مرايا – أنهى جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب وكبير مستشاريه، برفقة مبعوث ترامب للمفاوضات الدولية، جيسون غرينبلات الجزء الأول من جولتهما التي شملت عُمان والبحرين والامارات العربية الثلاثاء الماضي، بالإضافة الى تركيا، حيث التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأربعاء، وسيتوجهان (كوشنير وغرينبلات) إلى المملكة العربية السعودية وقطر، بغية الترويج لخطة تقوم على استثمار عشرات المليارات من الدولارات في الأراضي الفلسطينية من قبل هذه الدول الغنية كجزء من خطة ترامب المعروفة بـ”صفقة العصر” التي وعد بها ترامب منذ فترة طويلة.

وقال كوشنر، الذي عمل خلال العامين الماضيين وغرينبلات وسفير ترامب في :”إسرائيل” ديفيد فريدمان، على مخطط الرئيس ترامب لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، خلال جولته بأن الخطة الاقتصادية ستكون حاسمة في خلق بيئة يمكن فيها للجانبين تقديم التنازلات السياسية اللازمة.

وعلمت “القدس” من مصادر مطلعة في واشنطن أنه فيما يركز كوشنر في جولته الأخيرة على الشق الاقتصادي ، فإن معالم الخطة المعروفة بـ”صفقة القرن” اكتملت ولا تتضمن الاعتراف بدولة فلسطينية، وعاصمتها القدس، بل تقوم على أساس إعطاء قطاع غزة المحاصر “حكما ذاتيا” يرتبط بعلاقات سياسية مع مناطق حكم ذاتي في الضفة الغربية المحتلة (في المنطقة أ من الضفة) التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية، وعلاقات اقتصادية مع المنطقة “ب” أيضا بإشراف السلطة الفلسطينية، على ان يدخل الفلسطينيون في مفاوضات مع إسرائيل بشأن مستقبل المنطقة “ج”.

وأمنيا، فانه سيتم ازالة معظم الحواجز العسكرية الاسرائيلية التي تشل حركة الفلسطينيين بما يضمن حرية حركتهم لأعمالهم ومدارسهم ومستشفياتهم، والحرية التجارية في الأراضي الفلسطينية، ولكن المسؤولية الأمنية ستبقى بيد إسرائيل بشكل كامل ، بما في ذلك منطقة الأغوار.

وتشمل الخطة ايضا “تعزيز الشراكة بين الأردن والفلسطينيين وإسرائيل في إدارة المسجد الأقصى وضمان وصول المصلين إليه” ربما عبر بوابات من قرية أبوديس المحاذية أيام الجمعة والأعياد. أما بالنسبة للمستوطنات، فستقسم إلى ما يسمى بالكتل الكبرى التي ستُضم رسميا لإسرائيل، والمستوطنات الاخرى المقامة خارج الكتل الكبرى، فانها ستبقى هي الاخرى ايضا تحت السيطرة الإسرائيلية ولكن دون توسيعها، أما ما يسمى بـ “المستوطنات العشوائية” فسيتم تفكيكها.

وأكد المصدر الذي طلب عدم كشف هويته بأن الخطة (صفقة العصر) لا تشمل تبادل أراضي، كون مسألة الدولة الفلسطينية المستقلة على أراضي عام 1967 وعاصمتها القدس لم تعد واردة “بل ستكون هناك تعويضات سخية للفلسطينيين الذي باستطاعتهم إثبات ملكيتهم لهذه الأراضي بشكل مباشر”.

وحول قضية اللاجئين الفلسطينيين، فان “صفقة القرن” تعتبر أن عدد اللاجئين الفلسطينيين يتراوح بين 30 ألف إلى 60 ألف شخص فقط، وسيتم إعادة توطينهم في مناطق الحكم الذاتي الفلسطينية في الضفة أو في قطاع غزة إن أرادوا ذلك، فيما سيتم تشكيل صندوق لتعويض أحفاد الذين “اضطروا” لمغادرة قراهم وبلداتهم ومدنهم خلال حرب 1948 دون تصنيفهم كلاجئين.

وتركز الخطة على “المحفزات الاقتصادي” التي تشمل بناء ميناء كبير في غزة وتواصل بري بين غزة والضفة الغربية “ووسائل خلاقة للنقل الجوي من وإلى غزة للبشر وللبضائع” بحسب المصدر، وتعزيز قطاع الإنتاج التكنولوجي في المنطقة “أ”.

وقال كوشنر في مقابلة نادرة مع قناة “سكاي نيوز” العربية “إن ما وجدناه هو أن كل ما يفعله الصراع هو الحيلولة دون إتاحة الفرصة للناس لممارسة التجارة والحصول على إمكانات وتحسين حياتهم، ونأمل إذا استطعنا حل هذه المسألة، أن نوفر المزيد من الفرص للشعب الفلسطيني وللشعب الإسرائيلي وللشعوب في جميع أنحاء المنطقة”.

ولم يصدر البيت الأبيض علناً أي تفاصيل عن الجانب الاقتصادي للخطة، لكن المحللين الذين تابعوا تطوره قالوا إنهم أُخبروا بأنه سيشمل استثمار حوالي 25 مليار دولار في الضفة الغربية وقطاع غزة على مدى 10 سنوات، و40 مليار دولار أخرى في مصر والأردن وربما في لبنان، اعتماداً على أدائهم في تلبية بعض الأهداف.

واختلف آخرون ممن تحدثوا مع كوشنر حول هذه المبالغ المحددة، لكنهم اتفقوا على أنها ستنطوي على تقديم عشرات المليارات من الدولارات لتلك الأجزاء من المنطقة. وسيأتي الجزء الأكبر من الأموال من أغنى دول المنطقة، كما ستساهم الولايات المتحدة كذلك ولكن لم يتضح مقدار المبلغ الذي ستقدمه.

وفي جولته خلال هذا الأسبوع، زار كوشنر دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والبحرين، واجتمع يوم الأربعاء (27/2) مع الرئيس رجب طيب أردوغان في تركيا. ومن هناك، سيتوجه إلى المملكة العربية السعودية وقطر.

ومن الممكن أن يلتقي كوشنر أثناء تواجده في المملكة بولي العهد السعودي محمد بن سلمان للمرة الأولى منذ أن قتل عملاء سعوديون جمال خاشقجي، المعارض والصحافي السعودي الذي عمل في صحيفة واشنطن بوست.

وقال كوشنر، الذي أثارت خطته السرية للسلام تكهنات هائلة في المنطقة، إنه سيعلنها بعد الانتخابات الإسرائيلية المقرر إجراؤها في 9 نيسان المقبل ، ولم يقل ما إذا كانت ستشمل إقامة دولة فلسطينية. وفي مقابلته مع سكاي نيوز العربية، كان غامضاً حول رؤيته، إذ قال إن “الخطة السياسية، وهي مفصلة للغاية، وتتعلق في الواقع بإقامة الحدود وحل قضايا الوضع النهائي”، ولكنه أضاف بعد ذلك بأن الهدف من حل مشكلة الحدود هو في الحقيقة القضاء على الحدود. فإذا أمكن القضاء على الحدود وإرساء السلام وتقليل الخوف من الإرهاب، فسوف يكون هناك تدفق أكثر حرية للبضائع وتدفق أكثر حرية للأفراد، وهذا من شأنه أن يخلق المزيد من الفرص”.

ولكن إذا كان كوشنر يعني بإزالة الحدود الاشارة الى أن الفلسطينيين لن يحصلوا على دولتهم الخاصة، قال دبلوماسيون مخضرمون إنه من غير الواقعي توقع أن يتخلى الفلسطينيون عن طموحاتهم الوطنية في مقابل الاستثمار الاقتصادي.

وصرح مارتن إنديك، المبعوث الخاص السابق للسلام في الشرق الأوسط في عهد الرئيس باراك أوباما، لصحيفة نيويورك تايمز الأربعاء إنه “سيكون من الصعب للغاية إقناعهم (الفلسطينيين) بذلك من الناحية السياسية والاقتصادية، فإذا كان الاتفاق هو أننا سنقدم 65 مليار دولار في مقابل أن يتراجع الفلسطينيون والعرب عن مطالبهم السياسية بإقامة دولة مستقلة تستند إلى حدود عام 1967 وتكون عاصمتها القدس الشرقية، لا أعتقد أن هناك مال كاف لذلك. ويبدو أن الاقتراح برمته مبني على افتراضات خاطئة”.

وفي نفس السياق أشارت صحيفة واشنطن بوست الأربعاء (27/2) الى أن الأنظار ستكون مسلطة في الأيام المقبلة على لقاء كوشنر المنتظر مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي وصفته بـ “المستبد الملطخة يداه بالدماء”.

وأشارت الصحيفة إلى أن الهدف من اللقاء -على ما يبدو- هو دفع خطة السلام الأميركية بين الإسرائيليين والفلسطينيين إلى الأمام. ولكن المراقبين المطلعين في الشرق الأوسط يرون أن هذا الجهد الأميركي فاشل بسبب رفض الفلسطينيين له، لا سيما وأن كوشنر كان القوة الدافعة خلف قرار ترامب نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس”.

وتأتي جولة كوشنر في وقت جمدت فيه القيادة الفلسطينية الاتصالات مع إدارة ترامب الذي اتهمته بالانحياز الفاضح إلى إسرائيل، واعتبرت الولايات المتحدة بانها أقصت نفسها من دور الوسيط بعد اعترافها بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل أواخر عام 2017. كما ترفض السلطة الفلسطينية إجراء محادثات مع واشنطن ما لم تتّخذ الإدارة الأميركية موقفا أكثر اعتدالا وحيادية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتتراجع عن الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل.