مرايا – لسنوات، تقول إسرائيل إنها ملتزمة بسياستها في المنطقة التي تعتمد على عدم التدخل في الشؤون المحلية المتعلقة بدول الإقليم، لكن تصريحا لمسؤول عسكري رفيع سابق يكشف رسميا عدم الالتزام بهذه السياسة، بعد تأكيده بأن بلاده قدمت “دعما مسلحا” إلى المعارضين للرئيس السوري بشار الاسد في مرتفعات الجولان المحتلة.
ففي آخر أيامه كرئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أكد غادي إيزنكوت أن إسرائيل قد دعمت بـ”التسليح المباشر” فصائل معارضة للرئيس السوري في الجولان.
ووصف الكاتب دانيل ليفي بمقال رأي في صحيفة هاآرتس تصريح إيزنكوت بالخاطئ، قائلا إنه يعني “انتفاء مصداقية إسرائيل لدى الجماعات المتمردة التي دعمتها ضد الأسد، الأمر الذي قد يؤثر بشكل كبير على عمليات عسكرية مستقبلا.”
ولا تزال سياسة إسرائيل الداعمة لبعض الجماعات المتمردة المناهضة للأسد متسقة مع سوابقها المتمثلة في “مع من ولماذا تنخرط في حرب غير تقليدية”.
ويقول ليفي: “لدى إسرائيل تاريخ طويل في الحروب غير التقليدية التي تعرفها الحكومة الأميركية بأنها أنشطة تهدف لتمكين حركة مقاومة أو تمرد لإجبار أو إعاقة أو إسقاط قوة احتلال أو حكومة عبر العمل من خلال أو مع قوات مساعدة أو عصابات في منطقة ما، من أجل أهداف استراتيجية متعلقة بالأمن”.
وأضاف ليفي “أكثر ما يشغل إسرائيل في سوريا هو التعدي الإيراني على حدودها الشمالية، إما بشكل مباشر، أو من خلال ميليشيات خطيرة مثل حزب الله”.
وتابع “لعدة أسباب، سيكون من غير المجدي أن تخصص إسرائيل قوات للقيام بعمليات واسعة النطاق لمنع التهديد من الوجود الإيراني في سوريا. ولهذه الغاية، فإن تحديد شريك محلي قادر على مساعدة إسرائيل في تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي، وبالتالي دعمه، هو أكثر منطقية وواقعية”.
وحتى الآن، يصر المسؤولون الإسرائيليون على أن دولتهم لم تقدم إلا المساعدات الإنسانية للمدنيين (من خلال المستشفيات الميدانية في مرتفعات الجولان ومرافق الرعاية الصحية الدائمة في شمال إسرائيل)، وتنفي باستمرار أو ترفض التعليق على أي نوع آخر من المساعدة كانت قد قدمتها.
وعادة ما تلتزم إسرائيل الصمت الإعلامي بشأن سياستها السابقة حول سوريا، لكن إيزنكوت أماط اللثام عن ذلك، في تصريح لا يبدو مفاجئا.
فقد تعددت المصادر التي تحدثت عن دعم إسرائيل للجماعات المتمردة المناوئة للأسد منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية.
ظهرت أولى التقارير بهذا الشأن في نهاية عام 2014، وجاء فيه أن مسؤولي الأمم المتحدة شاهدوا المتمردين السوريين ينقلون المرضى المصابين إلى إسرائيل، وكذلك “تسليم صندوقين من جانب جنود الجيش الإسرائيلي لأعضاء المعارضة السورية المسلحة”. كما ذكر نفس التقرير أن مراقبي الأمم المتحدة قالوا إنهم شاهدوا “جنديين إسرائيليين على الجانب الشرقي من السياج الحدودي يسمحان بدخول شخصين إلى إسرائيل”.
منذ ذلك الحين، تدفقت بانتظام تقارير مماثلة ومفصلة عن اتصالات إسرائيلية مع المتمردين السوريين، وجاء في أحد التقارير، في فبراير 2014، أن لواء فرسان الجولان وفرقة أحرار نوى استفادتا من الدعم الإسرائيلي، عبر شخص يدعى إياد مورو من بيت جن، وأن الدعم كان عبارة عن أسلحة وذخائر ونقود.
ولا يمكن إخفاء الدعم العسكري الإسرائيلي للمتمردين في مرتفعات الجولان إلى الأبد، وربما يفسر ذلك سبب إقرار إيزنكوت بالأمر في الوقت الحالي. لكن ربما سيكون لهذا التصريح عواقب بعيدة المدى.
فمن غير المرجح أن تغير إسرائيل طريقة عملها في المستقبل، لكنها قد تجد شركاء تكتيكيين محتملين مستقبليين أقل استعدادًا للتعاون معها. في كل من جنوب لبنان والآن في سوريا، وجد شركاء إسرائيل السابقون أنفسهم معرضين للمخاطر بسبب هذا التعاون.
وبعد تاريخ طويل من الحرب غير التقليدية، من المرجح أن يفكر شركاء إسرائيل مستقبلا مرتين قبل قبول الدعم المسلح وغيره من تل أبيب، بحسب ليفي.
وتبدي إسرائيل دائما استعدادا ملحوظا لتشكيل شراكات تكتيكية قصيرة الأمد مع قوى وكيانات معادية صراحة لوجودها، طالما سيكون تحالفها قادرا على تقديم بعض المنافع المتعلقة بالأمن.
وأشار الكاتب إلى أن “أفضل مثال على ذلك هو قرار إسرائيل بتسليح طهران خلال الحرب العراقية الإيرانية، على الرغم من الخطاب القوي الإيراني المناهض للصهيونية. خلال الثمانينات، ظل العراق يشكل التهديد العسكري التقليدي الرئيس لتل أبيب. إن مساعدة طهران لمواصلة خوض حرب استنزاف ضد بغداد قللت من خطر الأخيرة ضد إسرائيل”.