مرايا – شارك الملك عبدالله الثاني، بحضور الملكة رانيا العبدالله، والأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد، في نيويورك مساء أمس الخميس، في جلسة حوارية، نظمها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وأدارها المدير التنفيذي للمعهد، روبرت ساتلوف.

وتحدث جلالة الملك، خلال الجلسة التي جاءت عقب تسلم الملك جائزة “رجل الدولة – الباحث” لعام 2019، عن مجمل التطورات في منطقة الشرق الأوسط، وخطر الإرهاب والتطرف، ومساعي تحقيق السلام في المنطقة.

وقال الملك في رده على سؤال حول الدروس المتعلقة بالقيادة والحكم خلال العشرين عاما منذ تسلم الملك سلطاته الدستورية، إنه ومع كل التحديات التي تواجهنا في منطقتنا، عليك دوما أن تنظر إلى الجانب الإيجابي، وعليك دوما أن تقوم بما هو صواب، وأعتقد أنه ما من وقت أهم من اليوم لنتعظ من مقولة إن الشر يستبد عندما لا يؤدي الصالحون دورهم.

وتابع “على الرغم من أن منطقتنا تبدو مليئة بالتحديات، لكن أنا متفائل، وسنمضي نحو المستقبل، وأستمد هذا التفاؤل ليس فقط من عائلتي بل من الشباب والشابات في الأردن الذين يمتلكون الطموح للعمل نحو حياة أفضل. فالأردن جزء من الشرق الأوسط، وإن الشباب يودون المضي إلى الأمام والعيش معا لبناء عالم أفضل لهم، وهذا ما يمنحنا الطاقة للاستمرار بالمضي قدما”.

وحول نظرة الملك لتحدي التطرف بالنسبة للأردن، قال الملك، إنه علينا أن ندرك أن التحدي الذي نواجهه هو تحد عالمي، ويمكن القول أن داعش قد هُزمت في سوريا والعراق، ولكنها لم تدمر، وشهدنا إعادة ظهور لهم خلال الشهرين الماضيين قرب حدودنا وفي غرب العراق، ولكن هذه مسألة عالمية، وإلى أن يدرك السياسيون من هو العدو حقا، سنستمر بالتقدم خطوتين والتراجع خطوة واحدة.

وأضاف لملك أن التحدي الذي يواجهنا هم ما نسميهم الخوارج، من أمثال داعش.

وقال الملك إن الجهاديين التكفيريين سيشكلون تحديا لنا جميعا، وهذا ينطبق على العالم أجمع، فبسبب الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، سنواجه مشكلة أينما كنا في العالم في التعامل مع هذا الخطر، وإن لم نقر بحقيقة العدو ومن يدعمه، سنستغرق وقتا طويلا جدا للتعامل مع ذلك.

وردا على سؤال حول الاحتجاجات التي تشهدها بعض دول الشرق الأوسط، وهل تختلف هذه المرة عن موجة الاحتجاجات عبر العالم العربي قبل ثماني سنوات، قال الملك “إن ما يُعرف بالربيع العربي، قاده شباب اشتد إحباطهم وأرادوا فرصا، وأتمنى أن نتذكر هذه اللحظة من التاريخ التي تمثل مرحلة مفصلية في التاريخ الإسلامي والعربي كتقاطع طرق كان لا بد لنا أن نعبره، وهناك العديد من التشابهات مع أوروبا في هذا الصدد، مثل التحديات في الداخل المسيحي قبل 400 أو 500 سنة، وأعتقد أننا اليوم نقف على تقاطع طرق مشابه”.

وحول تعامل الأنظمة الملكية العربية مع الاحتجاجات التي شهدتها بعض دول المنطقة، قال جلالة الملك “إن الأنظمة الملكية، كما رباني عليها جلالة المغفور له الملك الحسين، وكما تعلمه هو من الأجداد من قبله، هو أننا موجودون لتمثيل المجتمع بأكمله، وإن مجتمعاتنا مبنية على النظام القبلي، فعندما يكون لديك نظام ملكي كما هو الحال في الأردن والمغرب، فإننا نضمن التوازن بين مختلف أطياف المجتمع، سواء أكنت تنتمي إلى قبيلة ما أو كنت مزارعا، فنحن من يحرص على حماية ودعم الجميع، وأعتقد أن هذا ما ساعد الأنظمة الملكية في الحفاظ على الاستقرار خلال وقت عصيب مرت به المنطقة”.

وعن جهود كسر جمود عملية السلام، ودور الولايات المتحدة في ذلك، قال الملك “إن كان هناك من يقول من المجتمع الدولي أن بإمكاننا تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين من دون دعم أميركا فإنه لا يعرف منطقتنا والدور الذي تلعبه الولايات المتحدة فيه، وجميعنا بحاجة لدور أميركي يجمع بين الطرفين”.

وتابع “أعتقد أن العديد منا في هذه القاعة على يقين أن الطريقة الوحيدة للمضي قدما هي حل الدولتين لأن بديل ذلك سيء لنا جميعا. فالبديل هو إسرائيل ملتفتة إلى الداخل، الأمر الذي لا نملك ترف القبول به، ومن بعدها سنواجه تحدي المساواة في الحقوق وهو أمر ليس بالإمكان أن نتعامل معه”.
وأضاف “مع الأسف، إننا في حالة ركود كما تعلمون، حيث أجرت إسرائيل سلسلة من الانتخابات ومن المحتمل أن نرى ثلاثة أشهر أخرى من الانتخابات، ونتيجة لذلك فإننا في هذه الحالة من الركود، وإننا للأسف غير قادرين على جمع كل الأطراف على طاولة المفاوضات”.

وقال الملك “أما بالنسبة للعلاقات الأردنية الإسرائيلية فهي في أسوأ حالاتها الآن، ويرجع جزء من الأسباب إلى قضايا داخلية في إسرائيل. نتأمل أن تتمكن إسرائيل من تحديد مستقبلها سواء في الأسابيع أو الأشهر القادمة، ومن المهم لنا جميعا، وأقول هذا لأصدقائنا هنا في الولايات المتحدة، إعادة تركيز جهودنا على جمع مختلف الأطراف على طاولة المفاوضات والنظر إلى الجزء الممتلئ من الكأس”.

وردا على سؤال حول ما إذا كان حل الدولتين ما زال قائما، قال جلالة الملك “إنه سؤال مهم جدا. هل وصلنا إلى نقطة اللاعودة؟ وما هو البديل؟ أعتقد أن النساء والرجال الصالحين بإمكانهم إعادة الزخم بالاتجاه الصحيح، ولكن كما قلت في الكتاب “فرصتنا الأخيرة” إنها الفرصة الأخيرة، فبمرور كل عام يزداد الأمر تعقيدا وتزداد الأمور صعوبة على الفلسطينيين والإسرائيليين للمضي قدما معا”.

وأضاف “أن مستقبل إسرائيل هو أن تكون جزءا من الشرق الأوسط، فالمشكلة في ذلك أنه لن يحصل بالكامل إذا لم نقم بحل القضية الفلسطينية، وبإمكان العديد من الناس في منطقتنا القول خلف الأبواب المغلقة أنه يمكنك فعل ما تريد، ولكن في الحقيقة، الأمر حساس ووجداني. وإذا لم نقم بحل القضية الفلسطينية، لن نصل إلى الدمج الكامل الذي نصبو إليه ونستحقه في منطقتنا”.

وفي رده على سؤال حول السلام بين الأردن وإسرائيل، قال الملك “إن المشاكل التي نواجهها مع إسرائيل هي ثنائية، جزء منها يتعلق بالشؤون السياسية الداخلية، أنا أتفهم ذلك، ولكن ليس على حساب شيء كافح والدي ورئيس الوزراء الراحل رابين لإنجازه كرمز للأمل والفرص للأردنيين والفلسطينيين والإسرائيليين وآخرين”.

وقال الملك “علينا تذكير الناس إن السلام الأردني الإسرائيلي تم إنجازه دون الأميركيين، حيث جلس الأردنيون والإسرائيليون معا لأنه كان لديهم الثقة ببعضهما لصنع هذا السلام، وأتمنى أن يمكننا ما سيحصل في إسرائيل في الشهرين أو الثلاثة القادمة من العودة للحديث معا عن أمور بسيطة لم نتمكن من مناقشتها خلال العامين الماضيين”.

وحول موقف الملك من ما يسمعه من زعماء أميركيين يقولون أنهم يودون الخروج من الشرق الأوسط، والرسالة التي يود جلالته توجيهها بالمقابل، قال الملك “من وجهة نظر أميركية أو بريطانية أو فرنسية أو ألمانية أو أية وجهة نظر أخرى لقوات الناتو التي عملت في منطقتنا، إنه من المبرر بالفعل قول شيء كهذا. جنودكم كانوا في مرمى النيران لعدة سنوات، وعائلات كثيرة ضحت بأغلى ما لديها، وأنا أتعاطف مع الرغبة لعودة الجنود لبلدانهم. فالقضية من وجهة نظر تاريخية ومن خلفية عسكرية، أنه إذا لم يتم حل المشكلة، عليك العودة لحلها لاحقا بشكل مكلف أكثر للجميع”.

وأضاف “مرة أخرى، الولايات المتحدة في موقف مميز، فهي أكبر قوة في العالم، ومع ذلك تأتي المسؤولية الأخلاقية للمساعدة في تثبيت الاستقرار في العالم. لذا من خلفيتي العسكرية، وهذا رأيي الشخصي، أحيانا، عندما تخرج من حملة قبل نهايتها ستضطر إلى العودة ثانية لإصلاحها بعد خسارة التقدم الذي كنت قد حققته على الأرض، ومرة أخرى، إنه قرار أميركي، ولا يمكن لأحد لوم الأميركيين لأنهم يريدون عودة أحبائهم إلى ديارهم، ولكنهم سيعودون ثانية (إلى المنطقة) إذا لم نقم بحل المشاكل بشكل جذري وهنا تكمن المشكلة”.

وتابع “هذه حرب عالمية، ونحن جميعا سنستمر في خوضها إلى العقد المقبل، وكنت دائما بيني وبين نفسي أرجو أن يكون الجزء العسكري منها قصير الأمد، أما الجزء طويل الأمد فهو تغيير الفكر، وجزء من ذلك، كما قلتُ، هو الإنترنت واستخدامها لأغراض التجنيد، وفهم ماهية العدو”.
وقال جلالته “تأكدوا أن هناك جيلا شابا في منطقتنا يريد مواصلة حياته، سواء أكان أردنيا أو فلسطينيا أو إسرائيليا أو يمنيا أو إيرانيا، يريد أن يجد فرص عمل والاستقرار مع أسرة، والمضي قدما”.

وأضاف “حين نتطلع إلى النصف الممتلئء من الكأس، ندرك أن الناس تود المضي قدما بحياتها، ونحن أحيانا ننسى ذلك كثيرا”.

وقال الملك “لو سألت الإسرائيليين والفلسطينيين لو قدمنا لكم السلام، سيصوتون لذلك. آمِنوا بشعوبكم، فهم يريدون فعل الصواب ولكن أعطوهم الفرصة ليقوموا بذلك. وأنا لا أتحدث عن منطقتنا في الشرق الأوسط فحسب، هذا ينطبق على الجميع. امنحوا الشباب محبتكم واهتمامكم، فهم سيجعلون العالم مكانا أفضل إذا ما أعطيناهم الفرصة”.

وحضر الجلسة الحوارية وزير الخارجية وشؤون المغتربين، ومستشار جلالة الملك للاتصال والتنسيق، ومندوبة الأردن الدائمة لدى الأمم المتحدة، والسفيرة الأردنية في واشنطن.