا من السلطتين التشريعية والتنفيذية عن التعاون المشترك وعن روح الفريق , بحيث بدت الامور اكثر من طيبة , قبل ان تعود المسننات الاصلية الى الاحتكاك مباشرة وقبل ان تبرد التصريحات الجميلة بين الطرفين , فالنواب حصلوا على هدنة مع عمال البلديات والحكومة قامت بإعادة 17 مؤسسة مستقلة الى حظيرة الموازنة , دون تفاصيل توضح شكل العودة ومقدار الوفر من عدمه , والنواب لم يتحصلوا على معلومة واحدة تثري حوارهم مع قواعدهم , والغائب ظل قانون العفو العام الذي ينتظره المواطن.
فالعفو بلا اب حتى اللحظة وهذا سيكلف الخزينة مزيدا من التلكؤ في دفع المستحقات , والمواطن سيبني امالا , بل اعرف كثيرين استهلكوا مبالغ كانت مرصودة لغرامة الخادمة على امل العفو , وترخيص المركبات شبه متوقف بانتظار العفو واثاره وثمة سجناء يحلمون مع ذويهم والقائمة تطول , فالتعاون المشترك بين السلطتين لم يترك علامة ايجابية على المواطن الذي ما زال ينتظر تعاونا من اجله لا تعاونا عليه .
كثيرة هي المصطلحات السياسية القابلة للنسخ على شاكلة التعاون المشترك , وكثيرة هي مساحة التجريف في العلاقة مع المؤسسات الرسمية واكثر منها منسوب التصحر في الوعي الرسمي والشعبي , فكل تصريح لوزير يحتاج الى اطلاق ضحكة مجلجلة , خاصة الوزراء الجدد الذين يقدمون انفسهم بصورة اقرب الى مفهوم الانقلاب منهم الى اكمال المسيرة او التواصل مع البرنامج السابق , لان البرامج مفقودة في اعمال الوزارات والسائد هو الانقلاب الوزاري الذي يحضر في كل تعديل او تغيير .
التعاون المشترك تغيرت اشكاله لكن المضامين بقيت ثابتة , فالمزود للمحروقات ما زال متعاونا مع الميكانيكي , ولكن بطريقة مختلفة , وما زال المواطن يدفع الثمن من جيبه الذي يعاني من انيميا حادة , وكل اقتراب بين السلطات اما لتحقيق منفعة ذاتية او لتحقيق مصلحة , والجميل ان هذا التعاون المشترك قوي ومتين ولا يتغير بتغير المجالس والحكومات , بل تتغير الشخوص المستفيدة , فالنائب المؤثر في حكومة سابقة يفقد تأثيره في الحكومة التي تليها .
خطاب العرش كان واضحا , العمل لمصلحة البلاد والعباد , وهذه ليست دعوة ملكية جديدة , حتى تتباغت الحكومة وتبدأ باعداد خارطة طريق لتفعيل المنطوق الملكي , بل هي دعوة الملك المستمرة , وعلى الحكومة القائمة ورئيسها الذي نراهن عليه ان يخرج من التعاون المشترك القائم الى تعاون حقيقي من اجل البلاد والعباد .