الحكومة تتماسك ونصائح الجلسة المغلقة
أثمرت استخدام المفردة الشعبية في الاعتراف مهارة وعليها متطلبات
النواب خسروا جولتين : الأولى بالصراخ والثانية بالاعتراف الحكومي
إقالة الوزراء مطروحة بقوة ولكن بعد النتائج
مرايا – عمر كلاب – ” ان تصل متأخرا خيرا من الا تصل ” , تبدو هذه الحكمة لصيقة بموقف رئيس الوزراء عمر الرزاز , في خطابه امام مجلس النواب أمس في الجلسة الرقابية لمجلس النواب حيال فاجعة البحر الميت , والذي اعترف الرزاز فيها ” بان الحكومة مسؤولة عن الفاجعة ” واختصرها بجملة شعبية بالغة التعبير ” إلنا دخل ” ويبدو ان الرزاز استعار الجملة التي قالها طفل في فيديو ذائع الانتشار على مواقع التواصل وملخص الفيديو , ان طفلا يبرئ نفسه وبعض اقرانه من وزر حادثة بقوله ” ملناش دخل ” الحَقّ على محمد .
الحكومة التي بدت مرتبكة ومهزوزة في بواكير الفاجعة , عادت وامتلكت رباطة الجأش الداخلية بعد استماع الرزاز الى نصائح متعددة , تلقاها الرزاز في جلسة سرية اثناء انعقاد جلسة البرلمان الاولى مطلع الاسبوع الحالي , والتي انهاها رئيس المجلس بعد صخب كبير , داعيا الى جلسة الامس , وحسب مصادر فإن رفع الجلسة تم بعد تلقي المهندس عاطف الطراونة رسالة مكتومة , برفع الجلسة الى يوم امس الثلاثاء .
الرزاز يبدو انه غير مؤمن بنظرية يعتقد بها الهنود الحُمر , والتي تقول بضرورة قتل أمهر صياد في القبيلة في مواسم الجدب والقحط من اجل فك لعنة ونحس انحباس المطر , فآثر الرجل الابتعاد عن المشهد المرتبك وترك فريقه الوزاري يدافع عن نفسه امام الجمهور وعلى الفضائيات , واللافت ان اي وزير لم يقم بواجب العزاء لاهالي ضحايا فاجعة البحر الميت او على الاقل لم يجرِ الاعلان عن قيام اي وزير بذلك بمن فيهم رئيس الوزراء نفسه , فالرجل بالعادة لا يتأخر عن واجب العزاء حصرا , مما يعني انه كان مدركا تماما لحجم الغضب الشعبي الذي يمنع ظهوره او ظهور اعضاء فريقه في اماكن العزاء .
سلوك الحكومة ورئيسها اليوم كان سياسيا بامتياز , ويبدو ان هيبة المكان الذي انعقدت جلسة البرلمان فيه – مسجد الملك عبد الله – قد اضفت وقارا وسكينة على الرئيس غير المحظوظ , فابتسامة الاقليم له لم يرافقها ابتسامة من الطبيعة التي باغتته ولم تجعل الداخل يبتسم اسوة بالاقليم , فخلق الرجل لنفسه مساحة بتحمّل المسؤولية الاخلاقية , ساحبا من خصومه القدرة على مهاجمته بضراوة , فانحصر الهجوم على التأخير في الاعتراف وليس على انكار الدور في الفاجعة الذي شحذ كثيرون سكاكينهم من اجل الانقضاض عليه وعلى حكومته من هذا الباب .
الاعتراف بالدور هو الخطوة الاولى المطلوبة من الحكومة , لكنها بحاجة الى خطوتين متتاليتين , الاولى معاقبة المخطئ من الحكومة وعلى كافة المستويات , وهذا ما يتحضر له الرجل بعد استكمال لجان الحكومة اعمالها , والرجل مصمم على خروج نتيجة عمل اللجان الى العلن سريعا , وثانيها جبر الضرر , وهو على مستويين , جبر ضرر ذوي الضحايا بالاعتراف والتعويض وجبر ضرر المجتمع بتحويل المخطئين الى القضاء واقالة اصحاب المسؤولية الاخلاقية , ولعل تلميحة وزير العدل بسام التلهوني الى فضائية المملكة فيها ما يؤكد ذلك , لكن ليس على اساس نظرية الهنود الحمر , بل على اسس منهجية يعرفها الرزاز ويتقنها اكثر من غيره رغم تأخره النسبي في الموقف .
اللافت ان النواب ومجلسهم , لم ينجحوا في اقناع الشارع بأنهم حريصون على معاقبة المخطئ , بعد ان لفتوا الانظار الى صراخهم ونرفزتهم البينية اكثر مما لفتوا الجمهور الى رغبتهم ومقدرتهم على المحاسبة , فمشهد تقبيلهم الوزراء بعد الجلسة وابتساماتهم المتبادلة كانت اكثر حضورا من صراخهم , فخسروا جولتهم الاولى والثانية , فصراخهم جرى تفسيره كخطوة لتغييب الحقيقة وطمس معالمها وحتى لجنتهم التحقيقية ستبدأ بعد انتهاء اللجنة الحكومية التي نجحت في اقناع الشارع الشعبي والسياسي بعدالتها ستكون خطوة فائقة الدلالة على عودة الدولة وتراجع السلطة , بعد استقواء السلطة على الدولة .
الرزاز اختار لفظا شعبيا لدور الحكومة وعليه ان يستكمل مشروعه في المحاسبة الدقيقة والسريعة والخروج بنتائج يرضى عنها الشارع الشعبي ولا اقول الشعبوي , فالمسافة واضحة ويدركها الرزاز اكثر من غيره .الانباط