مرايا – فوت نتنياهو موعده النهائي لضم أجزاء من الضفة الغربية في الأول من تموز (يوليو)، لكن إسرائيل ما تزال تحتفظ بخطط للضفة الغربية.
لم يكن من المرجح مطلقا أن تنفذ إسرائيل ضمها للأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية في الأول من تموز (يوليو)، كما افترض العديد من المراقبين. لم يكن ذلك التاريخ موعدا نهائيا بقدر ما كان بمثابة نافذة فتحتها الحكومة الإسرائيلية لتنفيذ الضم قبل أن يغادر الرئيس الأميركي دونالد ترامب منصبه.
ولسوء حظ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإن هذه النافذة قد تغلق في غضون أشهر، إذا استمرت اتجاهات الاقتراع الحالية وخسر ترامب الانتخابات الرئاسية المقبلة في تشرين الثاني (نوفمبر).
من المؤكد أن حقيقة عدم حدوث تحرك دراماتيكي في الأسبوعين الماضيين لا يشير إلى أن الضم لم يعد مطروحا. في واقع الأمر، بعد اجتماعات عقدت في إسرائيل مع مسؤولين أميركيين في الأسابيع الأخيرة، أشار مكتب نتنياهو إلى أن إعلان الولايات المتحدة بشأن الضم يمكن أن يأتي في غضون أيام.
ويعكس هذا التردد، وفقا لوسائل الإعلام الإسرائيلية، وجود انقسامات داخل الإدارة الأميركية -على الرغم من حقيقة أن ما تسمى بـ”خطة السلام في الشرق الأوسط”، التي تم الإعلان عنها في وقت سابق من العام، وافقت على قيام إسرائيل بضم ما يصل إلى ثلث الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة.
وبحسب ما ورد، كان جاريد كوشنر، صهر ترامب والمهندس الرئيسي لتلك الخطة، على خلاف مع ديفيد فريدمان، سفير الولايات المتحدة في إسرائيل، حول توقيت الضم وحجمه.
والرجلان كلاهما من أشد المؤيدين للمستوطنات. ولكن، في حين أن نتنياهو وقادة المستوطنين يسيطرون على دائرة المقربين من فريدمان، كان على كوشنر أن يزن الضغوط الأكبر. فهو بعد كل شيء الشخص الذي يتعامل مع الدعوات والنداءات القلقة التي تأتي من القادة العرب والأوروبيين بشأن الضم.
في غضون ذلك، يتركز اهتمام ترامب على مسائل ملحة أخرى، مثل كيفية وقف انخفاض خطير يحدث في شعبيته، بينما ينتشر الوباء جالبا عواقب كارثية محتملة على الاقتصاد الأميركي.
ومع ذلك، وفقا لتقرير نشر يوم الجمعة قبل الماضي في صحيفة “هآرتس” اليومية الإسرائيلية، فإن موقف نتنياهو وفريدمان ربما يكسب ببطء بعد تذليل الصعوبات. وبحسب ما ورد، فقد أصبح كوشنر أقل تفضيلا لدى ترامب بعد الخلافات الأخيرة حول مسائل السياسة الداخلية.
خدم الضم مسبقا احتياجات السيد نتنياهو الفورية. وكان بمثابة جزرة كبيرة حفزت قاعدته الانتخابية على الاستمرار في الخروج والظهور عند صناديق الاقتراع في ثلاث انتخابات غير حاسمة على مدار عام. كما صرف الانتباه عن محاكمته الحالية بتهمة الفساد، وكذلك عن فشله في الحفاظ على السيطرة على جائحة “كوفيد 19”.
وتكهن البعض بأنه قد لا يشعر بعد الآن بالحاجة إلى المضي قدما بالضم. فعلى الرغم من أن الضم يحظى بدعم العديد من الإسرائيليين، إلا أنه يحتل مرتبة منخفضة في قائمة أولوياتهم بينما يتعاملون مع الوباء والركود الاقتصادي.
ومع ذلك، سوف يكافح نتنياهو ويعاني كثيرا إذا ما أراد أن يتخلى عنه.
ويرجع ذلك جزئيا إلى أنه جعل منه شيئا كبيرا ومهما واستفاد منه كثيرا –إلى جانب علاقته الخاصة مع الرئيس ترامب- خلال الحملات الانتخابية. ولن يغفر له الكثير من اليمين إذا فشل في الاستفادة من فرصة تأتي لمرة واحدة في العمر لانتزاع سندات ملكية الأراضي الفلسطينية المحتلة بمباركة أميركية.
وبالإضافة إلى ذلك، لا ينبغي إغفال عامل غرور نتنياهو وخيلائه. وقد تكون هذه فرصته ليحجز مكانه في كتب التاريخ الإسرائيلية -ليس كأول رئيس وزراء إسرائيلي يحاكم أثناء وجوده في منصبه، وإنما باعتباره الزعيم الذي حصل على اعتراف بالمستوطنات وقتل أي فرصة لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.
لعل السؤال بالنسبة لنتنياهو هو مقدار التنازل الذي يسعى إلى انتزاعه من البيت الأبيض. وقد يعتمد الجواب على ما إذا كان من المحتمل أن يفوز ترامب بولاية رئاسية ثانية أم لا.
تشير تقارير وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن نتنياهو قد يوافق على الضم على مرحلتين. ومن هذا المنظور، ستضم إسرائيل بسرعة المستوطنات الأكبر حول القدس، على نحو يعزز خسارة الفلسطينيين لعاصمتهم المستقبلية.
وسوف يكون ذلك فعليا بمثابة استكمال لقرار ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس قبل عامين. كما أنه سيعمل جيدا مرة أخرى، كما هو مفترض، مع قاعدة ترامب من المسيحيين الإنجيليين الذين يعتمد على تصويتهم.
وقد تتبع بعد ذلك المستوطنات النائية وغور الأردن، ولكن ربما فقط إذا فاز ترامب في انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر)، عندما يستطيع أن يحمي نتنياهو من رد الفعل المحتمل.
وهناك مزايا -للحكومة الإسرائيلية- من تنفيذ ضم مرحلي.
كما أنه قد يخفف من خطر انهيار السلطة الفلسطينية، وهي المقاول الأمني الإسرائيلي في الضفة الغربية. ويقال أن الجيش الإسرائيلي قلق بشأن ما إذا كان يمكنه استيعاب عبء مراقبة مدن الضفة الغربية بشكل مباشر، خاصة إذا كانت في حالة هياج.
وسوف يسمح للأوروبيين بالتمسك لفترة أطول قليلاً بورقة التين التي تمثلها عملية سلام محتضرة، وهي عملية قدمت ذريعة لعدم اتخاذ إجراء ضد إسرائيل لفترة طويلة.
كان من الموحي والكاشف مشاهدة الحكومات الأوروبية، حتى حكومة بوريس جونسون في بريطانيا التي نعتنق مبدأ “اقطع الشوط وحدك”، وهي تعيد فجأة اكتشاف أهمية القانون الدولي عندما تواجه بالضم وبالموت الرسمي لحل الدولتين.
ولكن، سواء حصل السيد نتنياهو على ضمه -كله أو بعضه- فإن اليمين الإسرائيلي سيظهر مرة أخرى معززا وأكثر قوة في معركته ضد الحركة الوطنية الفلسطينية.
منذ أن تم توقيع اتفاقيات أوسلو قبل أكثر من ربع قرن، كان هناك تآكل مستمر في اللغة والمبادئ، على حساب القضية الفلسطينية.
في تلك الأيام، كان تركيز المجتمع الدولي ينصب على إنهاء الاحتلال وتفكيك المستوطنات الإسرائيلية وتطوير دولة فلسطينية في الأراضي التي تخليها إسرائيل. وخلال ولايته الأولى كرئيس للوزراء، في أواخر التسعينيات، اضطر نتنياهو إلى التنازل عن السيطرة على أجزاء صغيرة من الضفة الغربية للسلطة الفلسطينية.
بعد ذلك، تحول الجدل إلى بحث أين يجب رسم حدود الدولة المستقبلية، وأي “الكتل” الاستيطانية هي التي لا يمكن الاستغناء عنها بحيث لا يُتوقع من إسرائيل أن تتخلى عنها.
الآن، ثمة تحول مفاهيمي يحدث مرة أخرى. وتدور المحادثات الدبلوماسية حول كيفية إيقاف الضم، أو على الأقل تلك الأجزاء من الضم التي لا يمكن السماح لها بأن تمضي قدما.
لم يعد الاحتلال والمستوطنات -والخسائر الفادحة التي ألحقها بأرواح الفلسطينيين- هي الخط الأحمر بالنسبة للمجتمع الدولي. لكن الضم هو الذي أصبح كذلك.
والآن، بينما يحاول المراقبون الدوليون وقف ضم إسرائيل الرسمي للضفة الغربية، فإنهم يديرون أنظارهم مرة أخرى عن السرقات المتواصلة والمتزايدة للأراضي الفلسطينية وعمليات ترحيل الفلسطينيين التي تحدث بشكل يومي.
هذا النوع من الضم المادي الملموس -الذي يقضي ببطء على آمال الفلسطينيين في نيل الكرامة وتقرير المصير- سوف يستمر بزخمه وإيقاعه مهما يكن ما يقرره الرئيس ترامب خلال الأيام القادمة.الغد- بتصرف
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
جوناثان كوك – (ذا ناشيونال) 6/7/2020
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: The annexation conversation is far from over
*صحفي حر مقيم في مدينة الناصرة.