مرايا – عمر كُلّاب
يخشى كثير من الساسة الجهر بإدانة الهتاف الجائر الذي يردده ثُلة قليلة من شباب الحراك , كما يخشى بالتوازي الكثير من المحللين دراسة ظاهرته وتحليل مقاصده واهدافه , ويبدو اننا مقبلون على مرحلة من حالة الجبن السياسي بعد مرحلة الغباء السياسي التي عشناها لسنوات ليست بالقليلة , وأقصد بالغباء السياسي , مرحلة القبول بنمط التكنوقراط في وزاراتنا وقبول نواب الخدمات في برلماننا , مما يعني ان الشارع الشعبي كان غبيا بالقبول وان الشارع السياسي كان متواطئا مع الغباء الشعبي ولا يقبل ان يعاكسه , فاصبح قادة الرأي اتباعا للغرائزية الشعبية وقابلين بالانقياد للشارع على وعد قيادته .
وصار الجميع يرددون همسا الرأي الحقيقي , ويخشون من الجهر به علنا , واعرف ويعرف كثير من الكتاب والمحللين ان المحكي تحت الهواء على الشاشات اخطر من المحكي علنا , ونعلم ان طبقة السياسيين كانت تقول ما لا تفعل , ورأى الشارع بام عينه كيف تكون تصريحات السياسي وهو على مقعد المنصب ورأيه بعد الخروج منه , والغريب ان الشارع ما زال يصدق هذه الطبقة ولا يحاسبها ويقبل ان يتعامل مع هذه الطبقة على نظرية عمال المياومة , وبالتالي عليه الا يغضب اذا عاملوه بنفس النظرية وبنفس الطريقة , فالجميع يمارس التلاوم والتكاذب , فنحن نتحدث عن اصلاح سياسي ونغضب اذا تجاوز التعيين احد ابناء العشيرة او المحافظة ونعيد انتخاب النائب الذي اشبعنا كذبا وصراخا مقابل حفنة سكر وكمشة ارز ومبلغ نقدي , حتى الغائب عن الانتخابات كان شريكا في المجزرة وليس بريئا .
كثيرون اليوم يطالبون بالاصلاح السياسي والاقتصادي , وفي نفس الوقت يريدون عفوا عاما غير منقوص , ويريدون تعيين كل اقاربهم ويريدون ان تكون المناصب العليا حكرا لابناء العشيرة او محاصصة بين القبائل , وكثيرا ما تسمع صوتا يقول بان ” فلانا ” رجل محترم او إبن شيخ او ابن زعيم , ولا يتحدث احد عن كفاءته والاهم عن قدرته , ونعلم جميعا ان من النادر ان يكون ابن الشخصية الوازنة او الزعيم او الشيخ حاملا لنفس صفات والده , فنظرية لن اعيش في جلباب ابي نظرية صحيحة ومن النادر الشذوذ عنها .
الهتاف الجائر وطبقة الممثلين على مواقع التواصل الاجتماعي من الذين يبثون فيديوهات في معظمها اراء شخصية نابعة عن تجارب سابقة واحيانا عن احقاد سابقة , لم يجدوا من يتصدى لهم , بل وجدوا اتباعا ومتابعين يرددون بكل غباء ما يقولون , ولحظة مواجهة احدهم بضرورة تحليل المعلومة فقط , يصفن , ثم يقبل المراجعة وكثيرا ما يرفضها لانها تعاكس رغبته فيكيل لك كل التهم الطازجة والمعلبة , ان لم يكن في وجهك فلحظة مغادرة المكان .
كل الهتاف الجائر واحيانا المقزز يقف خلفه طبقة السياسيين اما الغاضبين او الفاسدين او الطامحين , ويردده شباب غاضب سمع او تم تلقيمه هذا الشعار , لذلك لا ارى فيهم خصوما للدولة بقدر ما ارى فيهم ضحايا للمرحلة , التي استأنسنا فيها السياسي الضعيف والسياسي الفاسد , حتى ساد المرحلة طبقة الاشباه وتجار المفرق او القطّاعي في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة , فعقل الدولة انحاز الى اشباه الرجال وانصافهم , وانحاز الى طبقة من التكنو قراط ممن لا يفقهون ان المنصب سياسي وان الاقتصاد سياسة وان النقل سياسة وان الصحة سياسة , فكانت النتيجة اصواتا مضللَة وليست اصواتا ناعقة , فالناعق هو السياسي الذي عجز عن ممارسة دوره والمسبب هو المسؤول الفاسد والمسؤول الضعيف الذي تحالف مع الاشباه على حساب الحقيقة .