يدلي الأميركيون الثلاثاء بأصواتهم وسط انقسام حاد غير مسبوق  للاختيار بين المرشح الديموقراطي جو بايدن ودونالد ترامب اللذين يعدانهم برؤيتين على طرفي نقيض.

وتستعد البلاد لليلة طويلة من ترقب النتائج بعد مشاركة يرجح أن تكون عالية جدا.

وفي ختام ولاية رئاسية من أربع سنوات خارجة عن المعايير السائدة وحملة انتخابية طغى عليها وباء كوفيد-19، أدلى أكثر من مليون ناخب بأصواتهم بشكل مبكر في الأسابيع الأخيرة قبل موعد الانتخابات الثلاثاء لتجنب الوقوف في طوابير في ظل تفشي فيروس كورونا المستجد ما يدل إلى احتمال تسجيل مشاركة قياسية.

ويشكل هذا العدد 73 % من المقترعين في 2016 في انتخابات تكاد تكون استفتاء على أكثر رؤساء الولايات المتحدة المعاصرين خروجا عن المألوف.

ومع أن الوباء ألقى بظلال كبيرة على أداء إدارته، أكد الرئيس الجمهوري صباح الثلاثاء أن لديه شعورا جيدا بشأن فرصه في الفوز. وقال ترامب لمحطة “فوكس نيوز” خلال مقابلة عبر الهاتف “لدينا شعور جيد للغاية”.

وفي وقت لاحق، صرح خلال تفقده للمقر العام للحملة الجمهورية في إحدى ضواحي واشنطن “إنها اللعبة السياسية، ونحن إزاء انتخابات ولا شيء أكيدا”.

وكان المرشح الجمهوري البالغ 74 عاما احتل المنصات وكثف تنقلاته الانتخابية في الأيام الأخيرة مراهنا على حماسة أنصاره الذين يعيشون تعبئة قصوى جراء حملة انتخابية اتسمت بحدة غير مسبوقة، لكي يسجلوا مفأجاة كما سبق وفعلوا العام 2016.  

ويعول بايدن (77 عاما) الذي تمنحه نتائج استطلاعات الرأي الفوز منذ أشهر، على النفور الذي يثيره خصمه في صفوف جزء كبير من الناخبين، ليحقق “فوزا واسعا” ويدخل البيت الأبيض رئيسا بعدما شغل منصب نائب الرئيس في عهد باراك أوباما.

وقال عبر مكبر للصوت الثلاثاء أمام مجموعة صغيرة من انصاره في مسقطه سكرانتون في ولاية بنسلفانيا الحاسمة “أريد أن أعيد للبيت الأبيض كرامته”.

وتوجه بعد ذلك إلى المنزل الذي أمضى فيه طفولته حيث ترك الرسالة التالية “من هذا البيت إلى البيت الأبيض بإذن الله”.

– “أريد التخلص من ترامب” –

وتقاطر الأميركيون في كل أرجاء البلاد إلى مراكز الاقتراع تحدوهم دوافع متناقضة.

قالت فيرونيكا كاسترو وهي مدرسة تبلغ السابعة والثلاثين التقتها وكالة فرانس في مركز اقتراع في أيستون في بنسلفانيا “أريد التخلص من ترامب. فلا مجال لأن نمضي أربع سنوات إضافية معه!”

في المقابل صوتت كلارا خيمينس الأميركية من أصول كوبية بفخر لدونالد ترامب في ميامي مؤكدة “نحتاج الى رئيسا قوي يدافع عن بلاده ويحبها”.

ويخشى الناخبون أينما تواجدوا من تصرف المعسكر الخصم.

وقالت ميغن بيرنز-بورديران  (35 عاما) المقيمة في نيويورك والداعمة للديموقراطيين “سيبذل ترامب كل ما في وسعه للفوز وهذا أمر مخيف”.

ويؤكد ترامب منذ أشهر من دون أن يوفر أي دليل، أن التصويت عبر البريد سيؤدي إلى عمليات تزوير كثيفة ويلمح إلى احتمال خوض معركة قضائية بعد الانتخابات..

لكنه سعى إلى الطمأنة الثلاثاء مؤكدا أنه لن يعلن انتصاره قبل صدور النتائج الرسمية خلافا لتكهنات وسائل إعلام أميركية.

وأضاف أن من حق الأميركيين أن يعرفوا النتائج “في يوم الاقتراع” مشددا على أن “العالم بأسره ينتظر”.

وقد يؤدي التصويت عبر البريد، إلى تأخير في فرز البطاقات لأن ولايات عدة تسمح بفزر الأصوات الواردة بعد أيام على موعد الاقتراع ما قد يؤخر حتى إعلان الفائز في حال كانت النتائج متقاربة جدا.

وفي مؤشر ملموس إلى القلق الناجم عن الاقتراع، حصنت متاجر عدة في مدن كبيرة منها واشنطن ولوس انجليس ونيويورك واجهاتها تحسبا لإعمال عنف قد تلي الانتخابات.

 

– “الولايات المتحدة أولا” –

وطوال الحملة الانتخابية، عكست الولايات المتحدة صورة بلد منقسم إلى معسكرين متخاصمين انقطعت سبل التواصل بينهما.

فعلى مدى أشهر، لوح دونالد ترامب بخطر وصول “يسار راديكالي” إلى السلطة عازم على تحويل أكبر اقتصاد في العالم إلى “فنزويلا على نطاق واسع”. وقال الثلاثاء لمحطة “فوكس نيوز”، “في حال فوزهم سيتغير بلدنا إلى غير رجعة”.

ويكثف الديمقراطيون وفي مقدمهم جو بايدن وباراك أوباما، تحذيراتهم من العواقب التي قد تكون مدمرة للمؤسسات الديموقراطية في حال فوز ترامب بولاية ثانية.

والمرشحان للانتخابات على طرفي نقيض. 

فمن جهة المرشح الجمهوري ملياردير من نيويورك وقطب عقارات سابق انتقل من تقديم برنامج لتلفزيون الواقع ليقتحم المعترك السياسي برسالة شعبوية تقوم على أساس “أميركا أولا” ولا يزال يصر على أنه “دخيل” على السياسة رغم أنه أمضى اربع سنوات في البيت الابيض.

ومن جهة أخرى المرشح الديموقراطي بايدن مخضرم في السياسة متحدر من الطبقة الوسطى. وقد أمضى 36 عاما عضوا في مجلس الشيوخ وثماني سنوات نائبا لأوباما، وهو يعد ببلسمة جراح البلاد اذا فاز في “المعركة من أجل روح الولايات المتحدة”.

وقد فرض بايدن المعتدل نفسه في الانتخابات التمهيدية لحزبه مع رسالة بسيطة تقوم على إلحاق الهزيمة بدونالد ترامب الذي اعتبره “أسوأ رئيس “في تاريخ الولايات المتحدة. وطوال الحملة الانتخابية، جعل من الاقتراع استفتاء على إدارة الرئيس الجمهوري لوباء كوفيد-19.

وقد طاردت الأزمة الصحية هذه، الرئيس الذي سعى دائما إلى التخفيف من أهميتها وصولا إلى إصابته بالفيروس ودخوله المستشفى مطلع تشرين الأول/أكتوبر. وقد خرج بعدها ليقول “لقد شفيت وأصبح لدي مناعة”.

– ولايات حاسمة –

وتفيد استطلاعات الرأي  أن الرئيس قد يخسر التصويت الشعبي إلا أن فرصه بالفوز ليست معدومة.

ومن أجل الفوز، يجب أن يحصل المرشح على غالبية أصوات كبار الناخبين والبالغة 270 من اصل 538 والتي تمنح بشكل نسبي على مستوى الولايات.

وتضطلع ولايات تشهد منافسة محتدمة بين المرشحين، تاليا بدور رئيسي.

وستتجه كل الأنظار مساء الثلاثاء بداية  الى فلوريدا، إحدى الولايات الحاسمة في الانتخابات. وبدون الفوز بهذه الولاية التي سبق أن كسبها العام 2016، ستكون المهمة شبه مستحيلة أمام دونالد ترامب للبقاء في البيت الابيض.

في المقابل، في حال فاز في فلوريدا حيث المنافسة محتدمة جدا مع بايدن في استطلاعات الرأي، سينصب الاهتمام على بنسلفانيا مسقط رأس المرشح الديموقراطي. وتظهر استطلاعات الرأي فيها تقدما لنائب الرئيس السابق لكن بفارق قريب من هامش الخطأ.

وثمة ترقب كبير لنتائج المرشحين إلى الكونغرس إذ إن هامش تحرك الرئيس المقبل رهن بالغالبية في مجلسي النواب والشيوخ.

 

 

انقسام

توجّه الأميركي كريستوفر دورديلين وهو يعتمر قبعة كحلية ويضع كمامة بإحكام، إلى صندوق الاقتراع الثلاثاء ليُدلي بصوته في إيستن في بنسلفانيا، إحدى الولايات الحاسمة في الانتخابات الرئاسية الأميركية.

ويقول كريستوفر طالب الحقوق البالغ 38 عاماً، “أعتقد أن النتائج متقاربة جداً. رأيت عدداً لا بأس به من أنصار (الرئيس الجمهوري دونالد) ترامب. وقلت في نفسي أن صوتي يمكن أن يُحدث فرقاً”.

على غراره، تحدّت كلير دانغيلو (45 عاماً) البرد القارس في تشرين الثاني/نوفمبر للإدلاء بصوتها لصالح المرشح الديموقراطي جو بايدن.

وتقول كلير من أمام مركز الاقتراع حيث يقف الناخبون في طابور منذ الساعة السابعة صباحاً، “القول إنني متوترة أو قلقة بشأن (الانتخابات) هو تعبير ملطّف”.

وتضيف كلير التي تعمل في قطاع المطاعم “أدرك أن بنسلفانيا لطالما كانت ولاية رئيسية في الانتخابات”. وتابعت “آمل فقط أن يأتي الناس ليصوتوا اليوم ولإسماع أصواتهم وما يريدونه لأولادهم ومستقبلهم”.

وفي مؤشر الى أهمية هذه الولاية، اختار المرشح الديمقراطي جو بايدن زيارتها في اليوم الانتخابي، خصوصاً مسقطه سكرانتون. ويتقدم المرشح بـ1,2 نقطة على ترامب في هذه الولاية الواقعة في شمال شرق البلاد التي فاز فيها ترامب بفارق ضئيل جداً عام 2016.

يؤكد توم جونز (68 عاماً) الذي يضع حول عنقه وشاحاً أحمر، اللون الذي يرمز إلى الحزب الجمهوري، “أعتقد أن ترامب سيفوز بفارق أكبر من المرة الماضية”.

ويضيف توم وهو من أنصار ترامب، أن “بايدن قام بحملة ضعيفة جداً. والتجمعات الانتخابية في أنحاء بنسلفانيا تتحدث عن نفسها”.

– “ليكن الله بعوننا” –

يظهر التوتر بوضوح أيضاً في نيويورك حيث وقف جيس في طابور لمدة 45 دقيقة للوصول إلى صندوق الاقتراع.

ويقول ابن ال54 عاماً “أنتظر منذ ثلاث أو أربع سنوات” هذا اليوم مضيفاً “أريد أن ينتهي هذا الكابوس. أنا متوتر. أشعر بالقلق. وحده الله يعرف ماذا سيحصل اليوم. ليكن الله بعوننا”.

ببهجة أكثر، تقول ميغان برنز-بوديران إنها تشعر بأن “صوتها سيؤثر” في نيويورك، الولاية الديموقراطية تقليدياً، رغم أنها تعتقد أن “ترامب سيفعل كل ما بوسعه لمحاولة الفوز في الانتخابات”.

وتتابع المرأة الثلاثينية التي جاءت إلى مركز الاقتراع برفقة ابنها، “هذا ما يثير الخوف”.

– “هل سيصوت أحد لبايدن؟” –

في فلوريدا، وهي أيضاً ولاية رئيسية، تتفاخر كلارا غيمينيز بأنها صوّتت لترامب.

وتقول الأميركية الكوبية (49 عاماً) التي وصلت إلى الولايات المتحدة في ثمانينات القرن الماضي، “هل سيصوت أحد لبايدن؟”.

وتؤكد كلارا وهي تعتمر قبعةً زهرية كُتب عليها شعار الملياردير الشهير “لنجعل أميركا عظيمة مجددا”، أنه “لسنا بحاجة إلى رئيس لطيف، نحن نحتاج إلى رئيس مثله (يحكم) بقبضة ويدافع عن بلده ويحميه”.

ويقول خوسيه بيريز البالغ 63 عاماً في كيسمي في جنوب أورلاندو في قلب فلوريدا، لفرانس برس “لقد صوّتُّ للجمهوريين كل حياتي. لكنني وعائلتي أصبحنا نصوّت للديموقراطيين بسبب ترامب”.

على غرار كثير من الأميركيين المتحدرين من بورتو ريكو، لا يسامح خوسيه الرئيس على إدارته للإعصار ماريا عام 2017.

وإذا كانت مراكز الاقتراع بدت صباح الثلاثاء غير مكتظة في فلوريدا، فإن ذلك يعود على الأرجح إلى أن ملايين الناخبين صوّتوا بشكل مسبق في هذه الولاية الواقعة في جنوب شرق الولايات المتحدة. وستكون فلوريدا التي يمثلها 29 من كبار الناخبين في الهيئة الناخبة، حاسمةً للفوز في السباق إلى البيت الأبيض.