مرايا – بعد أن تكشف الكثير من خيوط مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده بإسطنبول في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، رأى أكاديمي فرنسي أنه آن الأوان لاستخلاص الدروس الأولى من هذه الفضيحة الدولية، فمن هم الخاسرون ومن هم الرابحون؟

في مدونته بصحيفة لوموند ناقش أستاذ تاريخ الشرق الأوسط الحديث بجامعة سيانس بو المرموقة بباريس البروفيسور جان بيير فيليو هذه المسألة متحدثا في البداية عن ثلاثة خاسرين.

الخاسرون
أحد أكبر الخاسرين من هذه القضية، وفقا لفيليو، المملكة العربية السعودية، إذ إن قضية خاشقجي، حسب قوله، نسفت كل ما حققه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في جولته التي استمرت أسبوعين كاملين خلال مارس/آذار وأبريل/نيسان 2018 في الولايات المتحدة الأميركية وأنفق فيها ولي العهد السعودي ببذخ لتكريس صورته كــ”مصلح”.

بل إن هذه القضية شوهته وجعلته يعكس صورة الحاكم المستبد الذي يحتفظ لنفسه بتحديد حق رعاياه في الحياة أو الموت، كما أظهرت أن النظام السعودي أبعد ما يكون عن الإصلاح، بل لا يختلف عن الديكتاتوريات العسكرية في العالم العربي، التي تجعل من جهاز المخابرات المؤسسة الرئيسية في البلد، وفقا لجان بيير فيليو.

ولفت فيليو إلى أن الملك سلمان أقال نائب رئيس المخابرات السعودية بسبب دوره المركزي في تصفية خاشقجي، لكن هذا الملك، عوض ابنه وولي عهده بتكليفه بـ”تنسيق” إصلاح جميع الأجهزة الأمنية.

أما الخاسر الثاني، حسب الكاتب، فهو الولايات المتحدة الأميركية التي استمرت في التأرجح، من خلال تصريحات رئيسها دونالد ترمب، بين السخط بسبب مقتل خاشقجي والرغبة في تبرئة محمد بن سلمان.

وأبرز الكاتب زيارة رئيس الدبلوماسية الأميركية مايك بومبيو إلى الرياض لاحتواء الأزمة، مشيرا إلى أنه يجد صعوبة في تجريم محاوره السعودي، خصوصا أنه كرئيس سابق لوكالة المخابرات المركزية معروف بتأييده لـ”الثقوب السوداء” التي يغيب فيها بشكل غير قانوني إطلاقا “الإرهابيون” المفترضون؛ وقد بررت إدارة ترامب مرارا وتكرارا باسم “مكافحة الإرهاب” سحق حلفائها العرب، خاصة مصر، لكل أشكال المعارضة.
أما أكبر الخاسرين من قضية خاشقجي فهي إسرائيل وفقا لفيليو، إذ راهن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على بن سلمان لإضفاء الصفة الرسمية على تقارب بلاده مع الدول النفطية ضد إيران ودفن القضية الفلسطينية إلى الأبد.

أما الآن فإن مثل هذه الفرضية قد تلاشت تقريبا، بل إن صديقا مقربا من بن سلمان هدد حتى بالرد على العقوبات الأميركية المحتملة بالتصالح مع إيران.

ورأى الكاتب أن زيارة نتنياهو المفاجئة لمسقط كانت محاولة لتثبيط هذه الصدمة وتخفيف وطأتها، غير أن فيليو ذكَّر بأن عمان هي أقرب حليف لإيران من بين كل دول الخليج.
الرابحون
أما الرابحون من قضية خاشقجي، فإن فيليو وضع على رأسهم تركيا، قائلا إن تركيا رجب طيب أردوغان خرجت من هذا الاختبار القاسي مرفوعة الرأس.

وأوضح الكاتب أن الوضع القانوني للقنصلية السعودية التي اغتيل فيها خاشقجي يجعله من الناحية التقنية خارج الاختصاص القضائي لتركيا، لكن القضاء التركي تمكن من جمع الأدلة حتى داخل القنصلية، كما ساهمت التسريبات التي كشفها المسؤولون الأتراك لوسائل الإعلام في استمرار الضغط على بن سلمان وترامب كليهما.

وتبين من إصرار أردوغان، وهو يتحدث رسميا أمام النواب الأتراك، في 23 أكتوبر/تشرين الأول، على تبرئة الملك سلمان والإشادة به أنه أراد إثارة مزيد من الشكوك حول ابنه.

وتعد إيران، ثاني أهم الرابحين من هذه القضية التي أثارت توترا غير مسبوق في العلاقات بين واشنطن والرياض، وذلك عشية دخول عقوبات صارمة تفرضها واشنطن على طهران حيز التنفيذ.

كما غطت قضية خاشقجي على فضيحة طالت الدبلوماسية الإيرانية، إذ اعتقل دبلوماسي إيراني في فيينا بألمانيا وسلم للعدالة البلجيكية في خضم تحقيق حول مخطط إيراني لشن هجوم يستهدف اجتماعا لمعارضين إيرانيين في فرنسا.

أما أكثر الرابحين أخلاقيا من قضية خاشقجي فهو، حسب فيليو، كندا، إذ أدت مجرد تغريدة واحدة لوزيرة الخارجية الكندية في أغسطس/آب الماضي عبرت فيها عن قلقها إزاء مصير ناشطات سعوديات “مسالمات” إلى إثارة غضب الرياض واتخاذها إجراءات ثأرية مدوية شملت طرد السفير الكندي وتعليق الرحلات الجوية بين البلدين وعودة آلاف الباحثين والطلاب والمرضى السعوديين من كندا، وتجميد أو حتى سحب الاستثمارات السعودية.

وهو ما قال فيليو إن بن سلمان كان يريد من خلاله جعل الحكومة الكندية عبرة لمن يعتبر وإرسال تحذير إلى جميع الديمقراطيات الغربية التي كانت تميل إلى انتقاد النظام السعودي ولو على استحياء، بأن السعودية لن تتسامح مع أي نوع من النقد.

ولم تمض سوى أسابيع قليلة على تحذير كندا من تجاوزات السعودية حتى جاءت قضية خاشقجي لتظهر أن أوتاوا كانت على حق، حسب فيليو.الجزيرة