مرايا – عمر كُلّاب 

جدل سياسي وثقافي عشية ذكرى اغتيال وصفي التل

 

الروابدة يتحدث عن الحافة الاردنية المتعددة الجوانب والمدببة الرؤوس 

 

الوفاء لوصفي بالوفاء للدولة وقيمها التي استشهد من اجلها

 

 

 

 

 حالة فانتازيا سياسية سادت بالامس اجواء العاصمة عمان وهي تستقبل حوارا يفترض انه ثقافي وندوة سياسية في ليلة ذكرى اغتيال الشهيد وصفي التل , فقد التقى رئيس الوزراء عمر الرزاز العاملين في الحقل الثقافي والمؤسسات الثقافية والفنية والقى الدكتور عبد الرؤوف الروابدة محاضرة في جمعية الشؤون الدولية , وللصدفة المحضة المغرية والغوية بالقراءة ان النشاطين كانا متزامنين تقريبا في التوقيت وفي نفس الليلة التي سبقت ارتقاء وصفي الى بارئه .

ففي اللحظة التي كان يجلس فيها رئيس الوزراء مع الكيانات الثقافية وممثلي الهيئات الثقافية , للتباحث والتشاور في مشروع النهضة المتجدد , كان رئيس الوزراء الاسبق عبد الرؤوف الروابدة يقدم تثقيفا سياسيا رفيعا عن نظرية الحواف التي يقف عليها الاردن منذ نشأته , حشد فيه الروابدة حلمه غير المتحقق بأن يكون محاميا وواقعه الدراسي بأن يكون دكتورا صيدلانيا , فكانت محاضرته وصفة سياسية بلغة مرافعة قانونية ناجزة , تحتاج كل حافة من حوافها العشر الى قراءة خاصة .

في حواره مع اعضاء الهيئات الثقافية , حاول الرئيس عمر الرزاز جذب الحوار الى تثقيف الحالة السياسية وتسييس الثقافة المجتمعية , فمشروع النهضة لا ينجح وسط كيانات منخورة بالهويات الفرعية والمصالح الفئوية , لكن مضمون الحوار وما تحدث به ممثلو الهيئات الثقافية افقد الرجل فرصته في الحصول على حليف ثقافي قادر على ترشيق السياسة وتثقيفها لتصبح حالة مجتمعية تكنس ثقافة الأنا الفردية , وما تم رصده من لغة جسد الرئيس تكشف حجم خسارته رغم جسارته على لقاء مثل هذا , كان رؤساء حكومات يهربون منه مسافات بعيدة ابان كان المثقفون يشغلون مواقع قيادية في الهيئات الثقافية , وليس العاملين في الشأن الثقافي .

حوار الرزاز ومحاضرة الروابدة , جاءتا في ليلة ذكرى اغتيال الشهيد وصفي التل , الذي تحتل صورته اليوم معظم صفحات التواصل الاجتماعي , وعلى خلاف جمهور محاضرة الروابدة , فإن معظم حضور حوار الرزاز ممن يضعون صورة وصفي ويتغنون به , لكن الحالة تقول في ذكرى استشهاده ” وصفي التل , وجدناك ولم نحضر ” , فالحالة سطحية والتوصيفات ذاتية ولعل ما ختم به الرزاز حواره مع اعضاء الهيئات الثقافية والعاملين في الشأن الثقافي حول محاربة الفساد تختصر المسافة الراهنة حيث قال الرزاز ” هل اذا جلبنا وليد الكردي وعوني مطيع نكون قد حاربنا الفساد وانتصرنا عليه ؟ ” .

من ذكرى الشهيد وصفي ومن وحي ارثه نقرأ الحالة , فالحضور من العاملين في الثقافة كانوا مشغولين بالهم المعاشي والوظيفة الحكومية وربما فقد وزير الثقافة بوصلة اللقاء لعجز الوزارة عن وضع خطوط عريضة او مفاتيح اللقاء مع رئيس الحكومة , فغدا المشهد حوارا محافظاتيا اكثر منه حوارا ثقافيا , على عكس مضامين محاضرة الروابدة التي فتحت باب الاسئلة الموجعة التي تنتظر اجابات اذا وجدناها سنجتاز الازمة ولعل اخطر ما قاله الروابدة هو “…. يفقد الاردن العديد من الأشقاء والأصدقاء . يعود اقتصاده الى غرفة العمليات بعد أن كان في غرفة الانعاش

.يتراجع الدعم ومع ذلك يزداد الانفاق . تباع الثروات الطبيعية ، ويختفي صندوق الاجيال فيزداد الاقتراض . تنهار الادارة العامة وتتدنى الخدمات . فيستشري الفساد . فساد متغول لا يظهر له فاسدون أو مفسدون .

فساد أصابه السعار فانفلت على أيدي منظري اقتصاد السوق .

” ما قاله الرزاز او ما يسعى اليه , هو اقرب الى ما طرحه الروابدة من حيث قراءة الماضي بعين الحاضر للولوج الى المستقبل , لكن الادوات اختلفت والادوات صغرت بعد رحلة تجريف ممنهجة للواقع الاردني والادارة الاردنية , يسعى الرزاز الى معالجتها كلها بأدوات اقل من المأمول وابعد ما تكون عن المطلوب , ومن هنا يأتي حنين الشارع الاردني الى مرحلة جيل البناة والمؤسسين , فالمصاعب لم تتراجع بل تزداد تعقيدا , لكن رجال الدولة اقل وزنا واكثر اوزارا , فأصبحت حالة الحنين مرضية اكثر منها صحية لان المتغنين بالشهيد وصفي التل لا يحملون اي جين من جيناته واكثرهم لا يتخلقون بأي خلق من اخلاقه , فالشهيد قضى دفاعا عن الدولة فيما يحمل كثيرون من المتغنين به جينات قتل الدولة .

(الأنباط)