عبور اللحظة بجناحي الاصلاح والمحاسبة
ثلاثة اضلاع رئيسة تدفع اليوم ثمن اختباء السياسي خلف الملك, والالتفاف على برامجه في الاصلاح والحداثة والعصرنة, وعدم الوصول الى دولة المؤسسات والقانون, الاجهزة الامنية بأقانيمها الثلاث, مجلس النواب ومؤسسات الاعلام الوطني والعاملين بها, بعد ان ادخلهم السياسي بالتفافه على امال وطموح الاردنيين بالحياة الفُضلى والبناء المؤسساتي لاجهزة الدولة على قاعدة الكفاءة والنزاهة والمساواة, منذ عقود ثلاثة في شبه مواجهة مع اطياف مجتمعية غاضبة واطياف انتهازية من فئة سياسية تتاجر بالاوجاع الصادقة لكثير من الاردنيين وتيارات سياسية تسعى الى زيادة رصيدها الشعبي ليس على قاعدة برامجية بل باستثمار لحظة وطنية صعبة وصمود اسطوري اقرب الى النصر للمقاومة في فلسطين.
فالاجهزة الامنية تقف اليوم على قدم وساق لتنفيذ القانون وإعماله من اجل حماية المؤسسات والممتلكات وضبط الحياة العامة ومنع الصدام بين المواطنين,متحملة جهدا مضافا على جهدها المبذول لحماية الحدود والتصدي لمحاولات استثمار جهات خارجية راغبة وطامحة في تحويل الاردن كله الى ساحة اشتعال, بعد المواقف الاردنية النبيلة والحازمة حيال مشاريع تصفية للقضية الفلسطينية وفي مواجهة اطماع اقليمية تريد اضافة الاردن الى اوراق قوتها وهيمنتها.
ثاني الاضلاع هو مجلس النواب, الذي دافع عن ذاته بوصفه اول مرتكز للحكم في الدستور وتصدى لاساءات بليغة طالت المرتكز الثاني للحكم في الدستور, وهو مرتكز يحظى باجماع الاردنيين كافة, فالعرش خط احمر, والملك عنوان الحكم وضمانة الشعب, ولا يجوز التغبير عليه فكيف بالتمادي حدّ الاغتيال المعلن, في سابقة لم يعهدها الاردنيون في بلدهم او على اي السنة من السنتهم اعتادت صون الوطن وحماية العرش, في متلازمة اردنية خالصة حيرت الاقليم والمتابعين.
ثالث الاضلاع هو الاعلام الاردني, الذي يقف اليوم بين فكي كماشة, اولاهما ان اللحظة مختلطة وملتبسة, فهو مغيب منذ سنين وغير مدرج على قائمة الشراكة مع السلطة, مما اورثه غيابا ونقدا مستحقا في الكثير من جوانبه, لكنه الآن في لحظة وطنية صعبة لا يملك الا ان يكون في خندق الوطن والملك, ويقفز نسبيا عن خطايا السلطة التي اوصلتنا الى هذه اللحظة, فالاشتباك مع العقول الغاضبة والاوجاع الصادقة والانتهازية الحاضرة بكثافة, تجمّعت على طاولته دفعة واحدة, وهو مكبل بأغلال الظروف الضاغطة على لقمة عيشه اسوة بكل الاردنيين.
اضلاع المثلث السابقة تقف اليوم في مجابهة صنعتها ايدي السياسيين, الذي راكموا الاخطاء حتى تحولت الى خطايا وراكموا الاوجاع حتى تحولت الى صداع مزمن, وراكموا التهميش والتطنيش وعدم المجابهة والمواجهة حتى ظن الجميع اننا امام حالة انسداد سياسي لا مخرج لها, فنحن امام حالة تحتاج الى خطوات جريئة وسريعة نحو افاق اصلاح شامل, لكنه سياسي بامتياز, فطابور الوقوف على صناديق الاقتراع هو الحل الامثل للتخلص من الوقوف على طوابير البطالة وطوابير رغيف الخبز.
بقي ركن اجتماعي يتلقى السهام من خصوم يدركون حجم قيمته واثره في الحياة الاردنية, واعني العشيرة التي باتت مشجبا لكل علل الدولة وهي من ذلك بريئة براءة الذئب من دم ابن يعقوب, فالعشيرة كانت اول بناء اجتماعي كفل السلم الاهلي وأثرى المجتمع بقيم وتقاليد وعادات كريمة ونبيلة, لكن السياسي الخائر القوى والمرتجف من الاصلاح السياسي والحقيقي أدخلها في دوامة المواجهة, حين دفع بقوانين انتخاب لا تفرز الا نوابا بمواصفات تعتمد على الدائرة الضيقة, وتمنع التحالفات الاجتماعية قبل السياسية, قافزا بأنها اول اطار دافع عن الدولة والثورة , وتم القفز بقصد غير بريء عن محاولات تمزيق العشيرة الواحدة بقعل قوانين الانتخاب المجحفة, والقفز اكثر عن عدم انتاج حواضن سياسية ومدنية تحقق طومح ابناء العشائر بالذين نجحوا في كل صنوف العلم والعمل والابداع.
صحيح اننا في لحظة قلق وطني, لكنها عابرة, اذا ادركنا جميعا اننا نمر عباب مؤامرة ضخمة, تسعى الى تكسير مجدافنا الوطني, مدعومة تلك المؤامرة بتقصير مقصرين كثر دخلوا في السلطة, ولا تنجح مؤامرة خارجية الا بتقصير مقصر داخليو لذلك وجب الاسراع بالاصلاح والمحاسبة.
– محرر الشؤون السياسية -الأنباط