مرايا – ربما كان أقل وطأة على العرب بأن تبقى القضية الفلسطينية وإيجاد حلول لصالح الأرض وأصحابها، معلقة، على أن يأتي يوم ويصبح تقسيم ما تبقى من الأرض المحتلة وطرد أهلها تهديدا يؤرق كل غيور على فلسطين التاريخية.
كانت فلسطين قبل إصابتها بسرطان الاحتلال الصهيوني بلدا عربية، يحدها: غربا وشرقا؛ نهر وبحر، وقبل العام 1947 رفض العرب قرارات تقسيم فلسطين، ليأتي عام النكبة 1948 الذي احتلت فيه العصابات الصهيونية كامل الأراضي الفلسطينية باستثناء الضفة الغربية وقطاع غزة.
ثم جاءت “نكسة 1967” واحتلت ذات العصابات باقي ما تبقى من فلسطين، ومنذ ذلك التاريخ تراوح القضية الفلسطينية مكانها وهو ما كان أهون على العرب، من الحقيبة التي حملها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفي داخلها خطة استيطان من نوع جديد لأراض فلسطينية تحت مسمى “صفقة القرن”. تحول تلك الخطة الدولة الفلسطينية “المزعومة” إلى “كانتونات مغلقة” تتحكم إسرائيل بكل مفاصلها وتفاصيلها، وتسمح لنفسها من خلالها بضم نحو 30 % من الضفة الغربية بما فيها أراضي غور الأردن (غربي النهر).
اليوم يجابه الأردن وأحرار الشعوب العربية خطة ترامب وهندستها، التي تخدم الاحتلال وتغتصب ما تبقى من فلسطين وحلم العودة إليها، وهو ما يؤكده محللون سياسيون في حديثهم لـ”الغد”، فوزير الدولة لشؤون الإعلام الأسبق سميح المعايطة يرى أن خطة ترامب أو ما هو متعارف عليها بـ”صفقة القرن” تعيد فتح أبواب الحديث عن التوطين والوطن البديل بما يستهدف الهوية الفلسطينية والهوية الأردنية أيضاً.
ويؤكد المعايطة على أن خطط الضم الإسرائيلية لمناطق من الضفة الغربية تترك أثرا مباشرا على مستقبل فكرة الدولة الفلسطينية لأنها تقوم بتقطيع بما تبقى من الأراضي الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية.
ويعني “عدم إقامة دولة فلسطينية على الأرض والتراب الوطني الفلسطيني، قتل فكرة السلام” كما يقول المعايطة، الذي يضيف “أي حديث عن سلام يجب أن ينتهي بمنح الفلسطينيين أبسط حقوقهم من خلال دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران”.
وتطرق المعايطة في حديثه إلى زاوية خطيرة أيضاً تتعلق بصفقة ترامب، حيث أنه وفي نفس الوقت يسيطر الطرف الإسرائيلي على الحدود مع الأردن ومنطقة الأغوار المشمولة بخطة الضم لإسرائيل، ما يعني أنها ستصبح جزءا من الكيان الصهيوني، مشددا على أن النقاش في هذا الأمر لا يكون بقرارات أحادية الجانب تلك التي تسير عليها إسرائيل وأميركا.
ويختم المعايطة بالتأكيد على أن ما يجري يعيد فتح أبواب الحديث عن التوطين والوطن البديل ومخططات تستهدف الهوية الوطنية الأردنية والهوية الوطنية الفلسطينية، وتستهدف فكرة استقرار الدولة الأردنية في علاقاتها مع الدولة الفلسطينية، وتفتح أبواب لمشاريع أخرى للاحتلال؛ مشاريع من مثل أن الأردن هو دولة للفلسطينيين و”لا يجب ان تسمح لهذه المشاريع بالتطبيق”.
أما المحلل السياسي الدكتور أحمد نوفل فيقول: إذا كانت نكبة الـ48 أضاعت جزءا من فلسطين فإن صفقة القرن ستؤدي إلى احتلال بقية الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية بحيث لن يتبقى سوى قطاع غزة غير محتل بشكل مباشر.
ويلفت إلى أن ذلك سيكون له انعكاس على الأردن وبالذات أراضي غور الأردن بمعنى أن إسرائيل ضربت بعرض الحائط لكثير مما ورد في اتفاقية “وادي عربة”، مضيفا أن “استراتيجية إسرائيل تقوم احتلال الأراضي الفلسطينية بالكامل ولا تريد السكان ما سينعكس أيضاً على الأردن، أي طرد الفلسطينيين من أراضي الضفة الغربية إلى الأردن، فإسرائيل تريد الأرض ولا تريد السكان”.
ويبين الدكتور نوفل أنه “طالما الأردن كان يقول أن الحل للقضية الفلسطينية يأتي بإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس وهو ما لا يتوافق مع سياسة نيتياهو اليوم، فضلا عن أن إسرائيل لا تريد أن يكون هناك تواصل جغرافي بين أراض في الضفة الغربية مع الأردن أي أراضي الأغوار، فأراضي الضفة الغربية كانت بمثابة حاجز لتواصل جغرافي بين الأردن وإسرائيل لكن الآن ستكون على تواصل دائم ما يعطيها حرية الحركة في الأردن”.
وفي المقابل، وبحسب ما يضيف نوفل، فالأردن لا يريد أن تكون له حدود مباشرة مع دولة نووية عدوانية، والأردن اليوم هو المتضرر الأكبر لصفقة القرن التي ستؤثر على سيادته على أراضي الغور، ناهيك عن تحدي قضية القدس والوصاية الهاشمية عليها التي لم تعد إسرائيل ترغب باستمرارها، فضلا عن تحد قضية اللاجئين التي هي أولوية أيضا لدى الأردن وخطر طرد الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية، وهناك وزراء في حكومة نيتنياهو يتحدثون بصراحة أن: الضفتين لنا”. (الغد)