مرايا – عمر كلاب
بيد عسكرية وذخيرة سياسية , قطع الملك سلسلة حديدية كانت تسعى الى استمرار اغلاق الباب امام الحركة الاسلامية وكتلة الاصلاح النيابية لدخول المقر السامي , بعد ان استثمر واضعو السلاسل في هذا الاغلاق , حتى كادت الاحوال ان تصل الى مرحلة الانسداد السياسي , لكن تلك القوى فشلت في استثمارها بعد ان فتح الملك ابواب المقر لكل الاردنيين على اختلاف تلاوينهم السياسية , ودون شك فإن اللون الاسلامي هو ابرز تلك الالوان واكثرها ذائقة في الحياة السياسية .
الاسلاميون دون شك استشعروا خطورة سلوكهم السياسي السابق , الذي مال على غير المألوف للتشدد والاستقواء على اللحظة الوطنية بالاقليم , خلافا للمألوف عنهم والمامول فيهم , بوصفهم ركيزة من ركائز الوسطية السياسية وابرز اركان السلم المجتمعي , فتراجعوا عن الدعوي المتزن لصالح السياسي المتشدد مع تشدد مذهبي لم يؤلف فيهم , فخلطوا السياسي بالدعوي في اناء من التشدد , فكانت النتيجة , خسارة لدورهم السياسي وتراجعا في تأثيرهم الدعوي – صحيح ان حركة سياسية اخرى لم تستثمر في خسارتهم – لكنهم يدركون ذلك جيدا , وادركوه بسرعة لا تخلو من وقار في الاستثمار بعد تصريحات الملك ومواقفه حيال القدس والقضية الفلسطينية , التي منحت الشارع السياسي والشعبي اطمئنانا وثقة .
رسالة كتلة الاصلاح النيابية ومواقف حزب جبهة العمل الاسلامي الاخيرة , التقطتها العين الملكية البصيرة , فكان اللقاء مع الكتلة على قمة نصر وطني , فالقاطرة الملكية تسير بثقة على المسار الوطني والقومي , وفيها متسع لمن يريد المشاركة في البناء , والجماعة بتركيبتها الداخلية تعرف اكثر من الجميع كيف يفكر عقل الدولة , فهي المحضونة منذ عقود في هذا العقل وحجم المتوافق عليه اعلى بكثير من حجم المختلف فيه , فسارعت الى تقديم اوراق اعتمادها , ممهورة بختم مواقفها الجديدة والمراجعات السياسية التي اجرتها في اطار داخلي , بعد ان تخلصت الحركة من قياداتها المتشددة .
تلك القراءة السياسية للحدث الابرز في المسار الداخلي , لكن ثمة قراءة ربما لا تقل اهمية عن القراءة السياسية , وهي قراءة لغة الجسد التي نقلتها الصورة , حيث تُظهر الصورة بوضوح حجم الراحة التي يعيشها الملك وطنيا رغم الظروف الاقليمية الصعبة وارتدادها الاقتصادي على المعيشة للاردنيين , وهذا القلق الاكبر للملك , وتُظهر بجلاء حجم الفرح الاسلامي بتجاوز الماضي القريب والعودة للماضي البعيد في العلاقة مع القصر , فرغم ان اللقاء في شكله السياسي , هو لقاء مع كتلة نيابية اسوة بباقي الكتل , الا اننا جميعا ندرك انه يحمل ابعادا وطنية نحتاجها جميعا , ويحتاجها الوطن الاردني اكثر .
ثمة صورة واضحة لحجم الانفراج السياسي , ستنعكس على المشهدية القادمة تحديدا في قوانين التنمية السياسية والاقتصادية , فالمال الاسلامي ليس قليلا واشارة اللقاء تفتح بابا كان موصدا في الاقتصاد قبل السياسة ولعل ما قالته النائبة ديمة طهبوب يعكس بجلاء حجم الرضى عن اللقاء وحجم الحاجة اليه في القاطع الاسلامي الذي كان يحتاج الى رسالة واضحة من الملك لتعزيز مواقف القيادة الجديدة كدليل على تجاوز الماضي القريب , فرغم ان النائبتين لم تصافحا الملك , الا ان حجم الايماءة والابتسامة على وجهي النائبتين كاف لارسال الف رسالة واكثر , لاطياف وتكوينات كانت تراهن , على جفاف وجفاء العلاقة , لكن السماحة الهاشمية تتسع للجميع , وتدرك ان سلام القلوب والاعين اكثر اهمية من سلام الايدي , فهذا الوطن يتسع جميع الابناء , ولا يمكن ان يتقدم دون مشاركة الجميع , والاسلاميون جزء اصيل من هذا الجميع .