مرايا – نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن الهجومين الإرهابيين المدمرين اللذين وقعا الشهر الماضي في أفريقيا، واللذين ساهما في إطلاق صرخة معركة نادرا ما سمعنا صداها ضمن النشاط العسكري الحالي في القارة: وهي القضية الفلسطينية.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته “عربي21″، إن القيادة المركزية لتنظيم القاعدة مجدت من جهة المسلحين الذين نفذوا الهجوم الإرهابي على أحد الفنادق في كينيا والتجمع العسكري في مالي، وأثنت من جهة أخرى على فروعها في الصومال ومالي فيما يتعلق بالهجمات المميتة الأخيرة.
ووفقا لمجموعة “سايت” للاستخبارات، فإن قائد المجموعة الإرهابية صرح قائلا: “نحن نؤكد ونقدر الجهود القيمة لكل جهاديّ يسعى لمنع تهويد فلسطين”. وقد برزت هذه الصرخة الجماعية على إثر الهجوم الذي أمر به قائد تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.
وأوضحت الصحيفة أن المحللين الأمنيين أفادوا بأن دوافع الأنشطة الإرهابية الكبرى، التي تقوم بها فروع تنظيم القاعدة في جنوب الصحراء الأفريقية في السنوات الأخيرة قد تغيرت، حيث تسعى القاعدة مؤخرا إلى تذكير العالم بوجودها في الفترة التي أصبح منافسها تنظيم الدولة يتصدر العناوين الرئيسية للأخبار.
ونقلت الصحيفة عن جيسون وارنر، مدير أبحاث أفريقيا في مركز مكافحة الإرهاب في ويست بوينت، أن “نفوذ تنظيم الدولة في تراجع في الفترة الأخيرة، مما يسمح لتنظيم القاعدة بالبروز من جديد والتذكير بأجندته الجيوسياسية”. وقد أشارت جماعات تنظيم القاعدة في مالي وكينيا، المسؤولين عن الهجوم، أن القضية الفلسطينية كانت الدافع وراء فعلتها.
وأضافت الصحيفة أن هذه الهجمات وقعت بعد مرور سبعة أشهر على نقل الرئيس ترامب السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، التي اعترف بها عاصمة لإسرائيل. وقد أثارت هذه التحركات التوترات، بالإضافة إلى استنكار تنظيم القاعدة وغيرها من التنظيمات المتطرفة الأخرى لهذا الأمر.
وبينت الصحيفة أن المعاناة الطويلة للفلسطينيين لطالما كانت سببا محفزا لتحركات القاعدة، التي تدعي أنها تدافع عن المسلمين. وقد دعت حركة “الشباب” الصومالية إلى تحرير القدس لأكثر من عقد من الزمن. وأشارت القاعدة إلى أن نقل السفارة الأمريكية للقدس هو سبب كاف لتبرير هجماتها. وذكرت ريتا كاتز، المؤسسة المشاركة في مجموعة سايت، أن “هذا الخطاب هو استغلال انتهازي لإحدى قضايا حقوق الإنسان المهمة. وخلافا لهذا الخطاب، لم تقدم القاعدة أي نوع من المساعدة الفعالة للفلسطينيين”.
وأفادت الصحيفة بأن الظواهري تطرق إلى هذه القضية في مراسلات قام بها منذ شهر أيلول/ سبتمبر. ووفقا لمجموعة سايت للاستخبارات، ورد في إحدى رسائله، “إن إصرار ترامب على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس دليل على اعتراف أمريكي بأن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل. ولم يأت قرار ترامب من فراغ، بل هو تعبير واضح على الانحياز اليهودي المسيحي”.
وخلال نهاية شهر كانون الأول/ ديسمبر، حث الظواهري المسلمين السعوديين على الجهاد، وطالبهم بمهاجمة المصالح الأمريكية والإسرائيلية وذكر على وجه التحديد عملية نقل السفارة، وذلك حسب مجموعة سايت للاستخبارات. وحيال هذا الشأن، قال الظواهري: “عندما قرر الأمريكيون الكشف عن عدائهم الصارخ للمسلمين، فعلوا ذلك دون خجل من خلال إعلان ترامب عن مرحلة جديدة بدأها بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس”.
وأكدت الصحيفة أن الهجمات التي حدثت في كل من كينيا ومالي تزامنت مع تكثيف إسرائيل لتأثيرها على القارة الأفريقية. وتجدر الإشارة إلى أن زيارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى التشاد جاءت قبل أيام من الهجوم الذي وقع في مالي. وقد أشار الناشطون إلى أن هذه الزيارة كانت سببا في استهداف التشاديين. ومنذ سنة 2016، عملت إسرائيل على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الكثير من البلدان الأفريقية، واستعرضت قوتها في جزء من العالم يفرض عليه التضامن مع الدول الإسلامية قطع العلاقات مع إسرائيل.
وخلال زيارة أداها إلى ليبيريا سنة 2017، أعلن نتنياهو أن “إسرائيل عادت إلى المشهد الأفريقي بصورة كبيرة”. وأجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي أربع زيارات إلى القارة منذ منتصف سنة 2016. ووفقا لما ذكرته وسائل الإعلام الإسرائيلية، من المتوقع أن يزور رئيس الوزراء المالي إسرائيل قريبا، وهي دولة أخرى ذات أغلبية مسلمة كانت قد قطعت علاقاتها مع إسرائيل منذ السبعينيات.
وبينت الصحيفة أنه خلال شهر كانون الثاني/ يناير، سافر نتنياهو إلى التشاد حيث أعاد العلاقات التي انقطعت منذ سنة 1972، واصفا هذه الخطوة بأنها دليل على “ثورة في علاقاتنا مع العالم العربي والإسلامي”. لكن لم يتم الترحيب بمسألة تعزيز العلاقات مع أفريقيا من قبل الجميع في إسرائيل، ويعتقد البعض أن نتنياهو يجب عليه التعامل مع القضايا الأقرب إلى الوطن.
وأفادت الصحيفة بأن حكومة نتنياهو سلطت الضوء على إمكانية عقد اتفاقات مع تشاد لتقصير وقت السفر من تل أبيب إلى أمريكا اللاتينية، من خلال السماح للطائرات الإسرائيلية باستخدام مجالها الجوي. وتتمثل جهود إسرائيل في شرق أفريقيا، في منع حماس من استيراد الأسلحة والذخائر الإيرانية من البحر الأحمر. ووفقا لمسؤولين أمريكيين، قصفت إسرائيل قافلة أسلحة متجهة إلى غزة في السودان سنة 2009، قبل أن تقطع السودان علاقتها مع إيران.
وأضافت الصحيفة أن إسرائيل تعدّ كلا من إثيوبيا وكينيا حليفتين مقربتين ضد الإسلاميين في الصومال، الذين نفذوا هجوم 2013 على المركز التجاري “ويستغيت” الذي تملكه إسرائيل في نيروبي، ما أسفر عن مقتل 71 شخصا. كما لجأت إسرائيل إلى كل من رواندا وأوغندا لقبول المهاجرين الأفارقة، التي تغرب الآن في ترحيلهم.
وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل تعدّ مصدرا للخبرات العسكرية والأسلحة بالنسبة للدول الأفريقية. فعلى سبيل المثال، ترى حكومة مالي التي تعاني من ضغوط شديدة للسيطرة على أراضيها الواسعة، أن الطائرات دون طيار أفضل وسيلة لمراقبة الجماعات المتمردة.
وأوردت الصحيفة أن إسرائيل أحرزت تقدما في تكنولوجيا الري بالتنقيط وتحلية وتنقية المياه وهو ما ساعد في تحسين الزراعة في المناطق القاحلة. وفي سنة 2015، أقامت إسرائيل أول مشروع للطاقة الشمسية في رواندا، وقبل سنة وقعت على مبادرة “باور أفريكا” التي تقودها الولايات المتحدة لتوفير الكهرباء لحوالي 60 مليون منزل. وفي فترة الخمسينيات والستينيات، ساعدت إسرائيل الجيوش الأفريقية والمنظمات شبه العسكرية في نضالها ضد الاستعمار. ولكن مقاطعة العرب لإسرائيل في فترة السبعينيات، فرضت على القادة الأفارقة قطع علاقاتهم معها أيضا.
ونقلت الصحيفة عن دوري غولد، المدير العام السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية قوله إنه “عندما أرادت هذه الدول الاجتماع في منظمة الاتحاد الأفريقي، كان هناك أمر ما يربطهم بعضهم ببعض، لكن الوضع تغير بالكامل”. وأضاف غولد أن “العرب ليس لديهم أي شيء لتقديمه إلى الأفارقة، مقارنة بما يمكن أن نقدمه”.
وذكرت الصحيفة أن غولد زار تشاد سنة 2016 لإجراء محادثات في واحة في الصحراء، حيث أخبره أحد المضيفين بأن العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين قد تم قطعها سنة 1972 بأمر من الرئيس الليبي معمر القذافي. وأفاد غولد: “لقد توفي القذافي، وليبيا تتداعى”، فأجابه المضيفون قائلين: “لهذا السبب أنت موجود هنا”.