لم تأب دبلوماسية الدولة الأردنية الصلبة بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني إلا أن تبقى بوصلة ملفات الساحة الإقليمية والدولية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
لا جديد في التحديات والأزمات التي تواجه المملكة على إثر مواقفها الثابتة سوى اختلاف شخصيات المؤامرة والضغوط على الأردن في رسم الأحداث التي مرت على الدولة الأردنية الراسخة بثوابت قومية كالجبال لا تتزحزح بحماية العرين الهاشمي جلالة الملك.
لكن ما شهدته المملكة من عقبات تهدد أمنها واستقرارها لم يحدث من قبل، بدعم كبير من الإدارة الأميركية السابقة ورئيس حكومة تصريف الأعمال الصهيونية بنيامين نتنياهو، وفق المؤشرات والقراءات الأولية؛ إذ إن المشهد يحوي الكثير من الدخان بدأ يتبدد شيئا فشيئا مع مرور الوقت لتنكشف ملامح فتنة وأدها جلالة الملك بحنكة، وفق تقارير إعلامية.
ليطل علينا بالأمس الكاتب الأميركي المخضرم ديفيد إغناشيوس بمقالة في صحيفة واشنطن بوست المعروفة بقربها من صناع القرار الأميركي يجسد فيه صبر قيادة الأردن إزاء الضغوط الصارخة محليا ودوليا.
ويقول إغناشيوس، في خضم تحليله المستند لمعلومات استخباراتية، أن حلم الرئيس السابق للولايات المتحدة دونالد ترامب بتنفيذ “صفقة القرن” تبدد بسبب “رفض ملك الأردن عبدالله الثاني الامتثال للضغوطات أو تقديم تنازلات بما يخص مكانة القدس أو الأمور الأخرى التي تؤثر على الفلسطينيين. وكان ثمن مقاومته للصفقة هزات تعرضت لها المملكة على مدار السنوات القليلة الماضية”، وفق واشنطن بوست.
ونقل الكاتب عن مسؤول رفيع سابق في وكالة الاستخبارات الأميركية (سي. آي. إيه) قوله: “أصبح واضحا لدى ترامب أن الملك يشكل عائقا أمام عملية السلام”.
وأشار الكاتب إلى تصريحات الملك خلال زيارة له إلى الزرقاء في 21 آذار، حين قال: “عمري ما رح أغير موقفي بالنسبة للقدس، بغض النظر شو بيحكوا ناس ثانيين. عنا واجب تاريخي بالنسبة للقدس والمقدسات. في ضغط علي من الخارج؟ في ضغط علي. لكن بالنسبة إلي هذا خط أحمر”.
ويتفق المتحدثون على خطورة الأوضاع في المملكة لو مرت حادثة الفتنة وصفقة القرن، مؤكدين أنها تمس آمن واستقرار الأردن.
المؤامرات على الأردن لم تكن رسائل
ويعتقد وزير الإعلام الأسبق سميح المعايطة أن المؤامرات والضغوط التي واجهت الأردن لم تكن عادية، وإنما جادة بشكل كبير بيد أن الهدف منها لم يكن لإرسال رسائل بل لتغيير بنية النظام في الأردن في إشارة منه لتأكيد جلالة الملك “مؤامرة كانت تحاك لإضعاف الدولة الأردنية والقضية الفلسطينية”.
ولم يكتفِ المعايطة بذلك بل أكد أن الإدارة الأميركية السابقة كانت ترى نفسها الأقدر على تحقيق خطوات على الأرض في النزاع الفلسطيني الصهيوني لصالح الأخير بغض النظر عن التحذيرات الأردنية والرفض القاطع لجلالة الملك تجسيدا للّاءات الثلاث “كلا للتوطين، كلا للوطن البديل، والقدس خط أحمر”.
ولم يخفِ توقعاته في حال قدّر للمؤامرات التي تحاك ضد الأردن المضي قدما، بأن العواقب لا تخص الدولة الأردنية وحدها بل تخص المنطقة بأسرها التي ستدخل بحالة من عدم الاستقرار؛ إذ إن استقرار الأردن جزء من ضمانات استقرار المنطقة الذي يتسم بالفكر المعتدل والوسطي.
وذهب المعايطة إلى أنه بالرغم من تلك الضغوط والعقبات الكبيرة إلا أن الأردن لم يكن أمامه، كما اعتاد دوما، سوى الانسجام مع مواقفه التاريخية ومصالحه القومية.
الدولة الأردنية أثبتت، بحسب المعايطة، أنها تمتلك مؤسسات تقوم بواجبها بشكل كامل كالقوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية التي تملك قيادة سياسية مدركة لتبعات المؤامرات التي تحاك، ما دعا الأردنيين إلى الفخر بسبب المواقف الثابتة للمملكة وإن دفع الأردن ثمنا لمحاولة إضعافه.
وأكد أن المؤامرة انتهت بقوة الدولة وتجنب الآثار السلبية، ولكن التاريخ لن يرحم إذا كان الأردن متخاذلا بحق نفسه وقضايا أمته حيث سيكون الأمر قاسيا على مدار التاريخ.
وأجاب المعايطة، على استفسار “هلا أخبار”، بشأن تأثير حادثة الفتنة على الأردنيين بأن البعض ذهب لاستخدام ورقة الملف الاقتصادي الصعب خلال الجائحة وما قبلها غير أن الأردنيين التفوا خلف دولتهم؛ لذا لم يكن التأثير كبيرا.
فيما جدد التأكيد على أن جلالة الملك عبد الله الثاني تعرض للصدمة من التفاصيل والأحداث والشخوص في حادثة الفتنة لكنه تعامل بحكمة وعمد إلى احتواء الملف بشكل أساسي فيما يخص سمو الأمير حمزة داخل العائلة، ما فوت الكثير من الفرص لمن يحمل في قلبه الشر للمملكة، منوها بأن الشعب الأردني معتاد على قدرة الدولة باحتواء الأزمات الكبيرة وامتصاص آثارها شيئا فشيئا.
ويضيف أن الأردن بعد المؤامرات يتوجب عليه الالتفات للإصلاح الإداري والاقتصادي وحل مشاكل المواطنين، وأن يذهب إلى الإصلاح السياسي بشكل يرضي الأردنيين حتى تفوت الفرصة على كل مستغل بدافع التحريض على الدولة، موضحا أن على الدولة العمل بشكل أكبر عبر الاقتراب إلى مشاكل الشارع أكثر؛ كون ذلك المسار يواجه عمليات التشكيك والتحريض أو أي جهد سلبي.
وعاد المعايطة إلى التأكيد أن مواقف الأردن الثابتة ضد خطة ترامب ساندت السلطة الفلسطينية في الصمود لرفض الخطة، لافتا إلى أن المملكة رفضت عدة مقترحات ترمي إلى دفن حق العودة ودفن فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة وإيجاد خارطة جديدة للقضية الفلسطينية.
ويشير إلى أن التاريخ يسجل لقيادة الدولة والشعب الأردني على هذا الموقف الهام والفاصل؛ إذ إن الأردن لو رضخ للضغوط وقبل بها لكانت القضية الفلسطينية بوضع أسوأ بكثير مما هي عليه الآن.
وختم، “نجاح صفقة القرن إلى نهايتها يعني تصفية القضية الفلسطينية، والأردن وقف بوجه هذه التصفية”، مشيرا إلى أنه كان يطلب من الأردن ضم الضفة الغربية وإفشال فكرة الدولة الفلسطينية وإقامة كونفدرالية على حساب الخط الفلسطيني وعلى حساب الهوية الوطنية الأردنية؛ لذلك كان هنالك نوعا من الغضب على الأردن عبر مؤامرات “التي بحمد الله تم إفشالها”.
الأردن دفع الضريبة بسبب موقفه
وذهب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب ميرزا بولاد إلى أن الأردن دفع ضريبة كبيرة بسبب مواقفه الصلبة في القضية الفلسطينية ومنها حادثة الفتنة، معتقدا أن الإدارة الأميركية السابقة بقيادة دونالد ترامب كان لها مصلحة في تأجيج الأوضاع الداخلية في الأردن غير أن صلابة مواقف جلالة الملك وقوة الأجهزة الأمنية ووعي الشعب الأردني أبطلت كافة المؤامرات.
وعزا بولاد مصلحة الإدارة الأميركية في تأجيج الأوضاع في المملكة إلى أن جلالة الملك الوحيد الذي قال لخطة ترامب “لا” لمصلحة بلده والقضية الفلسطينية، مؤكدا أن جلالة الملك عبد الله الثاني تصدى للضغوط الكبيرة جراء صفقة القرن عبر “اللاءات الثلاث”، لافتا إلى أن الإدارة الأميركية الحالية تعلم جيدا حجم الصعوبات التي مرت بها المملكة.
وجدد التأكيد أن الأردن تمكن عبر أدواته من إيقاف المخطط الأميركي الصهيوني، بيد أن صفقة القرن لم تعد محور نقاش على طاولات المفاوضات منذ 6 أشهر، معتبرا أن نجاح الصفقة لو تمت لكانت كارثة على الأردن والمنطقة بأكملها.
وزاد، “بغض النظر عما أوردته صحيفة الواشنطن بوست. أن أية فتنة تعني كارثة غير أن الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة الأردنية دوما مستيقظة أمام الفتن”.
ويختلف بولاد مع الكاتب الأميركي ديفيد إغناشيوس بشأن رسائل من الأجهزة الأمنية الصهيوني إلى الأردن تقول، وفقا لمسؤول استخبارات أميركي قرأها: “لا علاقة لنا بالأمر”، إذ يعلل حديثه بأنه لا يعتقد بأنهم لو لم يكن لتلك الأجهزة أية دور لما رأيناها تتحدث اليوم عن عدم ضلوعهم أو علمهم بتلك الحادثة.
ويشير إلى أن الحاقد لا يرى إلا الجزء الفارغ من الكأس؛ إذ إن المتربصين حاولوا استغلال حادثة السلط وانقطاع التيار الكهربائي عن المملكة، منوها بأنه لو نجح حادثة الفتنة “لما كنا نتحدث الآن”، تلميحا منه على زعزعة استقرار المملكة وأمنها.
ويؤكد أن النسيج الوطني كان ملتفا حول جلالة الملك، لافتا إلى أن “الضربة اللي ما توقعك.. بتقويك. بمشيئة الله نحن أقوى، وعلى ثقة تامة بقيادتنا”.
واعتبر بولاد أن جلالة الملك جاد كليا في السير نحو تطوير الحياة السياسية، متمنيا أن تخرج اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية بتوصيات من شأنها تطوير المنظومة السياسية؛ حتى نبدأ بالملف الاقتصادي الأصعب كون المشكلة في الأردن اقتصادية أكثر منها سياسية.
الملك لا يستسلم للضغوط
بينما توجه العين السابق غازي الطيب إلى أن أية حلول على حساب القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني سيبقي الصراع دوما ويفتح المجال للعنف.
ويؤكد أن جلالة الملك عبد الله الثاني دوما في اجتماعاته كان يرفض صفقة القرن وعدم التخلي عن القدس وعدم موافقته على التوطين “اللاءات الثلاث”، ما آثار حفيظة المؤيدين للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب كون الأخير كان يتوقع الحصول على الضوء الأخضر من الأردن على خطته، الأمر الذي لم يحدث لما له من عواقب وخيمة.
ويشير إلى أن القراءة الأولية لمقالة الواشنطن بوست تؤكد ردود فعل إدارة ترامب ضد الأردن؛ بسبب معارضة جلالة الملك عبد الله الثاني، لافتا إلى أن خطة ترامب فشلت ولم تحقق الأهداف كون جلالته وقف ضدها.
وينوه بأن القائمين على الخطة أصيبوا بالدهشة من الموقف الشديد لجلالته، إذ إنهم قاموا باستبعاد الأردن من المفاوضات بشأن أي ملف يخص الشرق الأوسط بخلاف ما كان سائدا من قبل جميع رؤساء الولايات المتحدة.
ويضيف الطيب، أن القائمين على الخطة حاولوا أيضا تهميش دور الأردن وجلالة الملك؛ لذلك لم تنجح الخطة على الأرض، لافتا إلى أن مغادرة بنيامين نتنياهو لحكومة الكيان دق مسمارا آخر في نعش الصفقة؛ إذ إن مدير الاستخبارات الصهيوني السابق أكد على الدور الأردني الهام في إشارة منه على انقلاب السحر على الساحر، ويقصد هنا نتنياهو.
وفيما يتعلق بحادثة الفتنة، يشير إلى أن الموقف حساس جدا في الحادثة التي قام بها باسم عوض الله والشريف حسن؛ حيث لهما، وفق الكاتب الأميركي، علاقات مع دول عربية أيدت صفقة القرن في محاولة لزيادة الضغوط على الأردن.
ويشدد الطيب أن جلالة الملك عبد الله الثاني لا يستسلم للضغوط بل يعمل بموجب قناعاته، مضيفا أن القائمين على حادثة الفتنة فشلوا في محاولة إيجاد بديل لنظام الحكم؛ كون ثقة المواطنين بجلالة الملك كبيرة ولعلمهم بقدرة جلالته على اتخاذ القرارات التي تصب في مصلحة فلسطين والأمة العربية.
واستذكر تأكيد جلالة الملك بعدم التخلي عن القدس في جميع المحافل المحلية والدولية التي وجدت صدىً على الساحة العالمية، مشيرا إلى أن الرئيس بايدن كان قبيل توليه كرسي الرئاسة يشدد على أنه لا حل للنزاع الصهيوني الفلسطيني دون حل عادل للدولتين، الأمر الذي ينسجم مع وجهة نظر جلالة الملك.
ويؤكد الطيب أن الفتنة وئدت من قِبل جلالة الملك الذي يدرك أن الموقف حساس كونه صادق ويعلم ما الذي يدور؛ لذا فضّل معالجة الملف على مستوى الأسرة. بينما تسير التحقيقات حسب الأصول مع المتهمين في القضية.”هلا أخبار”