مرايا – عمر كلاب
بخطوات واثقة وبكلمات وقورة , حمل الملك عبدالله الثاني جائزة مصباح السلام العالمية التي تعتبر جائزة نوبل للسلام الكاثوليكية , كأول زعيم عربي وغربي يحملها وشقيقتها تمبلتون التي حازها الملك في تشرين الثاني من العام الماضي في حفل مهيب في واشنطن العاصمة الامريكية , وبنفس المهابة كان حفل مدينة أسيزي الوادعة في ايطاليا , حيث فرض حضور رئيسة الوزراء الالمانية مهابة مضافة بجانب رئيس الوزراء الايطالي .
الجوائز بقدر ما تحتاج الى احتفالية بها تحتاج اكثر الى قراءة وتحليل , ليس على المستوى الديني على شدة اهمية الدلالة الدينية في الجوائز ولكن على المستوى السياسي ايضا , فالاردن بكل تكويناته واطيافه وطن لجميع ابنائه على اختلاف اديانهم وتلويناتهم الديمغرافية والاثنية وهذا غريب على منطقتنا العربية واقليمنا الاوسطي , فحتى الدولة الصنيعة والتي تحظى بكل دلال الغرب والتي كانت واحة ديمقراطية حسب تصنيفات الغرب , كشفت عن وجهها العنصري القبيح بعد قانون يهودية الدولة , فخرجت من دائرة الوصف الديمقراطي للدول الغربية , العلمانية والمسيحية على حد سواء , ولم يتبق في الاقليم الاوسطي الا الاردن وهذه الجوائز المتتالية اعتراف كوني بذلك .
في الجائزتين هناك اقرار دولي ومسيحي , بان الرعاية الهاشمية جزء اصيل من ديمومة واستمرار العيش المشترك والأمان الديني في المنطقة , وقد عكسته الجوائز من ابرز كنيستين في الغرب , واقرار اكثر دلالة بأن الملك عبدالله هو الاكثر أمانة وموثوقية برعاية الاماكن الدينية المسيحية والاسلامية , دون تحيز او تطرف , فالدولة الصنيعة باتت يهودية فقط , وغير جديرة بالموثوقية حتى عند الكنائس المسيحية , التي انحازت في فترة الى الخديعة الصهيونية وكيانها المصطنع في فلسطين العربية , وهذه الدلائل تحتاج الى قراءة عميقة وهادئة للبناء عليها في معركتنا التاريخية مع الكيان العنصري , الذي يسعى الى تهويد التاريخ والجغرافيا حسب المقياس الصهيوني .
استغرب حتى اللحظة الفصل بين الجائزتين والحياء في تفسير مضامينهما السياسية العنيقة الدلالة والتي تعكس تغير المزاج المسيحي السياسي حيال كيان الفصل العنصري وتحديدا جائزة تمبلتون التي استلمها الملك في ابرز عاصمة داعمة للكيان الغاصب وفي زمن ادارة تستخدم المقدس الديني لدعم دولة الكيان العنصري , الذي يسير بخطوت حثيثة لانهاء التعايش الديني بطرحه يهودية الدولة كمشروع نهائي لشكل كيانه الغاصب , وليس بعيدا ان ذلك يستفز دولا عربية كما يستفز الكيان الغاصب بنفس القدر .
المصباح في ذاكرتنا وفي الذاكرة العالمية ايضا يحمل اشارات النور والضوء لطرد العتمة , الفكرية قبل العتمة الزمانية في تبدل الليل والنهار , ورسالته بالغة الدلالة في لحظة فارقة , حسم فيها الملك موقفه من الحلول السياسية المطروحة من اليمين الامريكي واليمين الصهيوني , والتي غلّفها اليمين الامريكي بغلاف ديني , كما هي تصريحات وزير الخارجية الامريكي الاخيرة , فكان الملك صنديدا في المجابهة وحسم الرعاية والوصاية على ارضية السماحة المدعومة من قوة الاخلاق وصلابة الموقف وبصيرة الرؤيا .
الجائزتان يحصدهما الملك , لمواقفه ورؤيته السياسية اولا ثم لنسبه وريادته في الوئام الديني واعادة تبصير العالم بتعاليم الاسلام السمحة , لأن السلوك السياسي هو الكاشف لصدق المواقف والافكار وقد اثبت الملك انه مؤمن بالتعايش والوئام ومؤمن بيقين بأن امراض البشرية العابرة للجغرافيا مثل التطرف والارهاب ليست محصورة بدين او عرق بشري , وان مجابهتها تكون بالتسامح والتعايش والسلام المحمي بالمواقف الثابتة والصارمة .