مرايا – عمر كلاب
ذات محنة تعرّض لها اكاديمي اردني دأب على المجاهرة برأيه وموقفه الخشن , حاولت اطراف صديقة للاكاديمي ولرئيس الحكومة ذاك الوقت تخفيف الاحتقان وإعادة الاكاديمي الى موقعه , وفجأة قال احد اعمام الاكاديمي ” مشكلة الدكتور انتهت , فانبهر الحضور بهذه المفاجأة وسألوه عن تفاصيل انتهاء هذه الازمة فقال لقد شاهدت رئيس الوزراء في احدى المناسبات وعندما ” شافني ابتسم ” , فأيقنت ان المحنة زالت فلا تتكلفوا العناء اكثر .
طيبة اهلنا , – الجيل القديم منهم على وجه الحصر – وانحيازهم الى هذا التفسير مفهومة ومقدّرة , فالناس في بلادنا بقيت على بساطتها وطيبتها , وظلت تمارس العلاقات العاطفية والانسانية على قاعدة ” نظرة فابتسامة فلقاء ” , وبقيت غمزة العين والابتسامة اول وسائل التواصل الى ما قبل الواتس آب والماسينجر وباقي ادوات التقنية الحديثة , وتبعا للادوات المستخدمة فقد ظهرت مهارات مصاحبة , فتعلمنا لغة الجسد ولغة الاعين , وقرأنا عن انواع الابتسامات , الصفراء والبريئة والمتوجسة والخائفة والراغبة وباقي اشكال الابتسامات , كما هو الجيل الحالي يتقن لغة الهايبرد ” العربيزي ” وباقي تفانين التواصل .
المشكلة ان هذا التفسير البسيط وقاعدة ” شافني وابتسم ” انتقلت الى الساسة في بلادنا والى صنّاع القرار على كل المستويات , فالسياسة الخارجية باتت تُقاس بمساحة الابتسامة على وجه الضيف او المُستقبل , وتبعا لذلك تبدأ التحليلات والاخبار الرسمية , عن حفاوة الاستقبال وطيب الاقامة وكرم الضيافة , دون التعرض الى فحوى الزيارة او المواضيع التي اهتمت بها الاطراف المجتمعة او الطرفين , حتى ان أحد رؤساء التحرير , قام بتقييم جولة سياسية بمقدار تصفيق الحضور .//
شافني وابتسم , نحت سياسي اردني لمواجهة كل انتكاسات اللحظة الوطنية الراهنة , التي يجري فيها توزيع الابتسامات وقياس ارتدادها , فتارة تكون الابتسامة قنبلة مفخخة , وتارة تكون صاروخ ارض جو وتارات تكون مربوطة بفتيل قابل للاشتعال والاشعال ,فنحن نبتسم ونطالب المسؤول ان ” يلاقينا وما يغدينا ” بمعنى تحقيق الطلب الذي ذهبنا من اجله , لذلك سادت قصة ان المسؤول الفلاني ” ابن ناس ” او ” طيب ” دون الحديث عن كفاءته او مهارته في شغل الوظيفة والمنصب , فالمهم انه لاقانا وابتسم .
مفارقة عجيبة تعيشها اللحظة الاردنية ليس اولها حرق الاطارات من اجل الحرب على الفساد , ولا اخرها حرق الاطارات من اجل الافراج عن الموقوفين على تهم فساد , ولا آخرها شعار الثورة مستمرة على الدوار الرابع حتى لو تحققت المطالب كما كان شعار المحتجين الخميس الماضي ” مش مهم قضية الدخان , بدنا اللي باعوا الاوطان ” , بل المشكل اننا ننتظر الابتسامة في وجوهنا وننتظر من يضحك علينا داخل ابتسامته المرسومة بعناية على وجهه , فلقد عرفنا كل انواع الابتسامات لكننا احببنا ابتسامة واحدة وهي التي تضحك علينا .
فكثير من رؤساء الحكومات كانوا مبتسمين على الدوام , وآخرهم الدكتور عمر الرزاز صاحب الابتسامة البريئة , وقبله ابو زهير صاحب الابتسامة غير البريئة وقبلهما عبد الرؤوف الروابدة صاحب القهقهة العالية , وما بينهما من رؤساء مبتسمون على الدوام , لم يحققوا لنا شيئا ولم ينجحوا في تقديم وصفة لأزمة واحدة , ومارسوا تخديرنا بالابتسامات والنكات واللقاءات والسفرات والتعديلات , كلهم بلا استثناء كانوا مبتسمين في وجوهنا , لكنهم اثخنوا ظهورنا طعنا .