الجائزة صفعة وفرصة وبداية عمل بعد أنطلع البدر علينا من واشنطن
الملك بدأ بتعريف الجهاد لضبط المصطلح بين الارهاب والمقاومة
الحكومة قاصرة حتى اللحظة عن اعداد خطط ومشاريع لاستثمار الجائزة
نهاية التاريخ تجمدت في كاتدرائية واشنطن بعد فشل صدام الحضارات
عُمر كُلّاب – واشنطن/مرايا – لا يمكن اختصار مشهدية الاحتفال بتسلم الملك عبد الله الثاني بخبر تقليدي عن استلام الجائزة الاكثر تأثيرا في مجال الفلسفة الدينية والتسامح الديني ، والتي توازي جائزة نوبل في مجالها، فمجرد ترديد انشودة طلع البدر علينا في الكاتدرائية الاشهر في الولايات المتحدة ، يحتاج الى تفكيك واعادة تركيب ، بعد ان قادت واشنطن ومنذ ١١ سبتمبر ٢٠٠١ حربها الكونية على الارهاب كإسم حركي لحرب استعمارية جديدة بالمعنى الحرفي لكلمة استعمار ، فانتجت هذه الحرب ثقافة ومنهجا ، تمثل في كتاب صدام الحضارات ، لصموئيل هنتنغتون ، الذي كان تعبيرا عن فلسفة سعت الى انتاج خصم جديد بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ، فكان الاسلام هو البديل الموضوعي لتبقى ماكينة الحرب فعالة واسهم المفكر الغربي برنارد لويس في افراز هذه الظاهرة التي عبر عنها هنتنغتون، واصدر بعد ذلك الاسيوي الامريكي فوكيوما كتاب تثبيت الامبريالية واستعمارها بوصفها نهاية التاريخ او سيرورته ، فتلاقت الارادة الغربية على تثبيت الاسلام خصما وعلى تكريس الهيمنة بنهاية التاريخ .
عقدان من الزمن استهلكا من الملك الكثير وهو يسعى الى تصويب الاختلال ومواجهة فلسفة نجحت في وسم الاسلام بالارهاب وانتجت مختبراتها فيروسات ارهابية عابرة للجغرافيا ، داعش وشقيقاتها ، وتوحشت هذه الفيروسات اكثر واكثر وربما وجدت تطورها الذاتي في التوحش واغتصاب الفكرة الدينية والفتوى ، واضاف الربيع العربي الهارب من مختبرات الفوضى الخلاقة كفيروس سياسي ، الكثير من الاضافات والنجاحات للارهاب المتدثر برداء الدين ، بات الجهاديون مصطلحا دارجا بدل الارهابيين ، لكن الاسم – الحركات الجهادية – كان انتاجا فكريا مصاحبا لافلام هوليوودية عن الظاهرة المتسلحة بالدم والذبح والتفجير ، ولهذا سعى الملك في كلمته الى ضبط المصطلح واعادة الرشاد اليه في كاتدرائية تجمع كل الكنائس الامريكية وللمكان دلالته ورسالته ، فالخوارج حرفوا الجهاد وحرّفوه ، وعلينا التقاط الرسالة المنهجية لضبط الاصطلاح بين الارهاب والمقاومة واظن الملك اول من التقطها ، ليبني عليها الكثير في حربه الدائمة من اجل القضية الفلسطينية .
ي مجتمع مثل الولايات المتحدة يذهب نصفه لصلاة الاحد ، كانت كلمة الملك وتأثيرها كبيرا جدا ، وما قاله المتحدثون عن الملك والاردن يحتاج الى توثيق وتعميق ، فنحن دولة صغيرة والاصل ان نعيش على هامش الجغرافيا وعلى حواف التاريخ ، لكن الرسالة الهاشمية نقلت الاردن الى دائرة الفكرة الانسانية والفكرة تخترق الجغرافيا وتصنع التاريخ ، فرسالة عمان كانت اول جراءة اردنية بقيادة ملكية على مرجعيات وحوزات لم تستطع مجابهة الرسالة وغير قادرة على انتاجها بحكم المذهبية او الانغلاق ، فحاولت اخفاء الرسالة وتضييق الفضاء امامها ولعلها نجحت في ذلك بعد ان انحزنا كمجتمع اردني الى التغني بالرسالة في المناسبات الدينية دون العمل بها وتعظيم دلالتها ، وتتالت المحاولات الملكية لاختراق الجدران المسلحة المبنية امام السماحة والتسامح ، بعد ان بدأت اليمينية تنتصر في معظم العواصم الغربية وواشنطن وتحالفت اليمينية مع الرجعية العربية ودخلت مفاهيم السماحة والتسامح في غرفة الانعاش ، قبل ان تأتي جائزة تمبلتون وتمنح الملك بصيص امل كي يستمر في مسيرته لاكمال رسالته التي ورثها ويجدد في تلك الرسالة .
في اليوم التالي للجائزة ، كان السائق الامريكي يسألني عن بلدي ، فأجبته الاردن ، فقال الملك عبدالله ، قلت نعم ، قال انه شاب يتحدث الانجليزية بطلاقة وانا معجب به فهو غير الحكام العرب ، حشدت ما املك من مفردات انجليزية واجبته عن السبب ، وسألته ان كان تابع الجائزة فقال انه سمع بالحفل وانه سيتابع اكثر وربما تقول الكنيسة يوم الاحد شيئا عنها ، سقت القصة كي ادخل في ضرورة تعميق الجائزة واستثمارها ، ليست بوصفها املا لكثيرين في الاقليم تم تشريدهم بحكم مذهبهم او معتقدهم او دينهم ونجح الاردن في احتضان الكثيرين منهم ، بل لان البلدان الصغيرة عاكست المنطق وانتجت قادة كبارا ، وكان المشهد يقول ، الاوطان الصغيرة لا تُنجب قادة كبارا ، وتوصيف الاردن بهذه الجائزة نقلها الى خانة الكبار قيادة وتأثيرا ، وهنا استثمارنا الاول لجذب الاستثمارات ، التي ينتظرها الاردنيون وقبلهم الملك ، من اجل رفعة الاردن وشعبه وربما تدفع الحكومة ثمن حركتها البطيئة في هذا الملف ، فنحن نحتاج الى ماكينة حصاد خلف الملك .
ما بعد الجائزة ليس كما قبلها ، فالعالم كان في الكاتدرائية ، وكثيرون تابعوا ، وجماهير بدأت تعرف من الذي يستحق الدعم ، والمؤتمرات الدولية قادمة لتحديد الدعم في السنة الجديدة ، ويعيش الاردن لحظة نصر يجب ان تتحول الى منهجية نصر ، فالتغريد والبرقيات والتصريحات حول الفخر بالجائزة مهمة ولكنها لا تمنح السراج الاردني زيتا لاكمال الاضاءة ، والفرصة الآن بين ايدينا ، فنحن بلد يتم تقييمه الآن كمركز اشعاع انساني ، وهذا بالنسبة للمانحين مهم اذا توفرت المشاريع العملية واذا توفر التحضير الحقيقي ،استثمار لحظة النصر هذه ، فقد مللنا من اضاعة الفرص ويجب ان نحصل على ما نستحق من دعم كوني بعد ان قدمنا الواجب الانساني واكثر في استقبال اللاجئين وحماية امن الاقليم كله وليس محيطنا العربي فقط .
الجائزة بيئة عمل وليست ترنيمة فقط ، وفرصة لتسويق الاردن سياحيا وفي مجالات ومعارف كثيرة ، وان كانت ترنيمة زين عوض وهي تنشد طلع البدر علينا من واشنطن لها سحرها بالاضافة الى باقي الاهازيج الاردنية التي قدمتها مع فرقة دوزان واوتار ولن اغفل الصغيرة عمرا المبدعة صوتا اماني بيشه ولا الاوركسترا الوطنية وطلال ابو الراغب فالجميع اسهم في ليلة اردنية خالدة في سماء واشنطن .
الجائزة صفعة وفرصة ، صفعة لمنهج غربي حاول كسر عجلة التاريخ وتثبيتها للنهاية وانتاج الاسلام خصما مهزوما وهمجيا ، وصفعة لاتباع المذاهب الارهابية الذين منحوا نهاية التاريخ وفلسفتها القوة اللازمة ، وفرصة لنا كي نطلق ابداع العمل وتجاوز لحظة الضيق الى الابد .
(الأنباط)