“قيادة الاحتلال أمام اختبار حقيقي وقرار الضربة الصاروخية التي أعددناها لتغطي كل فلسطين من حيفا حتى رامون، على الطاولة حتى 2 فجرا”، بهذه الجملة المقتضبة اختتمت المقاومة معركة “سيف القدس”.
هذا التهديد الذي جاء على لسان الناطق باسم كتائب القسام “أبو عبيدة” نيابة عن الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة كشف عن مدى نجاح المقاومة في إدارة المعركة حتى اللحظة الأخيرة.
وقطع أبو عبيدة في تصريحه هذا على رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الطريق لتنفيذ ضربات في الساعة الأخيرة، وجعَل يد المقاومة هي العليا.
لكنه توج أيضًا نجاحا للمقاومة على الصعد كافة في مواجهة الاحتلال بهذه المعركة التي جاءت انتصارا للقدس وأهالي حي الشيخ جراح.
وانتهت معركة “سيف القدس” في ساعة مبكرة فجر أمس الجمعة بعد 11 يومًا من الضربات المتبادلة بين المقاومة وجيش الاحتلال.
وأظهرت المقاومة في هذه المعركة، وبحسب إعلانها، “جزءا” مما راكمته على مدار 7 أعوام منذ انتهاء حرب 2014 على قطاع غزة.
وشاهد الفلسطينيون بأعينهم التطور الكبير الذي وصلت إليه المقاومة في معركة “سيف القدس” مقارنة بحرب 2014، رغم أن المقاومة أبدعت في معركة “العصف المأكول”، وحققت ضربات موجعة للاحتلال بإيقاع عشرات القتلى ومئات المصابين في صفوفه خاصة من الضباط والجنود.
وكانت حرب 2014 معركة جوية وبحرية وبرية على قطاع غزة، استخدم فيها الاحتلال كافة صنوف أسلحته.
غير أن المقاومة نجحت في تلك الحرب بقتل نحو 80 ضابطا وجنديا ومستوطنا، معظمهم خلال المعارك التي دارت بالتوغل البري على تخوم قطاع غزة.
فيما تعتبر معركة “سيف القدس” من الناحية الإسرائيلية جوية فقط، فيما ميزتها المقاومة بالضربات الصاروخية “الموجعة”.
وبمجرد انتهاء المعركة الأخيرة توالت الاعترافات الإسرائيلية بالقدرات الصاروخية للمقاومة.
وكان آخرها ما ورد على لسان رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) السابق يورام كوهين بقوله إنه “من الصعب عليّ أن أقول إننا انتصرنا”.
وأضاف كوهين أمس الجمعة “حمـاس حققت إنجازا كبيرا في إطلاقها قذائف صاروخية مكثفة علينا بشكل مستمر ولفترة طويلة”.
إدارة النيران
وكان آخر ما ميز معركة “سيف القدس” إدارة النيران من المقاومة في قصف القواعد والمواقع العسكرية والمدن الإسرائيلية.
وعمدت المقاومة إلى إطلاق رشقات صاروخية متزامنة على المنطقة المستهدفة.
وبحسب الإحصائيات الإسرائيلية فإن المقاومة أطلقت خلال حرب 2014 التي استمرت 51 يوما متواصلة نحو 4700 صاروخ وقذيفة.
في حين أطلقت في معركة “سيف القدس” التي استمرت 11 يوما نحو 4400 صاروخا وقذيفة.
ويظهر هذا حجم التطور العددي في أعداد الصواريخ التي باتت تمتلكها المقاومة ونجحت في مراكمتها على مدار السنوات السبع الماضية.
عسقلان
ونالت مدينة عسقلان التي تبعد عن قطاع غزة نحو 20 كيلومترا نصيب الأسد من الضربات الصاروخية.
وضربت رشقات صاروخية مكثفة هذه المدينة، حيث وصلت أعداد الصواريخ في إحدى الرشقات إلى 90 صاروخا، بحسب ما أعلنت كتائب القسام.
وقدر المحلل العسكري في صحيفة “معاريف” العبرية بن كاسبيت أن تكون حركة “حماس قادرة على ضرب تل أبيب بنفس الحدة التي سحقت بها عسقلان”.
ولفت بن كاسبين إلى أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو أنهى الجولة الأخيرة دون تغيير في قواعد اللعبة مع غزة.
وعمدت المقاومة على إطلاق عشرات الصواريخ في رشقاتها الصاروخية، ونجحت في ذلك بالتغلب على منظومة “القبة الحديدية” المضادة للصواريخ.
وكشفت كتائب القسام في بداية المعركة عن اعتمادها تكتيكا خاصا للتغلب على المنظومة التي عولت “إسرائيل” عليها كثيرا لإحباط الهجمات الصاروخية للمقاومة.
وبخلاف حرب 2014، ضربت مئات الصواريخ مناطق مأهولة في الكيان الإسرائيلي فقتلت وأصابت مئات الإسرائيليين وأوقعت أضرارا جسيمة.
وفي إحصائية أولية لموقع “كالكالست” الاقتصادي العبري عن الأضرار “المدنية فقط” جــــراء إطلاق الصواريخ من غزة خلال جولة القتال الأخيرة، كشف عن تسجيل 5300 تقرير أضرار.
وأوضح الموقع أن منها “تضرر 3400 مبنى بشكل كلي أو جزئي و1700 مركبة”، إضافة إلى المئات من المعدات الأخرى والمساحات الزراعية وغيرها”.
وبيّن أن هناك 2300 من تقارير الأضرار في منطقة تل أبيب ومحيطها، و2600 في مدن الجنوب.
وتوقع أن تتضاعف في الأيام المقبلة بعد عودة سكان مستوطنات الغلاف والجنوب إلى مناطقهم التي هربوا منها والإبلاغ عن حجم الأضرار لديهم.
تل أبيب مقابل أبراج غزة
وخلال المعركة الأخيرة حافظت المقاومة على قصف العمق الإسرائيلي خاصة منطقة (تل أبيب الكبرى) وسط الكيان بمئات الصواريخ برشقات ثقيلة.
وجعلت ضرب هذه المنطقة التي تعتبر الثقل السكاني والاقتصادي للكيان مقابل ضرب الأبراج السكنية في قطاع غزة.
واعتمدت كتائب القسام التي تولت هذه المنطقة بصواريخ من طرازات مختلفة محلية الصنع في إمطار المدينة ومحطيها برشقات صاروخية يتجاوز عدد صواريخها المئة.
طائرات مسيرة انتحارية
وشهدت معركة “سيف القدس” ولأول مرة بتاريخ المقاومة تنفيذ عمليات بواسطة طائرات مسيرة انتحارية.
وأعلنت كتائب القسام عن مهاجمة مواقع وتحشدات عسكرية إسرائيلية بهذه الطائرة التي كشفت عن اسمها، وهو “شهاب”.
فيما اقتصرت مهام الطائرات المسيرة التي كانت تمتلكها المقاومة في حرب 2014 على تنفيذ عمليات رصد واستطلاع.
ورغم أن أداء المقاومة كشف عن تطوّر استراتيجيتها وتكتيكاتها وأسلحتها خلال المعركة، إلا أن التهديد الذي طوت فيه المقاومة صفحة المعركة يُنبئ بأن لديها المزيد.