مرايا – عمر كلاب

تحويل قضية وطنية تحظى برفض شعبي عارم , الى قضية صراع دستوري , ستخلق المزيد من المتاعب للحكومة والنواب على حد سواء , خاصة وأن رأيا اقتصاديا عميقا يؤكد عدم جدوى هذه الاتفاقية وأثرها السلبي على الاقتصاد الاردني , فقضية اتفاق الغاز سواء كانت مطابقة للمواصفات والمقاييس الدستورية كما تقول الحكومة , او مخالفة للمواصفة الدستورية كما يقول النواب , مرفوضة شعبيا ووطنيا واقتصاديا وسياسيا , وعدا ذلك فإن كل النتائج لن تفضي الى ارضاء الشارع الاردني .
التفسيرات الدستورية متضاربة حيال قضية تحويل الاتفاقية الى مشروع قانون وعرضها على مجلس النواب كما هو الرأي النيابي , فالدكتور ليث نصراوين يرى ان التفسير الصادر عن المجلس العالي لتفسير الدستور سنة 1963 قد اضاف شرطا ثالثا للمادة 33 من الدستور بحيث تكون الاتفاقية موقعة بين دولتين بالاضافة الى الشرطين الواردين في الدستور وهما تحميل تبعات على المواطنين واعباء مالية على الخزينة , فيما يرى مجلس النواب وعبر مقرر اللجنة القانونية النائب المحامي مصطفى ياغي عكس ذلك لان الشرطين القائمين , شرطان اساسيان في الدستور , وكان نصراوين قد اشار الى سابقة قامت المحكمة الدستورية برد القضية لوجود تفسير صادر عن المجلس الاعلى للدستور الذي تعتبر فتواه جزءا من الدستور وتقرأ معه .
الحكومة والنواب يحتاجان الى ثقة شعبية , والسلطتان مطعون في مصداقية سلوكهما , فالتحويل الى المحكمة الدستورية فيه تسويف وشراء وقت ليكون المشروع قائما بعد ان باشرت الشركات المنفذة الاعمال , والتسويف السابق لمدة سنتين لا يصب في مصلحة النواب ولا في مصلحة الحكومة , خاصة بعد الخطوات الملكية السريعة والواثقة لمجابهة الغطرسة الصهيونية وصلف سيد البيت الاسود , من الغاء ملحق الغمر والباقورة الى اعلان الموقف الراسخ من القدس ونهاية في الغاء الزيارة الملكية الى رومانيا , مما يجعل الدولة في حرج حال تناقض المسلكيات الحكومية مع النهج الملكي .
القضية سياسية بإمتياز وتمس هيبة الدولة والشعب , ولعل تصريحات المهندس عاطف الطراونة التي قال فيها ان اتفاقية غاز العدو احتلال وعلى الحكومة الغاءها مهما كان رأي المحكمة الدستورية فيها خلاصة القول وفصل الخطاب , لانها تصريحات متوائمة مع نبض الشارع الاردني ووجدانه ومتساوقة مع المواقف الملكية , ولا اظن النواب يمتلكون فرصة تاريخية كمثل فرصتهم اليوم في الغاء الاتفاقية او اسقاط الحكومة كما قال النائب خليل عطية لكاتب المقال , فالفقه الدستوري يقول ان المحكمة الدستورية بالاساس هي محكمة سياسية وليست محكمة بالمعنى الاحترافي والقضائي , بدليل ان عضويتها تشمل غير القضاة .
امام الصلف الصهيوني والعنجهية الامريكية والتراخي العربي , ليس امام الاردن الا الانحياز الى نبض شعبه والى مصالحه الوطنية الضيقة , وهذا يعني اعادة استنهاض نهج المقاومة لكل المشاريع التصفوية للقضية الفلسطينية لانها كلها ودون استثناء على حساب الاردن , واعادة تدوير الزوايا السياسية وانتاج تحالفات سياسية جديدة مع دول اوروبية ترى في ترامب خطرا على السلم العالمي , وانضاج تحالفه مع العراق وسورية ومصر , وقد نجح الملك في زيارته الاخيرة لواشنطن في تحقيق اختراقات مهمة في الحزب الديمقراطي وبعض عقلاء الحزب الجمهوري , والغاء الاتفاقية المعيبة هو اختبار لكل ماسبق , خاصة وان هناك هبة شعبية عالية لتحمل اعباء الغاء هذه الاتفاقية على المستوى الاقتصادي التي بادر بها النائب خليل عطية وحظيت بدعم شعبي على كل المستويات , فالاردنيون على وعدهم وعهدهم مع الكرامة ولن يتراجعوا عن هذا العهد .